جرت ندوة نظمتها «المساء»، أول أمس بالدار البيضاء حول «تزويج واغتصاب القاصرات» شاركت فيها الوزيرة بسيمة الحقاوي وعائلة طفلة العرائش المغتصبة أمينة الفيلالي بحضور وازن لوسائل إعلام دولية ووطنية، في أجواء ساخنة رفعت خلالها محتجات من الحركة النسائية شعارات غاضبة ضد حكومة عبد الإله بنكيران، حيث وصفتها ب«الحكومة الرجعية». كما أشهرت هؤلاء المحتجات، في هذه الندوة التي شاركت فيها أيضا خديجة الرياضي رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ونجية أديبة، رئيسة جمعية «ما تقيش ولادي» ومصطفى بوهندي، أستاذ علم مقارنة الأديان ومحمد حماني، رئيس جماعة خميس الساحل ونائب برلماني عن دائرة العرائش، التي وقع فيها اغتصاب الطفلة، لافتات تطالب بتعديل الدستور وبالتحديد تعديل الفصل 475 من القانون الجنائي الذي يجيز زواج الفتاة بمغتصبها. وردت الحقاوي على هذه الانتقادات بالقول إن الحكومة الحالية ليست مسؤولة عن هذا الوضع القانوني الذي يمس بكرامة وإنسانية المرأة، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن الأمر يتعلق بإشكال حقوقي واجتماعي خطير جدا لم تنجح الحكومات السابقة في حله. ودعت الحقاوي تيارت المجتمع المدني إلى التقدم بمبادرات تشريعية مادام الدستور الجديد يسمح بذلك بدل ترك التشريع بيد الحكومة والبرلمان. وقالت الحقاوي إنها تشارك المحتجات وجهات نظرهن في قضايا الاغتصاب إلى حد التماهي. من جهته، قدمت عائلة الفيلالي القصة الكاملة لوقائع اغتصاب ابنتها في شهادة مؤثرة روتها والدتها، فيما اعتبر مصطفى بوهندي، أستاذ الأديان المقارنة أن واقعة اغتصاب بأمينة الفيلالي وتزويجها بمغتصبها تدعو إلى إعادة قراءة النص الديني لتفادي القراءات التقليدية التي تشرعن أمورا ثقافية تتعلق باغتصاب الفتيات ووأدهن. سليمان الريسوني: مساء الخير.. باسم هيئة تحرير جريدة «المساء» وتقنييها وإدراييها، نرحب بالسيدة بسيمة الحقاوي، وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، والسيدة خديجة الرياضي، رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والأستاذ مصطفى بوهندي، المختص في الأديان المقارنة، والأستاذة نجية أديب، رئيسة جمعية «ما تقيش ولادي»، والأستاذ محمد حماني، النائب البرلماني ورئيس جماعة الساحل، التي يدخل في دائرة نفوذها الترابي دوار «قريمدة»، حيث مسكن والدي الضحية أمينة. ونرحب أيضا، بحرارة، بأسرة أمينة الفيلالي، لحسن الفيلالي، والدها وزهرة بلمعلم والدتها، وأختها حميدة. كما نشكركم، باسم جريدة «المساء»، صحافييها وإدارييها وتقنييها، على حضوركم في هذه الندوة التي نريد من خلالها تسليط الضوء على قضية أمينة الفيلالي، التي كانت «المساء» أولَ من أثارها وسلّط الضوء الحقوقي والإعلامي عليها لتكون قضية أولى تعيد النقاش في المغرب وفي العالم حول مسألة اغتصاب القاصرات وتزويجهن طوعا أو كرها. في يوم 10 مارس الجاري، انتحرت الطفلة-الزوجة أمينة الفيلالي، يومين بعد 8 مارس، اليوم العالمي للمرأة. وقد كانت جريدة «المساء» أول من أثار الانتباه إلى هذه القضية. قبل أن نعطي الكلمة للأساتذة المختصين، كل في مجال تدخله، نريد أن نستمع أساسا إلى شهادة من أسرة أمينة. الكلمة أولا لوالدة أمينة، لأنها هي الأولى التي بلغ إلى علمها، حسب روايتها لجريدة «المساء»، أن ابنتها قد غُرِّر بها واقتيدت إلى الغابة. بقية الحكاية ستكون على لسان والدة أمينة زهرة بلمعلم. والدة أمينة: ذهبت إلى العمل كالعادة وتركت ابنتي في البيت. لكن عندما عدت إلى المنزل في ذلك اليوم، لاحظت أن أمينة غير موجودة، فبدأت أسأل الجيران عن الطفلة دون أن أجد لها أثرا. بعد ذلك، جاء طفل وأخبرني بأن ابنتي أمينة موجودة في الغابة. ذهبتُ إليها هناك وعدنا معاً إلى البيت. سألتها عما حدث فقالت لي إنها عندما كانت ذاهبة إلى المدرسة، اعترض أحدُهم سبيلها وأشهر في وجهها سكينا واقتادها نحو الغابة ليقوم باغتصابها هناك. بعد أن عدنا إلى المنزل وعلمتُ بالحادث، توجهت إلى بيت ذلك الشخص فوجدت أمه وخيّرتُها بين زواج ابنها من ابنتي أو التوجه إلى «المخزن». لكنها لم تكترث بما قلت. بعد ذلك توجهنا إلى طبيبة لتجري الفحص لابنتي، فأكدت لي أنها فقدت بكارتها، فانتقلنا بسرعة إلى المستشفى للحصول على شهادة طبية. وبعد تسلمنا تلك الشهادة، أودعنا شكاية في المحكمة فطلبوا مني التوجه إلى وكيل الملك. وعندما عدنا إلى المنزل وحكيت لزوجي ما حدث، توجه إلى الجهات المختصة لإيداع شكاية. ولما توصل الفاعل باستدعاء من المحكمة، قال لابنتي إنه يرفض أن يُزجَّ به في السجن وسيتزوج بها، وطلب منها أن تطلب منا إسقاط الدعوى، التي وضعناها في المحكمة. في صباح اليوم الموالي، توجهنا إلى رجال الدرك، الذين سألوا ابنتي عن الأفعال التي قام بها هذا الشخص، فقالت إنه سيتزوج بها. وحين سأله الوكيل العام عن عمله قال له إنه يشتغل في حمل الرمال، غير أنه كان يكذب. إذ ذاك، دعاه الوكيل العام للملك إلى الاعتناء بابنتي، وطلب منا العودة إلى الدوار من أجل جلب الوثائق الضرورية لإبرام عقد الزواج. هذا الشخص تكرفس لية على بنتي، ولن أسامحه أبدا، وأتمنى أن يقتص لنا القضاء منه وتتم إدانته بالمؤبد. سليمان الريسوني: وجب أن نشير إلى أننا كنا قد استدعينا زوج الطفلة-الضحية، لكنه أقفل الهاتف في اللحظات الأخيرة. السيدة بسيمة الحقاوي، طالبت بمجرد تفجّر هذه القضية، بفتح نقاش وطني. من خلال هذه الشهادة، أين يكمن الخلل؟ بسيمة الحقاوي: أولا، أريد أن أشكر «المساء» على تنظيم هذا اللقاء المهم جدا، الذي يجمع كل الفاعلين، سواء المنتمين إلى جهات رسمية أو المنتمين إلى المجتمع المدني أو العلم والمعرفة، وأسرة الفتاة، التي كانت ضحية لوضع ربما لم تكتمل المعطيات المرتبطة به. يصعب أن نتحدث عن واقعة فيها مسألتان تشوشان نوعاً ما، والتي ربما قد تفرمل الحديث بإسهاب عن هذا الموضوع. المسألة الأولى هي أن البحث ما يزال مستمرا، وبالتالي لا أدري الآن إن كان من اللائق، على الأقل بالنسبة إلي كمسؤولة حكومية، أن أتحدث عن موضوع «يؤرّق»، عن موضوع فيه إشكاليات مركّبة تجمع بين المشاكل الأسرية والقانونية والحقوقية، وأن تذهب ضحيةً، فوق كل هذا الأمر، فتاةٌ قاصر. هذا هو الإشكال الحقيقي المركّب، الذي يجب أن نقاربه من زوايا عدة. والمسألة الثانية هي التضارب في الأقوال، فقد سمعنا وقرأت أن هناك حديثا عن أن هذه الفتاة لم تنتحر وأنه تم تسميمها. ليست لديّ المعلومات المضبوطة.. ربما القضاء أو النيابة العامة يتوفران على هذه المعطيات. من جهة ثانية، لدينا اليوم فرصة أننا استمعنا إلى والدة الهالكة وسنستمع إلى والدها، وربما تهمنا شهادة السيد النائب رئيس الجماعة لأنه ملم أكثر منا. سليمان الريسوني: السيد رئيس المجلس القروي، هناك أربع حالات اغتصاب في دوار «قريمدة» في ظرف سنة، توفيت منها حالتان بسبب تناولهما مادة سامة.. بمَ تفسر ذلك؟ محمد حماني: في البداية، أشكر جريدة «المساء» على تنظيمها هذا اللقاء تحت شعار مهم وله دلالة كبيرة. لقد أصبحت لهذه القضية أبعاد أخلاقية وثقافية واجتماعية فيما يخص جماعتنا ووطنا. للأسف، في المغرب لدينا «ثقافة» الصّمت على مجموعة من الأشياء، التي تحدث في مجتمعنا ولها أثر سلبي على أبنائنا. لقد أخذت هذه القضية أبعادا كبيرة، ويجب معالجتها، لأن لها ارتباطات اجتماعية وثقافية فيما يخص حالات الانتحار أو محاولة الانتحار التي وقعت في ظرف سنة على مستوى منطقتنا، وهذا ما يطرح التساؤل ويفرض علينا تتبع القضية إلى أبعد مدى، وهذا يحتاج الدعم. سليمان الريسوني: الأستاذة خديجة الرياضي.. تعتمد الجمعية المغربية لحقوق الإنسان على المقاربة الشمولية لحقوق الإنسان. كيف قرأتم الأسباب التي أدت إلى هذا الاغتصاب؟ خديجة الرياضي: أقدم التعازي مجددا لعائلة أمينة، وأحيي هذا الحضور المهتم بهذه القضية وأحيي أيضا المجتمع المدني لأنه بفضل تحركه المنظم، وبفضل التفاف عدد من الهيئات الحقوقية والنسائية والشبابية وغيرها، سواء أمام البرلمان أو في الصحافة. وفي هذا المكان سنتمكن من خلق قوة ضاغطة لتغيير الأسباب التي أدت إلى هذه المأساة الحقيقية. قضية أمينة هي قضية أمينات وقضية فتيات عديدات وقضية نساء كثيرات كلهن يرضخن لقوانين متخلفة وتقاليد عتيقة وعلاقات اجتماعية قديمة جدا يجب تغييرها، ولا يجب أن نعتمد على التقاليد لنبرر قوانين متخلفة. هذه هي المقاربة التي يجب أن نعتمد عليها. نحن لسنا في محكمة أو جلسة قضائية للبحث عن المسؤول، فالكل مقتنع بأن هناك ضحية نتيجة العديد من العوامل، وبالتالي يجب علينا الوقوف على الأسباب المباشرة وغير المباشرة لهذه الواقعة. فهناك اغتصاب وتزويج فتاة قاصر وحرمانها من الدراسة والوضع الاجتماعي للعائلة والأفكار السائدة لديها باعتبارها جزءا من هذا المجتمع. لذا نتساءل: هل هناك فعلا مجهود لتغيير الأفكار التي تؤدي إلى مثل هذه المآسي؟ نحن في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان نعتبر أن الانتهاكات المتكررة التي وقفنا عليها من خلال دراسة حالة أمينة- إذ قام فرع الجمعية بمدينة العرائش بالتحري وجمع المعطيات الكاملة وخرج بتقرير يحمل مجموعة من الخلاصات- على جميع الجهات أن تتحمل مسؤوليتها فيها. اغتصاب الطفولة واغتصاب المرأة، وأيضا الوضع الاجتماعي المتردي وتهميش العالم القروي... تشكل كلها انتهاكات مركبة في هذه القضية، لكن ماهو بارز الآن هو مشكل القوانين المتخلفة، التي يجب فعلا فتح النقاش حولها. سليمان الريسوني: الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عادة ما تعتمد ما تسميه بالمقاربة الشمولية. انطلاقا من هذه المقاربة، ما هي الأسباب التي أدت أولا إلى الاغتصاب فالتزويج ثم الانتحار؟
خديجة الرياضي: بالنسبة إلى الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، مبدأ الشمولية هو مبدأ أساسي في حقوق الإنسان، إذ لا يمكن أن نتحدث عن حق وتأجيل حقوق أخرى. وغالبا ما تكون حقوق المرأة هي المؤجلة، وهذا شيء مرفوض. كما أن الأوضاع الاجتماعية في القرى وأحزمة الفقر المحيطة بالمدن تتوفر على شروط الاعتداء على حقوق المواطنين، خاصة النساء القاصرات منهن. الجانب الاجتماعي مهم جدا لسيادة الأمية في مجتمعنا، مما يؤدي إلى مثل هذه الإشكاليات. فكلما كان المستوى التعليمي للأسرة متقدما كانت أكثر حماية لأطفالها وأكثر اقتناعا بحقوق المرأة. الوعي الاجتماعي له دوره أيضا، لكن كل هذه المعطيات مرتبطة بالقوانين وبإقرار الحقوق وتنفيذ التزامات الدولة المغربية. سليمان الريسوني: أستاذة نجية أديب، هل أبناء المناطق المهمشة أكثر عرضة للاغتصاب والاعتداء؟ نجية أديب: نحن كنا ننادي منذ سنة 2003 بخصوص هذا الموضوع، لكن لا أذن صاغية. هناك أمينات كثيرات تحدثنا عنهن كثيرا وطرقنا الأبواب، لكن لا أحد يستجيب. أول أمس كنت في جرف الملحة لأن طفلة اختطفوها من أمام منزلها على متن سيارة، وتوجهوا بها إلى منطقة سيدي قاسم حيث وقع عطب بالسيارة، ثم أخذها أحدهم على متن القطار في اتجاه غابة تمارة حيث اغتصبها لمدة يومين. وقد لوحظ على جسدها آثار الكي بالسجائر. وبعد ذلك أخذها مختطفها إلى غابة مدينة مكناس ليعيد اغتصابها يومين آخرين ويلقي بها في محطة «بوجلود»، حيث قام رجل شرطة بصفعها عندما عثر عليها ملقاة بجانب المحطة. وعندما توجهت إلى منطقة جرف الملحة وطرقت باب الأسرة، فتحت لي أختها فطلبت منها لقاء نزهة، فقالت لي إن خالتها أخذتها معها إلى مدينة فاس، فقام بعد ذلك أخوها بتهديدي بالسلاح الأبيض قائلا: «ماتبقايش تجي لهنا راكِ شوهتينا». اتصلنا بالشرطة وطلبنا من العميد الاتصال بالنيابة العامة لإعطاء التعليمات لدخول المنزل من أجل إخراج الطفلة، لأن ذلك يعتبر عدم تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر. وبالفعل اتصل العميد بالنيابة العامة، ولكن للأسف الشديد أرسل شرطيين بزي مدني إلى منزل نزهة، فطرقا الباب وسألا عنها فقيل لهما إنها غير موجودة. ما كنا نريده هو اقتحام الشرطة للبيت لإخراج الطفلة. لكن الكل متواطئ. القانون متواطئ، والأسرة متواطئة، والقاضي الذي يقدم شهادة وفاة للضحية. فإذا كان لدينا قانون ينص على أن سن التزويج هو 18 سنة، فلنحتكم إلى القانون. فهذا الشخص الذي يتزوج طفلة لا يتجاوز عمرها 15 سنة هو شخص غير سوي. إنه «بيدوفيل». سليمان الريسوني: أستاذ مصطفى بوهندي، بصفتك أستاذا للأديان المقارنة، هل يمكن القول إن بعض التأويلات المعينة للنص الديني هي التي تؤدي إلى تبرير الاغتصاب وشرعنته، أم أن الإسلام براء من ذلك؟ مصطفى بوهندي: شكرا على كسر السكوت، وأنا مع الذين يكسرون السكوت، وأقول إن النص الديني يحتاج إلى قراءات جديدة لأن القراءات التقليدية كثيرا ما شرعت أمورا ثقافية، لكنها أصبحت هي الأمور الدينية باسم الله ورسوله. أنا سآخذ امرأة العزيز من القرآن لتقدم لنا ثقافة كسر السكوت. القرآن يأتي بهذا المثال لكسر الصمت في مجتمع يكذب على نفسه، رغم الأمراض والمشاكل التي يعيشها، لكنه عندما يتحدث عن الآخرين فهو بريء. لذلك آتت كل واحدة منهن سكينا وقالت له اخرج عليهن، فلما رأينه قطعن أيديهن.المجتمع يعيش مشاكل يخفيها، ونحن نحتاج إلى قراءات دينية جديدة تستطيع إخراج هذه المشاكل إلى الظاهر. فمثلا مريم في القرآن هي المرأة التي لم تتزوج، والتي واجهت مجتمعا عندما جاءت بولد، ولذلك قال لها هذا الولد الذي كان معجزة: «فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا». فجاءت إلى قومها تحمل ولدها فقالوا: «يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا»، واتهموها اتهامات شديدة حتى تكلم الولد وأزال هذه الاتهامات. نحن نأخذ هذه النصوص لنقرأها قراءة اجتماعية، فالمجتمع الذي نعيشه في ثقافته كثير من الكلام الذي يحتاج إلى قراءة تبين لنا أن المشكلة هي مشكلة النظر إلى المرأة، فلازالت عندنا كما قال تعالى»وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم». لابد أن لا تكون المرأة سببا للعار، وتزويج بنت قاصر هو إضافة مشكلة أخرى. إنها تتزوج بمن اغتصبها، فهي موؤودة لأننا قتلناها قبل أن تنتحر. ونحن نحتاج إلى قراءات جديدة في النص الديني حتى يزلزل الثقافة القاتلة للإنسان. إن مشاكلنا ثقافية وأكبرها هي المرأة، والقصص القرآني يتحدث عنها بشكل كبير. فلماذا تكون أم عيسى، أعظم رجل في الوجود، هي هذه المرأة التي لم تتزوج؟ وما معنى أن تكون أم موسى، الذي جاء بالتوراة، هي المرأة التي أوحى إليها أن تلقي بابنها خوفا؟. المرأة تعاني معاناة كبيرة ونحن نحتاج إلى أن نقرأ النص الديني ليس من أجل أن نثبّت ونكرس الثقافة القائمة، ولكن من أجل أن نزعزع هذه الثقافة، وكما يقول القرآن: «لو أنزلنا هذا القران على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله». نحن نحتاج إلى أن تتصدع هذه الثقافة. سليمان الريسوني: إجرائيا، كيف يمكن تطبيق ذلك على مستوى التشريع؟ مصطفى بوهندي: إجرائيا، يجب فتح هذه النقاشات، ولابد من السماح بقراءة النص القرآني قراءات جديدة، فليس هناك وكيل على النص، فهو نص للإنسان وللمسلمين جميعا والمفكرين. فلماذا هناك فقط إعادة تكرار الثقافة التقليدية الدينية، وليس فتح الباب أمام المثقفين. هناك مسلمون يقرؤون القرآن لكنهم ممنوعون من الخطاب. سليمان الروسي: الكلمة للسيدة الوزيرة فيما يخص التشريعات. بسيمة الحقاوي: صراحة، كنت معتادة على أن أشارك في الكثير من الندوات والمحاضرات قبل أن أكون في هذا الموقع. ولن يغير الموقع من رغبتي دائما في أن أحضر هذه المجالس، التي نتبادل فيها الأفكار، ويغذي بعضنا بعضا من حيث إنضاج المواقف، ولكن دائما بمستوى من المسؤولية، التي تخلق فضاء يعكس مستوى القوانين التي نتوفر عليها. الدستور اليوم يتحدث عن الديمقراطية والديمقراطية التشاركية وحق المجتمع المدني في التشريع، وبالتالي يجب أن نكون في مستواها. هذا النقاش جئت إليه من أجل أن نحيط بالإشكال، وليس للمزايدة على أحد أو يزايد علي أحد، وأنا أملك من الجرأة ما جعلني أنظم ندوة تواصلية في الموضوع واستدعيت جميع الفرقاء والوزراء المعنيين بهذا النقاش، لأننا بالفعل أمام إشكال خطير جدا. هذا إشكال حقوقي واجتماعي، ومنذ سنين خلت توالت الحكومات ولم تستطع أن تقدم انطلاقا من المقاربتين القانونية والاجتماعية حلا. أنتم لكم الجرأة في القول إن هذه الحكومة رجعية «ظلما»، وأنا لدي الجرأة لأقول إن الحكومات السابقة لم تستطع أن تقدم حلا لأن الحل ليس سهلا. أنا أريد التحسيس بشيء مهم جدا، وهو أننا أمام واقع يحتاج إلى حلول، وليس إلى مزايدات، فالمبادرة التشريعية اليوم ليست فقط في يد البرلمان، ولكن أيضا في يد المجتمع المدني، الذي يجب عليه أن يتملكها، وأن يبادر، وأن يأتي بمقترحاته في هذا الباب. الحكومة اليوم مجبرة على تقديم استراتيجيتها للحلول الناجعة: أولا، على مستوى التدخل القانوني، ليس فقط في المادة 475، ولكن في كل المواد التي تمس بكرامة المرأة وتمس بإنسانيتها وحقوقها المهضومة منذ أن كانت حواء. ثانيا، عندما تأتي المبادرة التشريعية من الحكومة من خلال مشروع قانون، وتأتي بمقترح قانون من خلال الفرق البرلمانية، إضافة إلى مبادرة المجتمع المدني، فمن سيتصدى لها إن كان هناك إجماع. لكن هناك تواطؤ في الفساد وقطع الطريق على الإصلاح وعلى مستوى القانون. فعلى الأقل نحن لدينا رغبة في التغيير والإصلاح كجهاز تنفيذي وتشريعي ومجتمع مدني. لابد من مقاربة قانونية لأنها هي التي تفتح الباب على تغيير وضعيات، غير أننا وجدنا مشاكل على مستوى تنزيل مدونة الأسرة، فالقضاة لم يطبقوا النصوص كما هي.كما لم يكن هناك التطبيق الضروري لتنزيل مضامين مدونة الأسرة، دون أن ننسى الواقع الاجتماعي الذي يسيطر عليه الفقر والجهل. سليمان الريسوني: لحسن الفيلالي، ألا ترى بأنك ساهمت كأب فيما آلت إليه وضعية ابنتك؟ لحسن الفيلالي: أنا لم أكن أعلم بما حدث، فابنتي كانت تدرس في مستوى الخامس ابتدائي، وقالت لي إنها كانت جد مهتمة بمستقبلها التعليمي. لكن لاحظت منذ حوالي شهر ونصف أنها لم تعد تذهب إلى المدرسة، وعندما كنت أسأل أمها عن سبب عدم ذهاب ابنتها إلى المدرسة كانت تجيبني بأنها لم تعد مهتمة بالدراسة. وذات يوم عدت إلى البيت فلم أجد أمينة، فسألت أمها، فقالت لي إنها ربما لدى الجيران أو بعض الأقارب. وأمام إلحاحي، اعترفت زوجتي بأن ابنتنا تعرضت للاغتصاب بعد أن اختطفها أحدهم واقتادها تحت تهديد بالسلاح إلى الغابة حيث اغتصبها، فطلبت منها أن تدلني على مكان وجود أمينة، لكننا لم نجدها عندما ذهبنا سويا للبحث عنها. في اليوم الموالي ذهبت زوجتي إلى حيث كانت الابنة وجاءت برفقتها، ثم رافقتها بعد ذلك إلى طبيبة أكدت لها أن الطفلة مغتصبة، لكنها رفضت تسليمها شهادة طبية لأن الأمر يتعلق بفتاة قاصر، فتوجهت أمينة رفقة أمها إلى مستشفى عمومي للحصول على شهادة طبية تثبت تعرض الطفلة للاغتصاب. وعندما جاءت زوجتي لإخباري بأنه طُلب منها التوجه إلى الوكيل العام للملك لوضع الشكاية، ذهبنا إلى المحكمة ووضعنا شكاية في الموضوع. وبعد حوالي 20 يوما استمع إلي درك مدينة العرائش وسجل أقوالي، فأكدت لهم بأن ابنتي لازالت مختطفة ومحتجزة بالغابة. عشية نفس اليوم جاءت زوجتي فأخبرتها بأن الدرك جاء للاستماع إلينا وطلب منا الحضور رفقة أمينة، فأكدت لي بأنها ستذهب لجلبها والتوجه في الغد إلى درك مدينة العرائش، وعندما توجهتا إلى الدرك الملكي، لاحظت زوجتي أن مغتصب أمينة كان يضغط عليها ويعدها بالزواج حتى لا تعترف بما اقترفه في حقها. وفي صباح اليوم الموالي، توجهت زوجتي وابنتي إلى وكيل العام للملك، فيما تم تقديم ذلك الشخص في حالة اعتقال، فسأله الوكيل العام عن سبب قيامه بتلك الأفعال، فرد عليه بأنه سيتزوجها، وأن العلاقة الجنسية بينهما كانت برضاها، فسأل نفس المسؤول ابنتي، التي لا يتجاوز عمرها 15 سنة، عن مدى رضاها بالزواج من مغتصبها، فلما أكدت له بأنها «كتبغيه» طلب منهما إعداد الوثائق والتوجه إلى قاضي الأسرة. وبعد أن عادت زوجتي إلى البيت، أكدت لها رفضي لهذا الزواج وامتنعت عن الذهاب إلى محكمة الأسرة لأنه لا يمكن أن أزوج ابنتي لشخص اختطفها واغتصبها تحت التهديد بالسلاح. لكنها مارست علي ضغوطات كبيرة، وهددتني بالرحيل عن البيت إذا رفضت الموافقة على هذا الزواج، فوجدت نفسي مكرها أمام موافقة الوكيل العام ورغبة الأم في تزويج أمينة من ذلك الشخص. بعد ذلك توجهنا إلى قاضي الأسرة، الذي سألني إن كنت موافقا على هذا الزواج، وبعد ذلك تم إبرام العقد دون أن يقدم الزوج أي شيء كصداق. وعند عودتنا إلى المنزل طلبت منه زوجتي إقامة حفل بسيط، لكنه رفض رفضا مطلقا، وأخذ ابنتي وتوجه بها إلى بيت عائلته. وقد كان يعنفها ويضربها، لكنني لم أكن أعلم بذلك، وقد توجهت أمينة إلى الدرك الملكي لتقديم شكاية في الموضوع، لكنهم طلبوا منها شهادة طبية. وفي صباح يوم السبت، جاءت ابنتي إلى البيت لأخذ بعض الأغراض، وفي حوالي الواحدة والنصف بلغ إلى علمي أنها نُقلت إلى المستشفى بعد تناولها مادة سامة. سليمان الريسوني: أستاذ محمد حماني، بصفتك عضوا في اللجنة البرلمانية قيد التشكل حول هذه القضية، ماهي أهم الخلاصات التي استنتجتها من خلال الوثائق والشهادات؟ محمد حماني: الكل يتحمل المسؤولية في هذه القضية: الأسرة والدولة والمجتمع المدني والمؤسسات المنتخبة والجماعات والمحلية والبرلمان، وكذا العادات والتقاليد التي يجب كسرها لأن ثقافة السكوت خلقت مشاكل كثيرة في المجتمع المغربي. وحتى القوانين المعمول بها في هذا الصدد يجب فتح نقاش وطني، ديني ومجتمعي، حولها للخروج بأشياء تعود علينا بنتائج مهمة. وبصفتي رئيس جماعة أقول إن الدولة لم تعط الاهتمام الكافي للعالم القروي. سليمان الريسوني: الآن نفتح باب النقاش، ونبدأ مع محامي الأسرة. رشيد آيت بلعربي (محامي الأسرة): ظاهرة الاعتداء الجنسي على الأطفال أصبحت بدون حدود، وأصبحنا أمام «غول» اسمه الاعتداء الجنسي على الأطفال. ما يهمني في قضية أمينة هو البلاغات الصادرة عن المسؤولين الحكوميين، التي لم نعد نعرف ما الصحيح فيها. بداية، وبعد تفجر القضية، صدر بلاغ من السيد وزير العدل مصطفى الرميد يؤكد على ثلاث نقط أساسية. النقطة الأولى أن الاعتداء على القاصر كان برضاها، والنقطة الثانية أن الأطراف اتفقت على الزواج، وأن الوكيل العام أمهل المغتصب للقيام بهذه الإجراءات، والنقطة الثالثة هي تأكيد وزير العدل على احترام جميع المساطر القانونية في هذا الملف، الشيء الذي جعل النيابة العامة بطنجة تمسك عن المتابعة. وهذه الأخيرة تحتمل وجهين: إما قرار الحفظ بالنيابة العامة وإما قرار عدم متابعة المتهم. في خطوة قامت بها جمعية «ماتقيش ولدي» في شخص محاميها، تقدمنا أمام السيد وكيل العام لدى محكمة الاستئناف بطنجة، فأخبرنا أن الملف لازال في طور البحث. ولكي لا يكون هناك أي لبس، فالملف الذي مازال في طور البحث ليس هو التسميم، بل شكاية الاغتصاب. الآن السيدة الوزيرة المحترمة تقول إن الملف لازال في طور البحث، والأستاذ محمد عبد النبوي قال، في لقاء نظمته القناة الثانية، إن الملف تم فيه الإمساك عن المتابعة بعد إبرام الزواج. والتساؤل الذي يحق للجميع أن يطرحه هو: ما هو القرار الحقيقي المتخذ؟ وهل هذا الملف طوي بشكل نهائي أم مازال في طور البحث؟ ما يثير أيضا في البلاغ وما لحظناه كذلك في هذه الندوة هو أن الكل يريد أن يجعل عائلة الضحية طرفا أساسيا في هذه القضية، في حين أن الطرف الأساسي هو الدولة المغربية والنيابة العامة ووزارة العدل، فالمشكل هو مشكل أجهزة الدولة المغربية. وأريد أن أؤكد أن هناك تغليطا للرأي العام بخصوص المادة 475 من القانون الجنائي، فهذه المادة لا علاقة لها بقضية أمينة لأنها تتعلق بالتغرير دون أن يصل إلى درجة الاعتداء الجنسي الذي يعتبر جناية. سمية نعمان جسوس(باحثة في علم الاجتماع): الجمعيات تشتغل على مثل هذه الحالات منذ سنين متعددة، وتنشر مقالات كثيرة حول هذه الحالات، واليوم انتظرنا حتى وقوع الواقعة ليستفيق الرأي العام ويتحدث عنها. أريد أن أثير قضية الشرف وأضع نفسي في مكان الأسرة، وأطرح السؤال التالي: أي مجتمع نحن فيه سيجعل الأم تضحي بابنتها في سبيل الشرف؟ ما هو شرفنا كمغاربة؟ هل شرف النساء المغربيات موضوع في فروجهن؟ كيف يعقل أن تعطي الأم ابنتها لشخص سبق أن اعتدى عليها، فقط لكي لا يستهزئ بها المجتمع لأن الفتاة عندما تغتصب تفقد قيمتها أمام المجتمع؟هل يجوز أن تفقد الفتاة قيمتها لمجرد فقدانها بكارتها؟ خديجة الركاني (محامية وعضو ربيع الكرامة): نعتبر أن مدخل الخلل الأسري تحوير وتحريف للنقاش، لأننا هنا من أجل المقاربة الحقوقية والاجتماعية. المسألة الثانية هي أن هذا «الكريمينال» محظوظ، لأنه ليس بيننا لأن مكانه هو المحكمة، وسندافع له عن حقه في المحاكمة العادلة. نطالب بتغيير مقتضيات الفصل 475 وتغيير مقتضيات زواج القاصر في الفصل 20 وما يليه من مدونة الأسرة. نحن نريد خطابا منسجما وليس إظهار خطاب التقدم والإرادة في التغيير تحت الضغط، وفي أماكن أخرى نعلن عن خطاب آخر. هناك تحالف يسمى «ربيع الكرامة « مكون من 22 جمعية نسائية، ويشتغل على القانون الجنائي منذ سنة 2008، وأنجز دراسة عن مسودة القانون الجنائي التي وضعتها وزارة العدل في عهد الحكومة السابقة وهذه. المسودة ألغي فيها الفصل 475، ومع ذلك قدمنا مذكرة مطلبية من خلال تصور شمولي. نحن نطالب بتغيير جذري للقانون الجنائي من حيث فلسفته لتنسجم والدستور الجديد، الذي يحسم في المشروع المجتمعي الديمقراطي ودولة القانون والمساواة والكرامة للنساء. نريد كذلك أن تتغير بنية القانون حتى يظهر لنا أن المشرع يعترف بالجرائم المرتكبة ضد النساء، ولديه تصور في معالجتها. نريد إلغاء جميع المقتضيات التمييزية التي تشرعن العنف من القانون الجنائي، وأن يحمي الحقوق والحريات الفردية للنساء. سليمان الريسوني: الكلمة للسيدة الوزيرة بسيمة الحقاوي: أنا لست قادمة من فراغ، ولكن جئت من المجتمع المدني وفاعلة فيه ومناضلة فيه وأيضا منكبة على قضايا النساء، وكنت نائبة برلمانية أمثل الشعب وأدافع عن قضايا، فأن نختلف في زوايا المقاربات هذا موجود في جميع أنحاء العالم ويغني النقاش. لكن أريد أن أصحح بعض الأشياء، فأنا لم أشكك في كون هذه القضية غير مرتبطة بالاغتصاب أو بغيره، ولكني أقول إن هناك معطيات وأنا لست قاضيا، فالذي يحسم في هذه القضية هو الجهة المختصة وأنا أحترمها. والذي يصرح بأن البحث جار أو توقف هو النيابة العامة وعلى لسان وزارة العدل، ومادامت هناك تداعيات فلابد أن يكون هناك بحث جارٍ. لقد اشتغلت مع عبد السلام بناني والجمعية التي كنت أترأسها لها شراكة معه، وبالتالي هذا المجال لست غريبة عنه، سواء في تكويني الأكاديمي أو الجمعوي أو السياسي. لكن يبدو أن البعض جعل من هذه القضية قضيته ويريد أن يحتكرها، ويقول للآخرين أن ليس لهم الحق في التطرق إليها وإلا سنتهمكم. لقد قمنا بلقاء مسؤول مع جميع الفرقاء، ووجدت على «تويتر» و«الفايسبوك» أنني ادعيت بأنه «لو كانت هاد البنت أنا غادي نربيها». فهل يجوز لمسؤول حكومي أن يقول مثل هذا الكلام؟ هل يجوز لإنسان متخلق ويحترم هذه الأسرة أن يقول مثل هذا الكلام؟ وأنا أعلن من هنا أن هذا كذب وافتراء لم أقل منه كلمة واحدة، وهذا يعني أن هناك من يصطاد في الماء العكر. يؤلمني جدا قضية الاغتصاب، وإذا تذكرتم فقد شاركت في برنامج على القناة الثانية قبل وقوع هذه النازلة، وطالبت بتشديد العقوبة على المغتصب نظرا للآثار الاجتماعية والنفسية التي تعاني منها المرأة. أنا لم أنتظر حتى وقوع هذه الواقعة، ونحن لسنا مسؤولين عن التدابير التي لم تتخذ من قبل، فهذا هو الشهر الثالث لتشكيلنا الحكومة، ولا يمكن أن ننعت بالرجعية في التدبير السياسي، لأننا اليوم في موضع المساءلة عن التدبير السياسي. أريد أن أقول إنه يجب اغتنام هذه الفرصة، رغم أنها مناسبة مؤلمة، لطرح الإشكالات بشكل حقيقي. يجب على المجتمع المدني أن يقوم بالمبادرة التشريعية بالطريقة التي سينظمها القانون التشريعي، وعندئذ سننجح معا لأننا نتقاطع في كثير من المواقع، خاصة في هذا الموضوع الذي نتماهى فيه. لا يمكن أبدا أن نقبل بوجود المغتصب في الشارع والمغتصبة في القبر. لكن هناك مسألة تؤرقني ولا تتحدثون عنها، فعندما تضبط المرأة الرجل في حالة خيانة زوجية يقولون لها إنك إذا تنازلت سيتم إطلاق سراحه، بينما إذا ضبط الرجل زوجته في حالة خيانة زوجية يشدد على ذهابها إلى السجن، وهذا يجب أن يراجع أيضا. أنا لن أغير جبتي النضالية من أجل المرأة فقط لأنني مسؤولة في حكومة، بل سأستمر في هذا النضال، وكل من لديه مبادرة فليتقدم بها، والدليل أن اللقاء الذي نظمته كان يحتاج إلى جرأة كبيرة واعتمدت لائحة الجمعيات المعتمدة في عهد الوزير السابقة نزهة الصقلي. صحيح، كان هناك رد فعل ربما أقبله من حيث المنطق، ولكن كانت هناك فرصة للتواصل، وعندما نعرف بعضنا بعضا سننتج تشريعا ونغير السلوكات التي تحتاج إلى التعبئة من طرف المجتمع المدني والحكومة وسنتعاون على ذلك. سليمان الريسوني: الكلمة للأستاذة نجية أديب نجية أديب: هناك سؤال طرح حول ما إن كان بإمكان طفلة مغتصبة أن تعيش رفقة مغتصبها. هذه قمة الفظاعة والأنانية، وهذا فكر ذكوري.نحن مجتمع منافق وأناني. فكيف يمكن لنا أن نرمي بطفلة ذات الخمسة عشر ربيعا بين مخالب ذئب بشري ينهش لحمها بقوة القانون الذي أعطاه الطفلة في طبق من ذهب. هذا القاضي الذي يعقد قرانها وهي في هذه السن يحتاج إلى علاج نفسي، فهذه الطفلة ليست مؤهلة لتكون أما وتربي لنا أجيالا. وتصريح وزير العدل بأنه كان هناك رضى وطبق القانون هو ضحك على الذقون، لأن عنصر الرضى منعدم، فالطفلة قاصر ومرفوع عنها القلم ولا يعتد بشهادتها. هل يعقل دفاعا عن «شرف العائلة» أن نلقي الفتاة في النار؟ الخطير في الأمر أن هناك تقصيرا من قبل العائلة، مع احترامي لها، لأن الطفلة كانت تعاني من التجويع والإهانة، ولكن الأسرة كانت تطالبها بالصبر، ففضلت الانتحار عوض العيش مع وحش هو الآن طليق ولم تتم متابعته.
سليمان الريسوني: الكلمة للأستاذة خديجة الرياضي خديجة الرياضي: هناك 37 ألف طفلة قاصر تزوجت في 2007 وأكثر من 40 ألف طفلة تزوجت في 2010، و10بالمائة من الزيجات متعلقة بالقاصرات. فالأمن الذي ينقذ فتاة في حالة هذا الاعتداء، هو نفسه الذي يقتحم البيوت في تازة وبني بوعياش ويعتدي على المواطنين. أعتقد أن ما وقع، رغم أهمية الضجة والتعبئة التي حدثت، لا يجب أن ينسينا بأن هذه المطالب قديمة وليست جديدة، ومازال أمامنا نضال مستمر. ربيع الكرامة وضع مذكرة مهمة. وللأسف ليس المغراوي فقط الذي قال إن سن الزواج غير محددة، ولكن السيدة الحقاوي سبق لها أيضا أن قالت نفس الشيء. وما يهمني هو التزامات المغرب في مجال حقوق الإنسان، من خلال استراتيجية 2011-2015 الموجهة للمساواة والخطة من أجل مغرب جديد لأطفاله التي تهم حماية الأطفال، إضافة إلى العديد من الالتزامات التي نريد أن نعرف مصيرها. نحن لا نقول إن الحكومات السابقة قامت بدورها، فقد كنا دائما بالمرصاد ونتابع ذلك بالنقد والاقتراحات. يجب أن يكون هناك تكتل قوي للمجتمع المدني، وأن يكون هناك ضغط ليس فقط بخصوص الفصل 475 من القانون الجنائي، ولكن بالنسبة إلى العديد من البنود التمييزية. بخصوص الدستور هناك جوانب إيجابية فيه، ولكن هناك أيضا جوانب متخلفة، والمعركة طويلة سنستمر فيها. سليمان الريسوني: نختم الآن بمقاربة الأستاذ بوهندي لهذه القضية. مصطفى بوهندي: نحن مدعوون باختلاف اتجاهاتنا الفكرية والمذهبية إلى فتح نقاش بشكل أكبر لأن شبابنا يعاني من أمور كثيرة بسبب سكوتنا عنها، وحتى عندما يتكلم الحقوقي ورجل الدين والأستاذ الجامعي، فإن كل واحد يتكلم من موقعه، ولا يشعر بمشكلة الطفلة أو الطفل. إن كل نص ديني هو دعوة للإنسان إلى النظر في نفسه وفيما حوله والشعور بكل شيء. الإنسان الذي ليس لديه بصر وسمع وأفئدة لا معنى لدينه. النص الديني تحول إلى «لغة»، وتحولت الآية من دليل عقلي إلى نص يحتاج إلى رجل عالم ليكون وسيط الناس إلى النص. فثقافة الوساطة جعلتنا نناقش مشاكل من ثقافات أخرى وبعيدة عنا، والمشاكل التي يعشيها أبناؤنا اليوم في علاقاتهم الاجتماعية وعلاقاتهم الجنسية هناك مقترحات في الدين تقدمية جدا يمكن أن تسقط التقليد المتخلف المكرس للتخلف. سليمان الريسوني: شكرا لك أستاذ مصطفى بوهندي ولجميع المتدخلات والمتدخلين. شكرا على حضوركن وحضوركم.