هناك عصابات تقدم وعودا كاذبة لإغراء شباب المنطقة العاطل من أبناء الشهداء ، و أبناء المقاومين و أبناء المتقاعدين ،لدفع أموال طائلة ، و بعد الوعود الكاذبة تذهب الأموال الى غير رجعة. أجرت جريدة " دعوة الحرية" حوارا مثيرا هو الأول من نوعه ، مع السيد عالي الغز واني ، الكاتب العام الجهوي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين ، و التي تشمل نفوذها كل من سيدي افني ، أسا ، طاطا و كليميم، كما يتحمل هذا الجندي و المقاوم السابق ، مسؤولية منصب الكاتب العام للفرع المحلي بكليميم ، الجمعية تتوفر على مقر مفتوح على طول النهار بالشارع الجديد، جالسنا هذا الرجل الذي يتكلم بصراحة و انفعال أحيانا، و هكذا كشف لنا حقائق جديدة تخص معاناة الجنود المتقاعدين، و الأرامل ، و أرامل الشهداء. و إليكم النص الكامل للحوار: - من هو عالي الغز واني ؟ - عالي الغزواني : من مواليد سنة 1943م بأسا، انخرطت في المقاومة المسلحة ، أي جيش التحرير سنة 1956 ، و في سنة 1960 التحقت بالجيش الملكي ، بالنسبة لجيش التحرير شاركت في عدة معارك للدفاع عن الوطن ، كمثال سنة 1958 م، و على رأسها " معركة ودي الصفا" أوما يعرف بمعركة " ايكوفيون" حيث تأمر علينا الجيشين الاسباني و الفرنسي ، كنت أنا و رفاقي في منطقة واد الساقية الحمراء إذ كانت هناك معارك عنيفة ، استشهد خلالها عدد كبير من المقاومين الشرفاء ، كما قتلنا مجموعة من الجنود الاسبان و الفرنسيين، و أسرنا ضابط فرنسي بعد أن وضع له كمين ، المقاوم " علي بويا ولد ميارة " أحد أبناء قبيلة الركيبات عرش التهالات، و كان ذلك الأسير ضابط صف من رتبة " أجودان" اذ تم نقله إلى الرباط ثم بعد ذلك تم تبديله بأسرانا، ثم هناك معركة أيت بعمران سنة 1957، بين جيش التحرير و الاسبان اذ لقن المحتل درسا قاسيا بعد تكبده هزيمة نكراء، و كنت خلال تلك المعارك طفل صغير جدا، اذ لا يتجاوز عمري 14 سنة، و لكنه كان لدي قوة كاملة ووعي وطني ، و كنت أتمنى أن أموت شهيدا. و في شهر مارس سنة 1960 انتقلنا إلى مدينة أكاديرللانخراط في الجيش الملكي بعد طلب من الملك الراحل محمد الخامس . - كيف تلخص لنا المدة التي قضيتها في الجيش؟ - قضيت 34 سنة و أربعة أشهر داخل صفوف القوات المسلحة الملكية ، و هذا هو المهم هنا ، أي كيف مرت أكثر من خمسين سنة في العسكر، و ماهو شكل الحياة بعد التقاعد؟ - منذ سنة 1960 مرت هذه المدة الطويلة من الكفاح في ظروف قاسية جدا، لأنه كان ينظر لجيش التحرير آنذاك إلى الآن بعين غير راضية. - لماذا؟ - لأنه عند تجنيدنا كانت الدولة حديثة الاستقلال و جدنا الضباط المغاربة الذين كانوا يعملون في الجيش الفرنسي و الاسباني ، و كانوا ينظرون إلى جيش التحرير نفس النظرة التي كانت عند الفرنسيين و الاسبان، أقصد نظرة الحقد و الكراهية، و استمرت تلك الصورة من سنة 1960 إلى سنة 1975،و الترقية كانت منعدمة عندنا نحن بينما كان هناك بعض الجنود الذين يحصلون على الترقية " مرتين في السنة" ،علاوة على الامتيازات الأخرى ، كما كان أبنائنا يعيشون ظروفا قاسية لأنهم تربو في غياب تام للأب ،و أصبحوا ينادونا بابن فلانة نسبة إلى الأم ، و منازلنا أيضا ينسبون إلى الزوجة بمعنى (دار فلانة)، و كل هذا راجع إلى عدم حضور الزوج و ظروف الأبناء الكارثية جدا لأنهم تربو مع الأم فقط و لهذا السبب نجد انعدام العاطفة و التواصل بين الأب و الأبناء ( حيث أضحت صورة الأب رمزا للقسوة أي ذلك الرجل الغامض الذي يطل مرة كل أربع أشهر و بديكتاتورية سلطوية وجب على الأبناء احترامه و التزام الحيطة و الحذر في التعامل معه) ، و بعد سنة 1975 مع انطلاق حرب الصحراء تغير الوجه الذي كان يعرف به الضباط الكبار. - ما مشكل هذا التغيير ؟ - بفعل خبرتنا في الأرض، و قوتنا القتالية في الدفاع عن الوطن و كانت لدينا العزيمة و الشجاعة ، ومن تم شكلت الوحدات العسكرية القوة الضاربة ضد حرب العصابات التي كانت تنتهجها جبهة البوليساريو و أنا أقول الحقيقة و لا أخشى إلا الله سبحانه و تعالى، و أتكلم باسم جميع المتقاعدين و قبل ذلك باسم جميع المقاومين الشرفاء ، ضحينا بالغالي و النفيس، و أولها روحنا و دمنا، حيث فدينا الوطن بكل ما نملك، و لكن للأسف الشديد ...، يقول تعالى في سورة الرحمان" هل جزاء الإحسان إلا الإحسان..." صدق الله العظيم، تقاعدت يوم 1 يناير 1996 و منذ ذلك الحين و نحن نحصد المعاناة و الإهمال_أقصد رفاقي المقاومين_ ، و كأننا لم نضحي قط في سبيل الوطن ، فقد حرمنا من حقوقنا و خيرات هذا البلد الكثيرة، و كمثال هنا في كليميم ، فعمالة الإقليم أهملت المتقاعدين ، حيث أ بعضا منهم لا يتجاوز دخله 600 درهم شهريا و لا يستفيد من أي خدمات و لا من بطائق الإنعاش الوطني أو حتى الإعانات أو حتى كبش العيد كمساعدة، فأنا أحمل المسؤولية للسيد والي جهة كلميمالسمارة ، و عامل مدينة كلميم على المستوى المحلي ، و على جميع المسئولين المغاربة على المستوى الوطني، و هكذا نطالب بحقوقنا كمتقاعدين و أرامل المتقاعدين و أبناء الشهداء و نطالب بالتجنيد المباشر لأبناء المقاومين و المتقاعدين بدون إعطاء درهم واحد كما كان يعطى سابقا. - كيف يعقل أن يدفع ابن متقاعد عسكري أو شهيد مليون أو أكثر من أجل الانخراط في الجيش الملكي أو القوات المساعدة أو الدرك الملكي أو الأمن الوطني ، و هو لا يملك قوته اليومي ؟ - هناك عصابات تقدم وعودا كاذبة لإغراء شباب المنطقة العاطل من أبناء الشهداء ، و أبناء المقاومين و أبناء المتقاعدين ،لدفع أموال طائلة ، و بعد الوعود الكاذبة تذهب الأموال الى غير رجعة... و هناك حالات كثيرة في هذا السياق، وينطبق على مسألة التوظيف ؟، فالكل يسترزق على حساب معاناة المتقاعد. - كيف نظمتم أنفسكم جمعويا ؟ - تأسس هذا الفرع بمدينة كلميم سنة 1969 ، و مؤسسه هو محمد ولد الكبش رحمه الله، و بعض الرفاق الآخرين الذين انتقلوا إلى الدار الأخيرة، و محمد ولد الكبش هو جندي فرنسي متقاعد و بعد موته ظل المكتب فارغا بدون رئيس ، إلى حدود سنة 1984 ، قامت بعض الرجال جزئهم الله خيرا بإحياء هذا المكتب ، و منذ ذلك الوقت وهو يقوم بنشاطه لخدمة المتقاعد و أرامل الشهداء ، فنحن نقابة للجندي السابق ، و شعارنا:" المتقاعد في خدمة المواطن" - ماهو تعليقكم على تدنيس قبور الجنود المغاربة الأبطال في فرنسا ؟ - باسمي و باسم الجمعية الوطنية و اللجنة الجهوية ، و الفرع المحلي بكلميم نستنكر بما قامت به فرنسا أو أي جهة أخرى بتدنيس قبور الجنود المغاربة الأحرار فهذا لا يقبل في أي دولة ، فالمغاربة حاربوا مع فرنسا و خلصوها من الأمان ، و في أخر المطاف يدنسو قبور جنودها ، فهذا عار على فرنسا . و أطالب من الحكومة و الشعب الفرنسي أن تقطع هذه الأيدي الغاشمة التي قامت بهذا الإرهاب الشنيع ، و لفرنسا واسع النظر. - كيف تنظرون إلى المستقبل ؟ - لا يعلم الغيب إلا الله ، أقول في الأخير كلمة ربما ستزعج بعض المغاربة لكنها حقيقة تفرض نفسها " اللي بغا هموا فالمغرب خاصو يسخا بدمو.." ، ولكن أرجو الله أن تكون هناك قلوب فيها رحمة لإنصاف رعايا صاحب الجلالة القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية ، و نناشده أن يرد الاعتبار لهذه الشريحة الواسعة من الشعب التي ضحت بالدم و الروح فداء لنصر الله ، الوطن و الملك، و السلام راجيا من العلي القدير أن يوفقنا جميعا ، و أن يوفق مسار هذه الجريدة ،و أن تكون رسالة من لا يجد منبرا يعبر فيه ، و السلام.
(*) - مدير نشر و رئيس تحرير جريدة دعوة الحرية المغرب