أصبح متداولا في كل بلاد الدنيا تقديم دراسات اجتماعية حول منسوب التدين وحول عدد الذين يتبنون أفكارا غريبة عن المجتمع وعدد شاربي الخمرة ومستهلكي السجائر وغيرها، وهي دراسات تهدف إلى البحث عن إيجابيات وسلبيات السلوكيات الجماعية والفردية، لتنمية الجيد ومعالجة القبيح، وهي دراسات يتم تقديمها دون توجيه ولا تدخل، باستثناء المغرب الذي يتم فيه توجيه هذه الدراسات والأبحاث لخدمة فصيلة سياسية بعينيها. فعندما تم تسريب إحصائيات حول عدد المغاربة الذين يؤمون المساجد لأداء صلاة الجمعة، والمحدد في 11 مليون مغربي، قامت الجهة الحكومية التي سربت الرقم إلى إتباعه بتوجيه خاص يخدم مصلحتها، كون هذا الرقم هو من الكتلة الناخبة، التي ينبغي أن تذهب أصواتها حتما لحزب العدالة والتنمية، الذي يعتبر الأداة الوظيفية لحركة التوحيد والإصلاح السلفية. المتدينون ليسوا بالضرورة حزبيين، ونقصد بالمتدينين الذين يحافظون على الشعائر الدينية وإلا فإن المغاربة لهم علاقة متميزة بالدين، والذين يؤمون المساجد ليسوا من حركات الإسلام السياسي، ولو كان ذلك كذلك لخربوها على البلد. فالذين يلتزمون بالشعائر هم مواطنون منهم المتحزب ومنهم غير ذلك، منهم من يشارك في الانتخابات ومنهم من يقاطع ومنهم غير المبالي، ومنهم من ينتمي للتوحيد والإصلاح ومنهم من ينتمي لحزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والحزب الاشتراكي الموحد، المتحدر من الحركة الماركسية اللينينية، وأحزاب أخرى. فالحديث عن وجود 11 مليون مغربي يؤمون المساجد لأداء صلاة الجمعة هو حديث عن أغلبية المغاربة بالنظر إلى حجم الكتلة التي لا يقع عليها التكليف الشرعي، وبالتالي، فإنه حديث عن المغاربة وليس عن كتلة ناخبة لم يحصل حزب العدالة والتنمية من أصواتها إلا على النزر اليسير. يمكن لحركة التوحيد والإصلاح أن تؤثر على كتلة متأثرة بقنوات الشرق لكن لا يمكن أن تؤثر على المغاربة الذين يعتبرون الدين مكونا أساسيا من هويتهم، وهو تدَين يختلف عن تدَين أولاد التوحيد والإصلاح وبالتبعة أولاد العدالة والتنمية. لقد تشكل التدين المغربي واكتمل تاريخيا، يفهمه المتبحرون في العلم كما يفهمه عامة الناس، وفيه من التلقائية والمرونة ما يختلف جذريا عن الحنبلية السلفية التي تلتزم بها التوحيد والإصلاح، الحركة التي لم تتعاط مع الإسلام إلا من خلال الاجتهاد المغربي بل بخسته وسفهته كثيرا، وفضلت عليه المنتوج المشرقي مما دفع الراحل محمد شكري إلى نعتهم بالمهربين الدينين وهي الصفة التي استعملها كثيرون دون الإشارة إلى صاحبها. فالمغاربة لا ينهجون على منوال الفهم البدوي للقرآن الذي تبنته السلفية التي تعتبر التوحيد والإصلاح جزءا منها، والمغرب عرف الاجتهاد الديني منذ زمن بعيد، يومها كان اجتهاد أهل فاس يوازي اجتهاد أهل بغداد، بما يعني أن المغاربة اختاروا مدرسة متكاملة في التفاعل مع النص الديني، وعرف المغاربة علماء كثر مثل دراس بن اسماعيل، الذي يعتبر من أبرز علماء المالكية في المغرب، تعلم أصول المذهب بالمدينة المنورة وأضاف إليها دراسات ببغداد للنهل من المدارس الفقهية الأخرى. ولم يكن المغاربة ينتظرون دراري الحركات الإسلامية كي يفهموا دينهم، والمدرسة المغربية خرجت كبار الشأن أمثال بن عجيبة الذي أنتج تفسيرا عظيما مازال مدار دراسات متعددة في جامعات العالم، والفقيه اليوسي والحجوي الثعالبي وشيخ الإسلام بن العربي العلوي والمختار السوسي والعلامة علال الفاسي وغيرهم، لكن ليس من حظ هؤلاء أن يكونوا من دعاة الإسلام المغربي ولم يدخلوا في سجلات تاريخه الذي لا يمكن دخوله عبر البوابة المشرقية، وخصوصا، بوابة البداوة وتأتأة الشيخ القرضاوي. إن كتلة 11 مليونا ليست كتلة ناخبة، ولكن هي جمهور المغاربة من المكلفين شرعيا وممن يقدرون على أداء صلاة الجمعة في وقتها، ولا يمكن استغلال هذه الأرقام وتوجيهها للخدمة الانتخابية للحركة السلفية.