يواصل الاقتصاد الإسباني انهياره منذرا بالسكتة المميتة لإسبانيا كقوة اقتصادية جهوية وإقليمية شكلت إلى عهد قريب أحد الدعامات المالية والاقتصادية الهامة لمنطقة الأورو من جهة ولمنطقة البحر الأبيض المتوسط ولدول الجوار التي يمثل المغرب ضمنها شريكا هاما لإسبانيا في الوقت الذي تشكل إسبانيا نفسها الشريك الثاني للمغرب في العالم بعد فرنسا. وعلى الرغم من تدخل منطقة اليورو باتفاق مع صندوق النقد الدولي نهاية يونيو لإنقاذ الاقتصاد الإسباني بمَنْح إسبانيا مائة مليار أورو للخروج من هذه الأزمة في إطار برنامج إنقاذ تظل معه إسبانيا تحت المراقبة، إلا أن الاقتصاد الإسباني واصل انهياره طوال يوليوز وإلى حدود اليوم، إلى درجة أن ديون الأبناك الإسبانية المستحقة لفائدة البنك المركزي الأوربي سجلت رقما غير مسبوق بعد أن تجاوزت في شهر يوليوز الماضي، قيمة 375.5 ملايير أورو. إذ أفاد تقرير للبنك المركزي الإسباني، أول أمس الثلاثاء، أن القيمة الإجمالية للدين ارتفعت مشكّلة استثناء قياسيا تاريخيا مسجلة أزيد من 38.3 ملايير أورو، محققة نسبة ارتفاع تصل إلى 11.4 في المائة في شهر يوليوز الأخير مقارنة مع شهر يونيو. وأوضح المصدر نفسه، أن التمويل المقدم للبنوك الإسبانية في الشهر ذاته، يمثل 50.5 في المائة من مجموع تمويلات الأورو بالمنطقة، مبرزا أن هذه الوضعية تكشف عن تفشي صعوبات جديدة تواجه المؤسسات المالية الإسبانية من أجل تمويلها في السوق. وكانت إسبانيا طالبت بمساعدة مالية أوربية لإعادة رسملة أبناكها التي تمر من ظروف صعبة بفعل الأزمة، حيث أعطى وزراء المالية في منطقة الأورو ، في يوليوز الماضي، الضوء الأخضر لمخطط مساعدة هذه الابناك، القاضي بتخصيص غلاف مالي يبلغ مائة مليار أورو. ويعني ارتفاع مديونية الابناك الإسبانية لفائدة البنك المركزي الأوروبي بهده الدرجة بداية الطريق إلى انهيار الاقتصاد الاسباني بسبب الانكماش وارتفاع التضخم وانخفاض النمو بشكل كبير وهي العوامل التي تجر إلى الإفلاس، كما يعني دخول المغرب بداية الانهيار الاقتصادي المباشر نظرا لارتباط المغرب بإسبانيا على الصعيد الاقتصادي بشكل كبير حيث تعتبر إسبانيا الشريك الثاني للمغرب بعد فرنسا، علما أن المبادلات التجارية بين البلدين تجاوزت 70 مليار درهم خلال 2011، وأن المغرب يستورد ما قيمته 39 مليار درهم، واستطاع في سنة 2011 جلب 1.5 مليار درهم من الاستثمارات الإسبانية، الشيء الذي يعني ثالثا انهيار حجم هذه المبادلات والاستثمارات بسبب انكماش الاقتصاد الإسباني المقبل على الإفلاس بسبب أزمة ديونه. ومرت أزمة إسبانيا من مراحل عدة كان لها تأثير قوي على علاقاتها الاقتصادية مع المغرب في العديد من القطاعات، بداية من القطاع السياحي الذي تراجعت عائداته على الاقتصاد المغربي بتراجع توافد السياح الإسبان على المغرب كوجهة مفضلة، مرورا بتراجع الصادرات المغربية في اتجاه إسبانيا، خصوصا فيما تعلق بالنسيج والجلد والمواد الفلاحية بما فيها من الثروة السمكية التي لعبت إسبانيا دورا كبيرا بشأنها في إطار تجديد اتفاقية الصيد البحري، إضافة إلى تدني الاستثمارات الإسبانية المباشرة بالمغرب. ويبقى التأثير الكبير للأزمة المالية الإسبانية على الاقتصاد المغربي في تدني تحويلات الجالية المغربية بإسبانيا بالعملة الصعبة إلى المغرب بعدما عاشت هذه الجالية على إيقاع فقدان مناصب الشغل بشكل تدريجي، ابتدأ في 2009 ليصل إلى ذروته نهاية ماي الأخير، وذلك نتيجة أزمة البطالة التي تفشت في جميع القطاعات الحيوية بإسبانيا، سواء في قطاع البناء والأشغال العمومية والعقار أو في قطاعات الفلاحة والسياحة والسيارات وقطاع الخدمات. وكان من نتائج ارتفاع البطالة في إسبانيا فقدان أكثر من مائة ألف عامل ومستخدم من جالية المغاربة بإسبانيا لمناصب شغلهم. وأفاد تقرير ميداني رسمي حديث أن الأزمة في إسبانيا أدت إلى فقدان 33 في المائة من مناصب الشغل بين الذكور (97 ألف منصب تقريبا)، في الوقت الذي كانت فيه حصيلة الإناث إيجابية بعض الشيء بزيادة 2,7 في المائة (أي 2000 منصب إضافي). وحسب التقرير، فقد شهدت الفترة الممتدة من 2009 إلى 2011 تسريحات بالجملة من مناصب الشغل القانونية، أدت إلى فقدان 16 ألف منصب شغل، وهو ما دفع أصحابها إلى اللجوء إلى مناصب شغل غير قانونية، مشددا (التقرير) على أن ثلثي شباب الجالية المغربية المقيمة بإسبانيا (68.6 في المائة) يعانون من البطالة. وتبقى عودة العاطلين من جالية مغاربة إسبانيا بهذا الكم إلى وطنهم الأم أحسن هدية تقدمها حكومة ماريانو راخوي إلى حكومة بنكيران، علما أن بنكيران كان بداية تعيينه في أعقاب انتخابات الخامس والعشرين من نونبر الأخير قد راهن على تحسين العلاقات الاقتصادية الثنائية بين البلدين والرفع من قيمتها بعد صعود الحزب الشعبي بقيادة ماريانو راخوي إلى الحكم، وهو الرهان الذي كان قد فسره استقبال رئيس الحكومة المغربية لوزير الحكومة الإسبانية بالأحضان والقبلات بمناسبة أول زيارة رسمية لحكومة حزب فرانكو إلى المغرب، نظير أول استقبال ديبلوماسي رسمي لحكومة حز ب البيجيدي.محمد عفري