مراد الخنشولي مئات الدواوير المتفرقة على بطون الجبال الشاهقة, رياح عاصفة تهز النبات وتطيح بأقوى الرجال, مسالك صعبة. كل العوامل تزكي الانطباع بأن الشتاء المقبل سيكون قاسيا بالنسبة لسكان جبال تاونات. والواقع أن هذه المخاوف لن يكون لها حظ من التحقق. على بعد 80 كلم من تاونات المدينة, يستقبلنا دوار "امشاع" الواقع على علو يناهز 1500 متر, بالابتسامات البريئة لمجموعة من صغاره الذين توافدوا للحصول على ملابس عازلة للماء, مطريات, جوارب وطرابيش صوفية من أجل وقاية أجسامهم الصغيرة من البرد الشديد الذي يخيم على المنطقة كل شتاء. يتعلق الأمر بحوالي 880 تلميذ يستفيدون هذه السنة من مبادرة ذات طابع إنساني واجتماعي, تلتئم فيها جهود السلطات العمومية المحلية وهيئات المجتمع المدني, بهدف استباق مفعول موجات البرد التي قد تجتاح ساكنة هذه المناطق الواقعة على علو شاهق وصعبة الولوج. يقول أحمد اليونسي, رئيس جمعية الأعمال الاجتماعية لإقليم تاونات, إن "هذه المبادرة تنفذ للعام الثالث على التوالي, ولا ننوي الوقوف عند هذا الحد". هذه الجمعية التي تأسست بفضل مساهمات سنوية ل 49 جماعة تابعة للاقليم, يؤدي كل منها واحد في المائة من ميزانياتها, حققت نجاحات ملموسة. ويضيف اليونسي, الذي تجاوز الستين من عمره, أنه بفضل الخدمات التي تقدمها الجمعية تأتى للعديد من الأولاد والفتيات الانتظام في الذهاب الى المدارس وأصبح في إمكان الأسر الصمود في وجه تقلبات المناخ الصعب. وبمقتضى هذه المبادرات الانسانية, سيكون لأطفال دواوير تيغليسيا, تاوريرات, تامشاشت, أبخيطان, امشاع وتاينزا أن يتلقوا دروسهم في حجرات دافئة حيث تم تجهيز 40 حجرة دراسية بأجهزة تدفئة ومد المدارس بأزيد من 24 طن من الفحم. وأوضح نائب التربية الوطنية بتاونات, السيد محمد جاي المنصوري, أنه "خلافا للعامين الماضيين, حرصنا على أن تجري هذه العملية قبل حلول موسم البرد وأن يمتد نطاقها لأكبر عدد من تلاميذ المنطقة التي تعمل على مواجهة الهدر المدرسي". وعلى بعد بضعة أمتار, تم تجهيز قافلة طبية لتمكين الساكنة المحلية التي تتجشم عناء قطع كيلومترات للوصول الى المستوصف الأقرب, من الحصول على العلاجات الضرورية بعين المكان. ونجحت هذه القافلة للعام الثالث في جمع أطباء من مختلف التخصصات بغرض تقديم المساعدة لساكنة تبلغ 5000 نسمة من تسعة دواوير نائية على قمم الجبال, تابعة لجماعات تيمضيت والودكة والرطبة. وقال الدكتور أحمد واديش, مندوب الصحة بتاونات, إنه تم خلال يوم أمس فقط إجراء 1480 تدخل من طرف فريق من الأطباء المتطوعين, يتكون من ممارسين في الطب العام, وطب النساء, والمفاصل, والجلد وأطباء أسنان وغيرهم. أما الوجه البارز لتدخل القافلة الطبية فيتمثل في تلقيح الأطفال والنساء والمدرسين بمدارس المنطقة ضد الأنفلونزا الموسمية. وقد تم تقديم ثلاثين جرعة خلال اليوم الأول من العملية.ومن المقرر أن تحط هذه المبادرة الانسانية التي تفتح المجال أمام عمليات مماثلة في المستقبل, رحالها, الجمعة, عند ساكنة دواوير جماعة تيماضيت القروية.