الطريق الصاعد نحو الحكومة والطريق النازل في اتجاه المعارضة طريق واحد، وننبه إلى أن هذه الاستعارة من الفكر اليوناني القديم تنطبق تماما على عباس الفاسي،الأمين العام لحزب الاستقلال والوزير الأول. عباس الفاسي كان مصرا على أن ينهي مساره السياسي بمرتبة وزير أول تيمنا بأحد أجداده الذي كان يحمل الاسم نفسه،وتولى منصب الصدر الأعظم في نهاية القرن التاسع عشر. ورغم تورط عباس الفاسي في فضيحة "النجاة" فإن إصراره على الوزارة الأولى جعله يدوس على الجميع من أجل تحقيق هذا الحلم ولو مرة واحدة في حياته لكن استطاع الاستمرار في ظل تعديلين حكوميين،وواصل قيادة الحكومة بدعم ملكي بعد اصطفاف حزب الأصالة والمعاصرة في المعارضة قبيل الانتخابات الجماعية،وتجميد عضوية أحمد أخشيشن،وزير التربية، درءا لأي إشكال دستوري ما دام الوزراء يعينهم الملك. لكن يبدو، حسب المتتبعين، أن التعديل الحكومي الأخير فاجأ عباس الفاسي، بل شكل ما يشبه الصدمة بالنسبة للوزير الأول، الذي أحس بالغبن بعد هذا التعديل لأنه لم تكن له يد فيه ولم يستفد منه شيئا. هذه الصدمة جعلته يذهب بعيدا في طرق أبواب المعارضة من خلال استقباله لقيادة العدالة والتنمية في منزله. اللقاء الذي حاول الطرفان وسمه بأنه لقاء تشاوري سعى إلى بعث رسائل إلى من يهمهم الأمر وأساسا إلى الملك. لكن الشيء الذي نسيه الفاسي أو تناساه هو أن أغلبيته الحالية مضمونة بالدعم الملكي بعد سحب الأصالة والمعاصرة مساندته للحكومة والعودة الرمزية للحركة الشعبية للحكومة دون أن تطرح حسابات المقاعد البرلمانية كقاعدة لعدد الحقائب الوزارية. خطوة عباس الفاسي انتقامية وتقليدية في الوقت نفسه. حاول من خلالها تقليد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وخصوصا الجناح الذي يقوده إدريس لشكر المستوزر أخيرا في حقيبة العلاقات مع البرلمان، الذي لوح كثيرا بالتحالف مع العدالة والتنمية قصد نسف الأغلبية الحكومية، وتبين في النهاية أن العملية لم تكن إلا تسخينا من أجل تقوية موقع الاتحاد بالحكومة وتعويض لشكر عن سنوات النضال. فعباس الفاسي يريد أن يلعب الورقة ذاتها التي لعبها وزيره الجديد. أما كونها انتقامية فهي جاءت ردا على التقارب الحاصل بين الاتحاد الاشتراكي والأصالة والمعاصرة والانسجام الحاصل بين هذا الأخير والحركة التصحيحية داخل التجمع الوطني للأحرار ضدا على حليف عباس القديم مصطفى المنصوري. ثلاثي الاتحاد والأصالة والحركة التصحيحية يحمل كل واحد منه الآن لواء الانخراط في المشروع الملكي، وهذا المشروع لا يعدو أن يكون مشروع تطوير المغرب في تناسق تام بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية والأفكار الليبرالية والتقدمية،وهو مشروع يرتكز أولا على التنمية والبناء كقاعدة صلبة لنمو الأفكار والأطروحات الملائمة للعصر،مما أوحى لعباس الفاسي بأن تكتلا سياسيا جديدا يتشكل ربما لن يجد نفسه وسطه،وبالتالي بدأ في توجيه رسائل وإشارات في اتجاهات متعددة. الرسالة الأولى يوجهها عباس الفاسي إلى الملك محاولا أن يقول إن تحالفه مع العدالة والتنمية باستطاعته خلط الأوراق من جديد،وهو نوع من الاحتجاج الصامت حول عدم استشارته في التعديل الحكومي، لكن ما نسيه عباس هو أن التكتل الجديد يمكن أن يقلب الأوراق جميعها وخلق تحالف جديد لا يجد فيه حزب الاستقلال ذاته. والرسالة الثانية يوجهها إلى حليفه الذي شرع في مغازلة العدالة والتنمية الذي لم ينس له الفاسي الضربة التي وجهها له قبيل الانتخابات الجماعية. بقي سؤال ينبغي أن يجيب عليه حزب الاستقلال قبل أي تقارب مع العدالة والتنمية؛هو هل هذا الأخير يمكن أن يكون شريكا في أي مشروع لتطوير المغرب سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا؟