طالب باحث: كلية الحقوق السويسي- الرباط تم إحداث جماعة تكليت بموجب التقسيم الجماعي لسنة 1992، حيث تم الارتقاء بها إلى جماعة قروية تتكون من 11 دائرة انتخابية، بعدما ظلت مجرد دائرة انتخابية واحدة تابعة لجماعة فاصك منذ 1963، وعلى مر 22 سنة من الممارسة السياسية للانتخابات الجماعية بتيكليت، عرفت النخب المحلية تغيرات مست كافة جوانبها، إذ ظلت هذه النخب التي تسير أمور الجماعة، تتحكم في زمام التدبير المحلي بقبضة من حديد بفعل مجموعة من العوامل، سأحاول مقاربتها بوجهة نظر والإحاطة بها وإعطاء تفسيرات للعوامل المتحكمة في مختلف التحولات التي عرفتها النخب السياسية المحلية. إذا فما خصائص النخبة المحلية لتكليت؟ وما العوامل التي تساهم في جمودها أو ثباتها؟ النخبة السياسية: مقاربة المفهوم عرف مفهوم النخبة كمصطلح سوسيولوجي سياسي مقاربات مختلفة، إلا أن التنظير الابستيمولوجي للمفهوم بقي ثابتا باختلاف اللغات المستعملة، فالنخبة في المعجم الفرنسي (élite) تشير إلى خيرة وأفضل وصفوة المجتمع، حيث تفترض التوفر على صفات ورأسمال مادي ورمزي كبير( الثروة، التقافة، الجاه،...)، ومنها ظهر مفهوم النخبوية(élitisme) للإحالة إلى المذهب الذي يفضل النخبة على الجماهير(mass). وفي المعجم العربي لا نجد اختلافا كبيرا في المفهوم، فهو يشير إلى خيار الناس، حيث يقال انتخبت أفضلهم نخبة وانتخبت نخبتهم، ومنها يقال "خيار القوم" و" نخبة القوم" و"نخبة السلطان". وقد تم ادخال هذا المفهوم إلى علم الاجتماع وعلم السياسة مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين من خلال دراسات أقيمت على المجتمعات المتقدمة لفهم المتغيرات الواقعة على هذه المجتمعات، ومنها انتقلت إلى مجتمعات العالم الثالث التي تتميز بالتعقيد والتركيب الأمر الذي يصعب معه فهم متغيراته، حيث ظهرت تقسيمات متعددة للنخب: النخب السياسية، النخب الاقتصادية، النخب العسكرية... النخبة السياسية لتكليت: الثابت والمتحول منذ إحداثها كجماعة قروية سنة 1992، عرفت تيكليت مجموعة من المحطات الانتخابية الجماعية، بدأ بانتخابات 1993 و1997 و 2003 وانتهاء بانتخابات 2009، وقد تعاقب على الجماعة منذ ذلك الوقت مجموعة من المنتخبين والمستشارين الجماعيين الذين اختلفوا من حيث الأهداف والمرجعيات والوسط الاجتماعي والرأسمال الثقافي والفكري. وإذا كانت الانتخابات في المجتمعات المتحضرة تتحكم فيها وتحدد نتائجها البرامج التنافسية، فإن الأمر لم يتحقق على مدى المحطات الانتخابية التي عرفتها جماعة تيكليت، حيث بقي الرأسمال القبلي، والفخدي، والعرشي( تنقسم قبيلة أيت بوهو إلى 3 أثلاث، وكل ثلث ينقسم إلى 4 أعراش) متحكما في هذه الانتخابات، الأمر الذي أفرز لنا بنية جماعية تضمن أحيانا تمثيلية مختلف فرقاء القبيلة، وأحيانا أخرى يفرض منطق الأغلبية تهميش الأقلية، وأحيانا كثيرة يؤدي عدم التشبع بروح التنافس وقيم الديمقراطية التي تفرض التداول على السلطة إلى قيام صراعات بين الأثلاث والأعراش وحتى العائلات. إن نخبة تكليت لم تستطع فرض منطق مصطلح النخبة(élite) كما هو متعارف عليه، فأغلب المنتخبين الجماعيين لم يراكموا رأسمال مادي ورمزي يؤهلهم لتصنيفهم في خانة النخبة، وإذا كان بعض رؤساء المجالس الجماعية قد راكموا ثروات مادية بفضل العائدات المادية السخية التي حصلوا عليها من تقاعدهم من بعض البلدان الأوربية، فإن أغلبهم ظل يعاني من الأمية التامة وغياب الثقافة العامة والإطلاع المعرفي( بونهايل مولود 1993، بوتا محمد 1997: يحكى أن هذا الأخير تم رفع قضية ضده بتزوير شهادة مدرسية تثبت حصوله على شهادة الدروس الابتدائية، ولما عرض الأمر على المحكمة، سأله القاضي هل يمكنه قراءة هذه الأوراق أو كتابة بعض الكلمات، بقي مشدوها أمامه عاجزا عن الكلام، الأمر الذي أدى إلى خسارة الدعوى وبالتالي فقدانه لرئاسة المجلس وتعويضه ببوتنخار لحسن 2003، هذا الأخير الذي يفتقد تماما لخاصيات النخبة لغياب الرأسمال الفكري والمادي وحتى الأصل الاجتماعي). وخلال انتخابات 2009 ستعرف الجماعات تحولات عميقة من خلال رئاسة المجلس ولأول مرة من قبل أحد الأشخاص الذين راكموا مسارا علميا( الباكلوريا) ومهنيا ( أستاذ التعليم الإبتدائي) وتجريبيا( فاعل جمعوي نشيط)، حيث يمكن إدماجه ولو قصرا ضمن النخبة المحلية وأحد الأعيان النشيطة داخلها. فلحسن ظريف استطاع أن يراكم تجارب أهلته لتبوء رئاسة المجلس في تحول كلي للاعتبارات التقليدية. لكن ما أسباب هذا التحول؟ تحول النخبة: الأسباب والدواعي بعد هذه القراءة الوصفية لتحولات النخبة المحلية بتكليت، صار من الضروري إعطاء تفسيرات لفهم مسبباتها والمتحكم فيها. ورغم صعوبة الأمر نظرا لغياب المعطيات والمعلومات الضرورية، فإن هذا لا يمنعنا من إعطاء وجهة نظرنا وتقديم بعض الأدلة، حيث سنرجع هذه التحولات إلى سببين إثنين: أولا: رغبة السلطة المحلية في التحكم في مسارات النخبة من خلال الدفع بالأشخاص الذين يسهل التحكم فيها، وبالتالي تضمن استقرار السكان ومراقبتهم. هكذا فقد عملت على تدجين العديد من الرؤساء ومساعدتهم على ضمان مقاعدهم الانتخابية، هؤلاء الأشخاص صفاتهم المشتركة هي الأمية والانضباط والخضوع، والجهل بقواعد التدبير الجماعي والإداري(بونهايل مولود، بوتا محمد ولحسن بوتنخار. أما لحسن ظريف فرغم ثقافته وتجربته العلمية فإنه ظل وبقي يحتفظ بصفة الخضوع نظرا لعلاقاته المتعددة مع السلطات المحلية والاقليمية من خلال عمله الجمعوي الذي كان يمارسه). كما أن بعض الأشخاص الذين يفضلون البقاء بعيدا عن الأضواء، عملوا على الدفع ببعض الاشخاص الذين يسهل التحكم فيهم وبالتالي السيطرة عليهم، هكذا فعلى امتداد العشرين سنة الأخيرة ظل مجموعة من أباطرة السياسة والانتخابات يحركون اللعبة من خارج المعترك، خدمة لمصالحهم ومصالح عائلاتهم. ثانيا: استمرار طغيان الطابع القبلي( لا زال طابع الأثلاث مسيطرا في تيكليت)، إذ لم يسطع السكان أن ينتقلوا بفكرهم إلى فكرة المصلحة العامة بغض النظر عن الأشخاص، الأمر الذي ساهم في تقوية نخب محلية ميزتها الأساسية المراوغة وحب الذات والرغبة في مراكمة ثروات مادية وضمان استمرارية هيمنتها على الشأن السياسي المحلي( خلال أحد محادثاتي مع مجموعة الأشخاص المنتمين إلى ثلث إذ يحيى ومبارك حول صراعهم مع ثلث أيت منصور، أكدوا جميعا على أن التاريخ لا ينسى وبالتالي فإنهم لن يسمحوا لهم باحتلال إحدى الأراضي المتنازع حولها، لأن أيت منصور سيظلون يعيدون على مر التاريخ على أنهم استولوا على أرض إذ يحيى ومبارك دون مقاومة)، وبالتالي فإن نفس الأمر ينطبق على النخب السياسية، حيث لا يتصور قبول أحد الأثلاث أن يكون محكوما من قبل الثلاث الآخر. لكن هذا الأمر لا يبقى صحيحا أغلب الأحيان، إذ في بعض الحالات تقع تحالفات غريبة وغير قابلة للفهم والتفسير( تحالف بعض الأعراش مع بعض الأثلاث التي لا تنتمي إليها أو تحالف بعض العائلات مع أعراش أخرى). وخلاصة القول فإن النخب السياسية المحلية لتكليت ورغم حركيتها وتحولاتها فأنها تبقى محكومة وخاضعة للمنطق القبلي الذي لازال يميز جل قبائل الصحراء، الأمر الذي يؤثر سلبا على الساكنة ويجعلها ضحية صراعات هامشية، فإلى أي زمن سيبقى الأمر على هذه الشاكلة.