حينما نشرنا رسالتنا المفتوحة الموجهة إلى لجنة المتابعة التي تسهر على تنسيق العمل النقابي و تتبعه بين المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين - وهو عمل نقابي تحت عنوان النقابة الوطنية للتعليم العالي التي كانت دوما تشتغل في مراكز تكوين الأطر العليا - لم يكن همنا و لا في بالنا غير استحضار القضايا الكبرى التي تهم التكوين ومؤسسات التكوين بالذات. فنحن لم ننطلق يوما في طرح هذه القضايا برهانات ذاتية و لم نساجل أحدا و لم نجادل أحدا ولم نصادر على شيء مسبق ... إن لم نصادر على التكوين و جودته و قضاياه الفكرية والعلمية والأكاديمية والتربوية و البيداغوجية كأساس أساس. إن من ينطلق من أولوية التفكير في التكوين ليس كمن ينطلق من أولوية أخرى. وهذا معناه أن التكوين هو الذي يعطي هوية للمشتغل فيه وبه ، وهو الذي يحدد المطالب برمتها في جميع أشكالها حتى و إن كانت نقابية. إذن، نحن أمام تصورين سائدين الآن في مراكز التكوين؛ أولهما ينطلق من الإطار، وهو التصور النقابي الذي تختزله النقابة الوطنية للتعليم العالي بشكل خاص وجميع النقابات بشكل عام، وحيث ينقلب المنقب إلى محامي حافظ للقوانين و المراسيم . والتصور الثاني الذي ننطلق منه هو التصور الفكري العام الذي يجعل التكوين هوية مهنية خاصة بالنظر لخصوصية الاشتغال في مراكز التكوين. وتفصيل القول سيكون كالآتي : النقابة الوطنية للتعليم العالي في مراكز التكوين نقابة من؟ قلنا في رسالتنا المفتوحة السابقة أن النقابة الوطنية للتعليم العالي كانت حاضرة في مراكز التكوين، وكان حضورها متفاوتا من مركز إلى آخر، من المدارس العليا إلى المراكز الجهوية و مراكز تكوين المعلمين والمعلمات ... و قد كانت في المراكز التربوية الجهوية و المدارس العليا أكثر حضورا منها في غيرها بحكم الانتماء اسميا إلى مراكز تكوين الأطر العليا كما تنص على ذلك المراسيم القانونية أو نظرا لخصوصية الفئات المشتغلة فيها. غير أن الحضور النقابي في هذه المراكز كلها اتسم بضبابية كبيرة منذ 1997 لغياب التصورات و لوحة القيادة كما قلنا في رسالتنا السابقة ، ومرد ذلك إلى عدة أسباب منها : أولا : تعدد الفئات المشتغلة في هذه المراكز. ثانيا : احتلال هذه المراكز الدرجة الأخيرة في سلم الأولويات في الحوار النقابي العام والملف المطلبي للنقابة. إذن كيف لنقابة تشتغل في مراكز التكوين وتدرك أن مرسوم 1997 يهم هذه المراكز ولم تطرح يوما قضايا تكوين الأطر ومستقبل المراكز بتصور شمولي إن لم يكن التجزيء والاختزالية هو المنطلق و المآل. والدليل على ذلك هو التغاضي عن قانون 01.00 لحظة إلحاق المدارس العليا بالجامعات بسرعة غريبة و مريبة دون التفكير في مصير المراكز الأخرى. من الواضح إذن أن التعامل مع مراكز تكوين الأطر كان بدرجات متفاوتة ، وهو ما سينعكس على الاهتمام بالملفات المطلبية لهذه المراكز وللمشتغلين فيها. ومن أهم هذه الملفات هو تفعيل مرسوم 1997 عينه أو على الأقل طرحه للنقاش العام. لقد ظل هذا المرسوم غريبا عن مراكز تكوين الأطر العليا رغم أنه يهمها إن لم نقل ظل مهربا عنها و كأنه لا يهمها فكانت النتيجة أن تناقضت النقابة الوطنية للتعليم العالي مع النضال المبدئي و المطلب المبدئي لتنشغل هي الأخرى بالفئات الأكثر قربا من جهة ما. والسؤال المطروح دوما هو : من هو المنخرط (ة) في هذه الحالة و نقابته لا تدافع عنه لا علنا ولا مبدئيا. فهي تغاضت عن طرح مرسوم 1997 للنقاش والتفعيل، كما ألحقت المدارس العليا بالجامعات و أغفلت المراكز الأخرى و لم تناضل جديا من أجل قانون 01.00 ، كما أنها لم تفكر في تفعيل مواد مرسوم 1997 التي تهم كثيرا من العاملين بالمراكز؟ لنتذكر أن الانخراط في النقابة الوطنية للتعليم العالي كان يتأتى على أساس هوية المراكز قانونيا وليس بناء على الإطار. ففي هذه المراكز يوجد أستاذ التعليم الابتدائي و أستاذ الاعدادي و الثانوي و المبرز والأستاذ المساعد و الدكتور ...إلخ. وكل هؤلاء انتموا إلى النقابة الوطنية للتعليم العالي باسم هوية المراكز من جهة القوانين . لنتصور السناريو الممكن حصوله في الماضي والحاضر والمستقبل وهو كالتالي : لا شك أن العضوية هي عضوية كاملة لا تميز بين أستاذ التعليم العالي و أستاذ التعليم الابتدائي . فحالما يحملان نفس البطاقة يتساويان في الحقوق والواجبات ، فلا وجود لعضو أرقى و عضو أدنى من وجهة نظر القوانين المنظمة للنقابة. ولنفترض أن الأغلبية عدديا كانت لغير أساتذة التعليم العالي في لحظات المؤتمر و ما شاكله من انتخاب الأجهزة ، ولنفترض أن مكتبا أو جهازا رئيسيا تشكل من غير الأساتذة الجامعيين انتخابا و تصويتا ديمقراطيا، بل ماذا لو حصل إذا انتخب استاذ التعليم الابتدائي أو مبرز كاتبا عاما للنقابة الوطنية للتعليم العالي. فما الموقف الذي سيكون عليه واقع الحال؟ إذا كان هذا السيناريو محتملا فإنه يعكس واقع حال مراكز التكوين في علاقتها بالنقابة الوطنية للتعليم العالي منذ 1997 . لماذا لم تفكر النقابة على غرار النقابات ذات المطالب المبدئية في الدول المتقدمة في سيناريوهات تأهيل الموراد البشرية؟ لماذا لم تفكر في إبداع صيغ بديلة للاعتراف بالمؤهلات؟ لماذا لم تناضل لإدماج الحاصلين على دبلومات وشواهد عليا في مراكز التكوين بناء على مرسوم 1997؟ لماذا لم تطرح تصورا عاما ينسجم ومهام التكوين لا التدريس يهم مراكز التكوين؟ لماذا عجلت بحل مشاكل المدارس العليا وتناست أو أهملت مراكز التكوين الأخرى؟ لماذا و لماذا؟ ونقول اللماذا من جهة المبدأ أولا وأخيرا حتى لا نسقط في منطق هؤلاء لي و أولئك ليسوا لي. إن أستاذ التعليم الابتدائي و أستاذ التعليم الإعدادي و الثانوي أو المبرز أو المفتش العامل بمراكز التكوين لم يعد مقتنعا بالانخراط في نقابة إذا لم تدافع عنه . وعليه فإن عضويته النقابية لا معنى لها في مراكز التكوين إن لم تكن هذه النقابة تطرح مطالبه و تطور مهنته وتصون مصالحة. فما جدوى الانخراط في هذه النقابة إذن؟ هل الانخراط يكون من باب الأخلاق، أي انخراطا أخلاقيا ؟ هل الانخراط يكون معنويا؟ هل الانخراط يكون بسبب مرسوم 1997 المصنف للمراكز في إطار مراكز تكوين الأطر العليا؟ هل الانخراط قدرا؟ ألا يكمن هنا الفصام بالذات بين انتماء نقابي للتعليم العالي و إداري لجهة أخرى؟؟؟؟ إذا كان الانخراط لا معنى له بكل الوجوه المذكورة فيعني أن الذين انخرطوا في النقابة الوطنية للتعليم بمراكز التكوين يحق لهم أن يفتحوا حوارا اليوم عن هذا الماضي من كل الجوانب، وعن الاستثمار النقابوي لهم وربما السياسي كذلك. فماذا كانت تعتبرهم النقابة إذن؟ إن أي عمل نقابي إذا لم يستحضر جميع الموارد البشرية وتأهيلها بما يتوافق وخصوصيات التكوين في مؤسسات تكوين الأطر العليا لن يكون إلا عملا نقابيا فئويا أو جمعويا متقوقعا على عدد محدود من الأفراد. وخلاصة الأمر أن كل من يرى بأن النقابة الوطنية للتعليم العالي هي الحل الوحيد نقابيا ، وبالتصورات الحالية، في مراكز تكوين الأطر فإنه يريد أن يكرس الفئوية والتضليل الذي ساد منذ 1997 إلى اليوم. فما الممكن إذن؟ نقابة الانتماء المهني لا نقابة الإطار نود في البداية أن نطرح السؤال التالي : هل مراكز تكوين الأطر هي الجامعة؟ هل نمط الاشتغال هو نفسه؟ هل نمط البحث و التدريس هو نفسه؟ ...إلخ. يبدو أن الاختلاف واضح بين هذا و ذاك. فمراكز التكوين هي مهنية بطبيعة وظيفتها؛ أي أنها تعد المتخرج منها لممارسة مهنة لا ممارسة البحث الأكاديمي و العلمي والمعرفي. وبناء على هذا التمييز ستكون مراكز التكوين ورشا للتفكير والتجديد والإبداع و البحث و الترجمة والبحث في طرق ممارسة المهنة والوعي بها و التفكير فيها و في أشكال ممارساتها كمهنة ...إلخ. هكذا إذن ستكون هوية المكون وهوية مركز التكوين متناغمتين لأننا نفكر حيث نوجد و ليس كما يقال نوجد حيث لا نفكر ونفكر حيث لا نوجد. فالتمييز بين الجامعة ومراكز التكوين يعني أن مراكز تكوين الأطر تعد مهنيين و مهنيات سيمارسون مهنة لها علاقة بالطفل(ة) و التلميذ(ة) حصرا وبالمستقبل إجمالا. فالمتخرج من هذه المراكز لن يكون باحثا في مختبر أو معتكفا في مكتبة ؛ إنه سيدرس التلميذ(ة) في وضعيات غير متوقعة وفي جغرافيات ومناطق متنوعة ، ولأنه متخرج من هذه المراكز المهنية فالمطلوب منها أن تعده لهذا اللامتوقع و لهذا التعدد في كل شيء، شأنه في ذلك شأن المفتش و الموجه والمخطط و المدير والحارس العام و الناظر وكل من تشملهم مهن التربية والتكوين. فالبحث (العلمي) هنا ، في المراكز، له علاقة بالمهنية والتمهين والمهننة وليس كالبحث الجامعي، لأن غايته الأساسية هي تطوير الأداء المهني وبناء المهنية لدى المكون (ة) في مراكز التكوين ولدى المتخرجين والمتخرجات من مراكز التكوين. إذن ستكون الهوية المهنية في مراكز التكوين هي هوية التكوين وليست هوية الإطار. وهكذا يمكن أن نجد حلا يشمل الجميع ،جميع العاملين في مراكز التكوين، على عكس التصور الأول. قد يستوعب هذا الحل جميع الاجتهادات الممكنة لنكون أمام هوية مهنية تنتمي للمؤسسة : الانتماء المهني لا الانتماء الإطاري و السلاليمي و السلكي (الأسلاك). إذن، إذا بدا لنا أن للتكوين ، لمهنة التكوين و وظيفة التكوين ، خصوصياتها فإن ولوجها يطرح مشاكل فكرية وعملية . ولعل ما نحن عليه من مشاكل اليوم أساسه ولوج مهنة التكوين دون تفكير في هوية المكون. إن التفكير بالهوية المهنية و بالانتماء المهني للمؤسسة ، أي التفكير بنقابة المهنة لا بنقابة الإطار و السلم هو الخروج من منطق تقليداني عبر عن نفسه دوما بمنصب الشغل . يكفي أن يكون لك رقم تأجير لتترقى وفق المنصوص عليه؟ ما هذا المنطق الذي يقتل الإبداع و الاجتهاد و الدينامية و يعلي من شأن الأقدمية والشهادة والدبلوم إلى حد قتل الإمكانات والفرص و الإبداعية والمردودية؟ إن نقابة المهنة هي نقابة المردودية و العطاء والدينامية و الاجتهاد. و بالجملة هي نقابة الكفايات لا نقابة الفوج والتفويج والمجموعات والأقدمية في المنصب. إن نقابة المهنة هي التعاقد حول المهنة مع من تهمه المهنة ، وفي حالة مراكز التكوين أن مهنة المكون تهم المجتمع برمته؛ ولذلك فإن طرحها للنقاش العمومي و السياسي والبرلماني والحزبي أمر لا مناص منه. من سنكون؟ لماذا؟ ومن سيكونه؟ فنقابة المهنة هي التعاقد حول كفايات مهنية أو لنقل التعاقد حول مرجع كفاياتي مهني وليس العمل بنظام أساسي همه هو السنوات والأقدمية والتفويج و الكوطا. إذن على أي أساس نتعاقد في النقابات التقليدية برمتها؟ سئمت شخصيا من ترديد لازمة الدفاع عن المصالح المادية والمعنوية . هل طرحت النقابات و الأحزاب و الدولة يوما أي مدرس(ة) نريد؟ أي مكون(ة) نريد؟...إلخ. نريد أن نتعاقد، أولا، حول المهن و أن يكون حوارنا حول المهن حوارا تعاقديا لا حوار القوانين و المراسيم والقرارات وووو مما جعل نقابيينا ينقلبون إلى محامين يرافعون في المحاكم بدل اجتهادهم في تطوير المهنة وإيجاد صيغ بديلة لتقويم الأداء المهني عدا الأقدمية و الشهادة و الدبلوم ... الحسن اللحيةأستاذ علوم التربية بمركز التوجيه والتخطيط بالرباط