عبد العزيز حيون لعل من الحسنات القليلة لتداعيات الازمة العالمية المالية, انها اطلقت العنان لخيال العديد من المقاولين الروس ليطرحوا خدمات غير مسبوقة في روسيا, تتكيف مع الواقع الاقتصادي الجديد, وتجنبهم خطر الافلاس في محيط اشتدت فيه المنافسة لكسب رضا المستهلك, واصبح الروبل معادلة لا بديل عنها للحفاظ على الحضور المتوازن في المجال الاقتصادي. فالملاحظ ان بعض المقاولين, خاصة منهم الشباب, افلحوا في ابتكار انواع جديدة من الخدمات في روسيا, واضطر البعض الآخر الى تبني او اعادة احياء بعض الخدمات, التي اما انها اندثرت منذ مدة طويلة من قاموس الاقتصاد في البلاد, او تحاشى الناس ممارستها, بعد ان ظهر اثر النعمة على العديد ممن استفادوا من الطفرة الاقتصادية غير المسبوقة التي تحققت في روسيا في السنين الاخيرة. ومن بين الخدمات الجديدة التي تطرح ضمن وصلات إشهارية منتظمة عبر مختلف وسائل الاعلام, ظهور شركات متخصصة في نقل الأخبار السيئة, نيابة عن الزبون, إلى المعنيين بالأمر, وتختلف قيمة الخدمة باختلاف حدة الخبر السيئ الذي يرغب الزبون في نقله. كما ظهرت شركات تقوم مقام العاشق الولهان, الذي تخونه التعابير, ولربما الخجل, في الافصاح عن حبه, وتقوم بالواجب باسمه, وهذه المرة تختلف قيمة الخدمة باختلاف الرجل او المراة المقصودين, والرابطة التي تجمع الشخص المعني بالزبون, وشخصيته ومزاجه. وتأسست أيضا شركات تقوم بمراجعة الضرائب بدلا عن الزبون لدى المصالح المختصة او لمقابلة مسؤولين يصعب على الزبون التعامل معهم, وكلفت بعض الابناك شركات حديثة اخرى لاستخلاص الديون بدلا عنها, والتواصل مع الزبناء والتحاور معهم, لبحث انجع السبل لاسترجاع الدين, والتقصي عن الواقع المالي للزبناء حتى يتلاءم قرار البنك مع حال الزبون المادي. وسارعت شركات أخرى الى خلق خدمات جديدة تسمى ب"خدمات القرب", مهمة المكلفين بها تسريع عملية استخلاص قيمة فواتر الماء والكهرباء والهاتف, عن طريق التعامل المباشر خلال الأوقات التي يفترض أن يكون فيها الزبون في منزله, سواء كان ذلك ليلا او في عطل نهاية الاسبوع, وذلك مقابل عمولات بسيطة لا تتجاوز ثمن تذاكر وسائل النقل الحضري وانتقلت عدوى خدمات "الازمة" الى الاحياء الجامعية, فقد اوردت صحيفة "ايزفيستيا" الروسية مؤخرا خبرا مفاده أن ثمة طلاب يعرضون مبلغا معينا لمن ينوب عنهم في حضور المحاضرات واعداد الدروس, وهناك طلبة آخرون مستعدون لحل وانجاز واجبات الطلاب لقاء مبلغ لا يؤثر على دخل الطالب المعني. وتلقى هذه الخدمات اقبالا كبيرا باعتبار ان الطلبة يفضلون التعامل مع زملائهم لتقارب وجهات النظر. وكان للمطاعم نصيب من "خدمات الازمة", فترى على ابوابها لافتات بالوان براقة وبارزة, تدعو زبائنها للاستفادة من وجبات تقول انها تستوفي كل الشروط الغذائية لكنها زهيدة الثمن وبسيطة بمكوناتها, وتعتمد في الغالب على انواع الخضر والفواكه والعجائن. وهناك من اصحاب المطاعم من ذهب به الخيال الى اقتراح اتفاق مع الزبون يقضي بالاستفادة من خدمات المطعم مقابل اداء مريح, يبلغ مداه نهاية كل شهر او وقت الحصول على التحفيزات المادية التي تؤديها الشركات الى مستخدميها, او تقديم فنجان قهوة المساء للزبون مجانا شريطة ان يكون الزبون قد تناول وجبة الغذاء بالمطعم. وظهرت في بعض مدن روسيا خدمة لم تكن سائدة من قبل هي "خدمة الاموات" ينوب فيها ممثل الشركة عن عائلة الفقيد في عملية اعداد الجنازة, من اختيار القبر والمراسم التي تسبق الدفن, إلى اعلان الخبر للمقربين واستخلاص الميراث, بحيث يتفرغ الزبون الى مهام أخرى, وحتى لا تؤجج الاجراءات المصاحبة للجنازة ألم الفراق. وحتى الحيوانات استفادت من الازمة ووجدت من يهتم بها, فقد بدأت تنتعش بعض الشركات البسيطة التي تتكفل بمصاحبة الكلاب والقطط في نزهات يومية, حين يكون مالك الحيوان مرتبط بعمل ما, او حتى تكاسل عن التجوال مع الحيوان بفعل الظروف المناخية القاسية او غيرها.وإذا كانت المناسبات والحيثيات والظروف المرتبطة بالخدمات الجديدة تختلف, إلا أنها تلتقي لا محالة في شئ واحد على الاقل, وهو ان الواقع الاقتصادي جعل الناس يحاولون التكيف مع المحيط والابداع, للخروج من الازمة باقل الخسائر التي قد تؤثر سلبا على موقعهم الاعتباري, وتوفير دخل اضافي يوفر لهم العيش الكريم.