تجري حرب استنزاف بدأت فجر الاربعاء ولا تزال مستمرة صباح الخميس في تولوز جنوب غرب فرنسا بين الشرطة ومحمد مراح الفرنسي الشاب الذي يشتبه بارتكابه ثلاثة هجمات اوقعت سبعة قتلى بينهم ثلاثة عسكريين وثلاثة اطفال يهود في المنطقة. ولم يعد بوسع محمد مراح البالغ من العمر 23 عاما الافلات من عناصر الوحدة الخاصة في الشرطة الفرنسية الذين يحاصرونه منذ اكثر من 24 ساعة في منزله والمصممين على القبض عليه على قيد الحياة, للاشتباه بارتكابه عمليات القتل التي اثارت صدمة هائلة في فرنسا وموجة ادانات دولية واسعة. ودوت ثلاثة انفجارات قبيل منتصف الليل, ثم انفجار رابع في الساعة 00,2 (00,1 تغ) في حي كوتيه بافيه السكني حيث يحاصر محمد مراح منذ الساعة 20,3 (20,2) من فجر الاربعاء. واوحت هذه الانفجارات بان الشرطة تهاجم شقة المشتبه به, لكن يبدو في الواقع انها تهدف الى ارهاق محمد مراح بعدما قطعت عنه الشرطة الماء والغاز والكهرباء. وقال مصدر قريب من التحقيق ان المشتبه به "كان يقول انه يريد الاستسلام, لكنه غير رايه. نزيد الضغط عليه لحمله على تسليم نفسه". وكان وزير الداخلية كلود غيان قال مساء الاربعاء "نامل ان نتمكن من تفادي شن هجوم لاننا نريد القبض على مراح حيا من اجل محاكمته", مبررا احجام وحدات النخبة عن اقتحام المنزل. وافاد مدعي عام باريس فرنسوا مولان الذي يقود التحقيق في القضية ان محمد مراح كان يستعد لشن هجوم جديد وقتل جندي الاربعاء حين تمت محاصرته. وحين حضر عناصر شرطة النخبة بعد تحقيقات موسعة للقبض عليه, فتح النار واصاب اثنين منهم بجروح ثم صد محاولات اخرى لتوقيفه. لكنه وافق على رمي احد اسلحته وهو مسدس كولت من عيار 45 ملم من نافذة شقته لقاء جهاز يسمح له بالتواصل مع الخارج, على ما اوضح مصدر مقرب من التحقيق. وبدأت عندها مفاوضات طويلة وشاقة كشف فيها المشتبه به عن معلومات كثيرة فقال بحسب ما نقل مدعي باريس انه تدرب في صفوف القاعدة وانه "تحرك دائما وحيدا", وتباهى بانه "جعل فرنسا تركع". واضاف المدعي العام ان الشاب "لم يبد اي ندم" بل تمنى "لو اوقع المزيد من الضحايا". وقال غيان ان المشتبه به استهدف الاثنين المدرسة اليهودية حيث قتل بدم بارد ثلاثة اطفال ورجل بعدما عجز عن رصد هدف عسكري. وبرر تصرفه مبديا تعاطفه مع الفلسطينيين ومعارضته لالتزام فرنسا العسكري في افغانستان وحظر النقاب. وذكر المدعي العام ان الشاب كان من الجانحين الاحداث وقد ادين 15 مرة حين كان قاصرا, مشيرا الى انه ابدى منذ الطفولة "شخصية عنيفة" و"سلوكا مضطربا" وقد طرد من الجيش الفرنسي, ثم جنح الى الراديكالية في الاوساط السلفية وقام برحلتين "بوسائله الخاصة" الى افغانستانوباكستان حيث معاقل تنظيم القاعدة. وقدرت اجهزة الاستخبارات الغربية مؤخرا ببضع عشرات عدد هؤلاء الجهاديين العائدين من المناطق الحدودية بين باكستانوافغانستان وقد عاد عدد منهم الى فرنسا حيث تعود اخر اعتداءات اسلامية الى العام 1995 حين شهدت البلاد موجة هجمات بالقنابل. وبدأ جدل يلوح في فرنسا حول مراقبة اجهزة الاستخبارات لهذه الشبكات الاسلامية المتطرفة. وكشف غيان نفسه ان محمد مراح كان تحت المراقبة منذ سنوات. وقد تم استدعاؤه في تشرين الثاني/نوفمبر 2011 الى مركز الاستخبارات الداخلية في تولوز لاستجوابه بشان رحلته الى افغانستانوباكستان. لكن غيان اكد انه لم يظهر حتى الان اي عنصر يشير الى انه قد يقوم بعملية. وبعد قتل ثلاثة مظليين في هجومين في 11 و15 اذار/مارس, قام الشرطيون بمقارنة قوائمهم للافراد الواجب مراقبتهم مع معلومات تم جمعها خلال التحقيق, غير انهم لم يتوصلوا الى تحديد هويته ورصد موقعه بشكل مؤكد الا الثلاثاء, بحسب المدعي العام. وفي مونتوبان اقيمت مراسم تكريم للعسكريين الثلاثة بعد ظهر الاربعاء بحضور الرئيس نيكولا ساركوزي ومرشحين اخرين للانتخابات الرئاسية في نيسان/ابريل وايار/مايو بينهم الاشتراكي فرنسوا هولاند. وقال ساركوزي ان منفذ الاعتداءات "كان يريد جعل الجمهورية تركع" لكنها "لم ترضخ" واصفا قتل العسكريين بانه "تصفية ارهابية". وكان ساركوزي جمع قبل الظهر في باريس ممثلي الديانات الكبرى في فرنسا من بينهم المسلمون واليهود "لاثبات ان الارهاب لن يتمكن من ضرب وحدتنا الوطنية". ورفضت القيادات الدينية المسلمة واليهودية اي خلط بين الاسلام وهجمات تولوز ومونتوبان. وقال رئيس المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية محمد موسوي ان "هذه الاعمال تتعارض تماما مع اسس هذه الديانة". وقتل سبعة اشخاص في تولوز ومونتوبان منذ 11 اذار/مارس, فقتل مظلي فرنسي اولا في تولوز يدعى عماد بن زياتن, ثم مظليين اخرين في 15 اذار/مارس في مونتوبان هما عبد الشنوف ومحمد لقواد واصيب ثالث بجروح خطرة, والجنود الثلاثة القتلى فرنسيون من اصل مغاربي والجريح من الانتيل. وهاجم الرجل الاثنين مدرسة يهودية في تولوز فقتل استاذ الديانة جوناثان ساندلر (30 سنة) الفرنسي الجنسية وابنيه غبريال (4 اعوام) وارييه (5) والطفلة مريمن مونسينيغو (7) ابنة مدير المدرسة, والاطفال الثلاثة يحملون الجنسيتين الفرنسية والاسرائيلية, وقد نقلت جثامين الضحايا الى اسرائيل حيث تم دفنها الاربعاء. واعادت المدرسة فتح ابوابها الاربعاء واعرب ذوي التلاميذ عن "ارتياحهم" لمحاصرة الشرطة المشتبه به غير انهم ينتظرون توقيفه.بقلم الكسندر بيريل واليكس ريكارت