قرر المكفوفون أمس الخميس تنفيذ عملية انتحار جماعي أمام أعين بسيمة الحقاوي، ولمن لا يعرف السيدة الوزيرة، فهي الوزيرة الوحيدة في حكومة بنكيران، وهي مكلفة بتدبير شؤون الأسرة المغربية والأطفال والفئات المهمشة في المغرب وفي مقدمتها المكفوفون، الذين يبدو أنهم ملوا وعود الحقاوي التي ظلت تشنف بها أسماعهم منذ وطأت قدماها الوزارة. والواقع أنه منذ دخولها مقر الوزارة، وهي تكرس كل مجهوداتها في البحث عن تعريب المصطلحات، حيث رفضت في وقت سابق استعمال مصطلح الأجندة، وراحت تبحث عن بديل له بلغة الضاد، وذهبت إلى رفض كثير من المصطلحات إما لأنها أجنبية، أو أنها ذات حمولة غير دينية، بل إن مواقفها في كثير من الأحيان كانت تعارض توجهات المجتمع المغربي تماما كما حدث بعد انتحار القاصر أمينة الفيلالي، ودفاعها المستميت عن تزويج القاصرات. لقد تركت الحقاوي مشاكل الأسرة المغربية التي ما أكثرها، وتجاهلت معاناة الطفولة المغربية، التي يتم استغلالها أبشع استغلال، في المعامل والمصانع والضيعات الفلاحية وداخل البيوت، لتبحث لنا عن مصطلحات عربية تعوض بها كل تلك المصطلحات والأسماء التي تعود عليها المجتمع المغربي، وكأن مشاكل الأسرة المغربية اختصرتها السيدة الوزيرة في تغيير المصلحات. ويجمع كثير من المغاربة أن الحقاوي برزت بخطابها الأكاديمي الجاف البعيد عن الواقع المغربي، خطاب وإن لم ينهل من شعبوية رئيسها في الحكومة، وزعيمها في الحزب، إلا أنه غارق في الضبابية وبعيد كل البعد عن المواطن المغربي. لقد كان على الحقاوي أن تبادر إلى وضع مخطط إنقاذ الأسرة المغربية التي تعيش في ظروف أقل ما يقال عنها أنها لا إنسانية وتفتقر إلى أدنى شروط العيش الكريم، وتمنح هذه الأسر إمكانيات تحقيق الاكتفاء الذاتي وفق استراتيجية تعتمد مبدأ التضامن، وليس كما أراد بنكيران منح 250 درهما للمطلقات والأرامل مقابل التضحية بصندوق المقاصة، كما أن مسؤوليتها تفرض عليها إليها الرعاية الاجتماعية التي تحتاجها الفئات الهشة، وخاصة المكفوفون الذين ضاقوا ذرعا بوعود حكومة بنكيران، ليقرروا في نهاية المطاف اللجوء إلى قتل النفس التي حرمها الله إلا بالحق. والأكيد أن ما يحدث في وزارة الحقاوي لا يختلف كثيرا عما يحدث في باقي القطاعات من مشاكل لم يستطع رئيس الحكومة، وهو الذي أقدم على استغلال صلاحياته بشكل سافر للمرور في ثلاث قنوات عمومية، ليزف للمغاربة خبر الزيادة في أسعار المحروقات، ويؤكد لهم أن هذه الزيادة لن تؤثر في ثمن "les bananes "، بل أكثر من ذلك لم يتمكن من إقناع ممثلي الشعب بعد ثلاث زيارات إلى البرلمان اثنتان للغرفة الأولى وواحدة للثانية، بكل الخطوات التي قام بها، حيث ظل يكرر ترديد نفس الأسطوانة المشروخة، ويستعمل نفس المصطلحات التي ميزت كيفية تدبيره للشأن العام. وهنا لابد من القول، إن قضية الانتحار الجماعي ليس قضية مكفوفين فحسب، ولا معطلين فقط، ولكنها تهم المغاربة جميعا الذين وجدوا أنفسهم في قلب عاصفة من التسونامي التي تكاد تقضي عليهم، بعدما أثبت الزمن فشل بنكيران في تدبير شؤون المغاربة، وإعادة الثقة لهم، من خلال صياغة علاقات أساسها التكامل، وخلال كل هذه المدة التي قضاها بنكيران رئيسا للحكومة، لم يتمكن من ترجمة ولو وعد واحد من الوعود الكثيرة التي قطعها على نفسه، وحتى المنحة التي قال ذات مساء وهو يقتحم بيوت المغاربة عنوة، إنه سيمنحها للمغاربة، تحولت إلى مسخ. إن ما يقع اليوم من حراك اجتماعي ومحاولات انتحار دليل آخر على أن الأمور ازدادت سوءا وأن كل ما فعله بنكيران هو أنه دفع المغاربة إلى مزيد من اليأس والرغبة في وضع حد لحياة بئيسة زادها بنكيران بؤسا وقتامة. لذلك فحين يهدد المكفوفون بتنفيذ انتحار جماعي، فهو إنما يعبرون عن مبلغ اليأس الذي بلغوه جعلهم يكرهون حتى حياتهم التي كرمها الله تعالى.