لم يجد مصطفى الرميد وزير العدل والحريات مكانا أفضل لممارسة شعبويته التي باتت مفضوحة، سوى الحرم الجامعي، مستغلا حفل مناقشة ابنته لرسالة دكتوراه حول موضوع العمليات الجراحية لزرع الأعضاء البشرية بكلية الطب بالدار البيضاء ليعلن قرار تبرعه بأعضائه البشرية لكن بعد وفاته، وذلك لاستعمالها في عمليات زرع الأعضاء البشرية للمرضى المحتاجين لذلك. والحقيقة أن قرار الرميد بقدر ما يحمل في طياته مكرا سياسيا خبره قادة العدالة والتنمية منذ وصولهم إلى البرلمان على صهوة حزب عبد الكريم الخطيب، بقدر ما يشكل فرصة أخرى لنؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن العدالة والتنمية حزب التباكي بامتياز. ولكن وراء الأكمة ما وراءها، فالوزير أراد أن يقول للمغاربة إن ابنته المصونة حصلت على شهادة الدكتوراه في الطب، وعلى كل المغاربة الاحتفال معها بهذا الإنجاز، مع أن الأمر يبدو عاديا لأنه في المغرب هناك سنويا مئات من الشباب الذين يحصلون على شهادات التخرج وبميزات عالية ويكون مصيرهم الشارع، وحتى لو فرضنا أن ابنة السيد الرميد ناقشت رسالة الدكتوراه فماذا يعني ذلك للمغاربة. الأمر الثاني، هو أن وزير العدل لم يجد من أجل لفت الانتباه لموضوع مهم جدا، سوى أن يرمي في وجه المغاربة بخبر آخر لا يعنينا في شيء، فأن يتبرع الرميد بأعضائه بعد وفاته أو يحملها معه إلى دار البقاء فذلك يدخل في إطار النية والقصد ولكل امرئ ما نوى، كما أن المسألة لا تحتاج لكل هذه البهرجة الإعلامية، فكان على الرميد لو أراد فعلا ثبوت الأجر أن يكتب قراره الخطير هذا في وصية وهو المحامي العارف بأصول المهنة، وأن يكتفي بوضعها لدى محاميه، أو لدى موثق، على أن تنفذ بعد وفاته، أما أن يوثق ذلك بحضور أحد القضاة وهو رئيس المحكمة الابتدائية بالبيضاء فذاك أمر يبدو غريبا وغير مفهوم وجاء خارج السياق. التبرع بالأعضاء هي مسألة شخصية تعود للشخص نفسه، الذي يوصي بأن تنزع أعضاؤه السليمة طبعا وزرعها لمن يحتاجها، وكثير من المغاربة تبرعوا بأعضائهم ولا أحد عرف بالأمر، لأن هؤلاء يكون القصد من وراء قرارهم هو إنقاذ حياة الناس، وليس تميزي مثل هذه المبادرات الإنسانية لتتحول إلى حملات انتخابية سابقة لأوانها. لقد كان حريا بوزير العدل والحريات أن ينكب أكثر على دراسة المشاكل الحقيقية التي يعاني منها المواطنون داخل المستشفيات من قبيل اتخاذ إجراءات رادعة لمحاربة الرشوة، وتفعيل المساطر القانونية لتوفير حياة كريمة للمرضى داخل المستشفيات، أما أن يظهر في الصورة وهو يوقع وصية التبرع بالأعضاء فتلك حكاية تحتاج إلى كثير من البحث والتمحيص لنعرف أسباب النزول. إنه شكل آخر من أشكال الشعبوية التي برع فيها وزراء العدالة والتنمية منذ توليهم الحكم ولله في خلقه شؤون.