لم يجد محمد الساسي، عضو المجلس الوطني للحزب الاشتراكي الموحد، من حل للخروج من حالة الفراغ السياسي التي يعيشها بقايا اليسار العدمي سوى الدعوة إلى التحالف مع الإسلاميين بكل أطيافهم وتياراتهم، بما فيها تلك الأحزاب المنحلة والفاقدة للشرعية، وهي دعوة يبحث من خلالها الساسي على إبقاء اليسار الذي انتهت مدة صلاحيته منذ زمن بعيد على قيد الحياة، لكن هذه الدعوة الغريبة والعجيبة في الآن نفسه تجحد ما يبررها في كون الساسي غادر المشهد السياسي منذ زمن بعيد وتحول إلى مجرد أستاذ جامعي برع في إعطاء الدروس النظرية، وفقد أي اتصال له بالعالم الخارجي، ليتحول إلى مجرد رقم في لوائح أجور الموظفين. وحين يتحدث الساسي عن مغرب ما بعد دستور 2011، إنما يحاول إثارة الانتباه، خصوصا وهو يتحدث عن عبد الإله بنكيران الذي منحه الدستور الجديد صلاحيات واسعة لم يسبقه لها وزير سابق، لكن الساسي يصر على اجترار كلام لا معنى له، خصوصا وهو يتحدث عن صلاحيات مستشاري الملك، ويعيد إنتاج نفس المصطلحات من قبيل حكومة الظل، والملكية المطلقة، وهي مصطلحات تأكد للجميع أنها فقدت لونها منذ زمن وتبخرت، خصوصا مع العهد الجديد الذي اعترف الساسي نفسه أنه أنجز كثيرا من الإصلاحات. إن مشكلة الساسي الحقيقية أنه لم يتأقلم مع الأجواء السياسية الحالية، وظل متقوقعا على نفسه، فاقدا لبوصلة التحليل السليم، طالقا العنان لمتخيله في محاولة للفت الانتباه، مع أنه يعلم كما يعلم غيره أن المغرب حقق فعلا طفرة نوعية في كل المجالات، وتمكن من تحقيق مصالحة تاريخية مع ماضيه قبل أن ينطلق لبناء حاضره ومستقبله، ولأن الساسي وكما هو حال باقي التيارات اليسارية العدمية يصر على ركوب موجة الرفض، والتقليل من شأن الإصلاحات التي عرفها المغرب والتي لقيت إشادة واسعة من قبل المجتمع الدولي، الذي اعتبر المغرب نمودجا للربيع العربي. إن ما قاله الساسي يؤكد أنه تحول إلى مجرد رجع الصدى، يعيش في برج عاجي منغلق، ويرفض الاعتراف بالتحولات التي يعرفها المغرب، وهو ما يجعل كل تحليلاته مجرد كلام بيزنطي لا معنى له على الإطلاق، خصوصا أن الكل يعلم أن حركة 20 فبراير وإن جاءت في صلب الحراك الاجتماعي الذي عرفه المغرب، إلا أنها لم تشكل النواة الحقيقية للإصلاحات السياسية التي عرفها المغرب. ولقد أثبت الساسي الذي خرج ذات يوم من أحضان الاتحاد الاشتراكي قبل أن يفقد ما تبقى من شعبيته، حيث لم يتمكن من الحصول سوى على 16 صوتا في آخر انتخابات شارك فيها، مما يؤكد أن المغرب تغير فعلا نحو الأمام، لكن الساسي ومن تبقى من اليسار يرفض منطق الأشياء ويصر على تكرار نفس الكلام الذي لم يعد يسمعه حتى اليساريون الحقيقيون.