لم تكن المقدمة التاريخية التي تربط المغرب بفرنسا، والإشادة بالانفتاح المغربي، إلا توطئة للوصول إلى الطموح الفرنسي، والرغبة الملحة في فتح المزيد من المجالات والآفاق للفرنسيين في المغرب قصد الاستثمار لقطع الطريق على إسبانيا وأمريكا والصين. ولكن هذا ليس عن طريق خطب عصماء كما هو الحال عندنا، بل ببرنامج متماسك ومتكامل، انطلاقا من التركيز على اللغة التي هي الركيزة الأولى للتواصل لتكون أداة للتبعية، وذلك بفتح أول جامعة أورومتوسطية في سبتمبر القادم بفاس، ثم يليه لقاء بين برلمانيي البلدين أواخر هذا العام، وهو ما سوف يجسد -حسب قوله- التعاون الأورو متوسطي الذي لن يكون من دون مشاركة الشعوب عبر ممثليهم المنتخبين وهو حين أشار إلى دور اللغة وأهميتها لم يكن ينطلق من فراغ، وإنما استرجع التاريخ، ونص على أن اللغة العربية أيضا تدرس في فرنسا منذ القرن السادس عشر، ولكن شتان بين تدريس هذه وتلك؛ فالعربية تدرس هناك لمعرفة عادات وثقافة شعوبنا قصد الكشف عن عوراتنا ومساوئنا لتعميقها وتأصيلها ليسهل عليهم استغلالنا واستضعافنا واستنزاف خيراتنا، أما الفرنسية فتدرس هنا لتكون أداة ووسيلة لتعزيز النفوذ وزرع معالم مستقبلية لضمان النفوذ. كما لم تكن الإشادة بغنى الهوية المغربية العربية الإسلامية الأمازيغية الصحراوية الحسانية ذات الروافد الإفريقية الأندلسية العبرية إلا مدخلا لإمكانية قبول فرنسا أيضا شريكا اقتصاديا استراتيجيا، ما دمنا منفتحين بهذا القدر، للقضاء على المنافسة المحتملة من بلدان أخرى. وهذا يترتب عنه الاحتكار الاستثماري الذي بدوره ينتج عنه إضعاف التنافسية التي هي أساس كل نمو، ومصدر اكتساب المناعة التي تقف في وجه الهشاشة والانهيار والتداع. أما قضية الصحراء المغربية وربطها بمالي فليس خوفا على مستقبل المغرب وأبنائه واستقراره الذاتي، وإنما دفاعا عن مصالح فرنسا في المغرب والجزائر. وقد سبق أن ذكر الرئيس بحجم الاستثمارات بين البلدين التي ناهزت 6 مليارات أورو في السنوات العشر الأخيرة، ومليار أورو سنة 2012 وحدها. كما أن المبادلات التجارية تجاوزت 8 مليارات أورو، بالإضافة إلى وجود أكثر من 800 مقاولة فرنسية تستخدم حوالي مائة ألف عامل مغربي. لذلك فهو يعمل على توحيد الجهود من أجل فتح سوق واحدة كبيرة من المغرب إلى ليبيا، والتي لن تكون إلا بحل النزاع المفتعل في الصحراء وهذه السوق تسهل التعامل التجاري بين 5+5 دفعة واحدة مع قطب واحد عوض مفاوضين متعددين، بيد أن هذا يحتاج أيضا إلى إصلاح المنظومة القضائية التي هي أصل كل استقرار. كما ربط السيد الرئيس بين حربه في مالي – لتجنيب الإرهابيين على حد تعبيره من خلق مخبإ آمن لهم هناك- وبين مشكل الصحراء المغربية الذي طال أمده، مشددا على ضرورة إيجاد حل في إطار مقررات الأممالمتحدة، وأكد أن مشروع المغرب لسنة2007 هو قاعدة جدية وذات مصداقية لكل تفاوض.أمّا ما يستدعي إيجاد حل سريع لمشكل الصحراء - في نظره – هي أزمة الساحل وما تشكله من عدم الاستقرار في المنطقة كلها ولا شك أن فرنسا قد تنبهت إلى تحركات المغرب جنوبا نحو إفريقيا بتوسيع استثماراته وتكثيفها من خلال فتح العديد من المصارف هناك، وهو ما سهل له التغلغل في جميع الاتجاهات، وأعطاه دينامية أكثر مرونة للمعاملات التجارية. وما زيارة الملك الأخيرة لثلاثة بلدان إفريقية سوى تأكيد لهذا التوجه. لذلك سارعت فرنسا إلى عرض شراكتها باعتبار المغرب بوابة إفريقية جغرافيا، وله روابط ثقافية ودينية ولغوية مع كثير من أقطارها، ولكون فرنسا أيضا لها علاقات طيبة مع كثير من الدول الإفريقية. فهي تريد من المغرب أن يكون صلة الوصل ليحد من التغلغل الصيني المتزايد. كما أنها أدركت بفضل حدسها أن المغرب يسير بخطى ثابتة نحو التقدم لذلك عليها أن تستبق الأحداث، وتمهد الأرضية لتكون جاهزة حينما تدق الأجراس. بقي ختاما أن أذكر أن السيد الرئيس بخطابه أمام نواب الأمة، وإعلانه عن اللقاء القادم بين مجلسي النواب المغربي والأوربي، إنما هو يوجه رسالة إلى الجميع، مفادها أن المغرب عليه أن يقطع مع أسلوب الحكم المطلق، ويجنح إلى الديمقراطية كما هي متعارف عليها دوليا. ولعله من خلال ذلك، يريد أن يشهد على التزام المغرب باللاعودة إلى الوراء، ويطمئن المغاربة بكون الدولة المغربية جادة في إرساء دعائم الديمقراطية وهو الشرط الذي أكسبها هذه الثقة التي ما فتئ الرئيس يعبر عنها. وفرنسا -كما قال- لا تعطي دروسا لأحد، ولكن في المقابل لها قيم ومبادئ كونية تريد أن تسود، وهي دولة القانون والتعددية السياسية والمساواة بين الرجل والمرأة والديمقراطية. المشاكل الكبرى التي ورثها الشعب المغربي عن فرنسا مشكلة أراضي القبائل، فسياسة نزع الأراضي وتمليكها للمخزن هي سياسة فرنسية، وهو أكبر مشروع لتفقير القبائل والبوادي واغتناء بيروقراطية المخزن. - قنبلة مدينة طنجة ، ومدينة الصويرة من طرف قوات الأمير الفرنسي دو جوان فيلLe prince de Joinville أيام 6-15سنة 1844 م واحتلال مدينة وجدة في نفس الأسبوع من طرف الجينيرال الفرنسيBugeaud وتقول تقارير ومذكرات حرب فرنسا مع بني ايزناسن وهم سكان مناطق وجدة وبركان أن عدد القتلى من تلك القبائل وصل إلى 12000في تلك الفترة التي كان فيها عدد سكان المغرب كله لايتجاوز 6ملايين نسمة؛ - احتلال مدينة الدارالبيضاء في 6غشت1907من طرف القوات البحرية للأميرال الفرنسيPhilibert تحت أوامر الجينيرال Drude واستمرت القوات الفرنسية في قتل السكان واحتلال الشاوية سنة 1908 تحت قيادة الجينيرالين الفرنسيين D'amadeمع Moinier وهما من مجرمي الحرب الفرنسيين الذين قتلوا آلاف المغاربة، وسيبدأ هولاند زيارته للمغرب من الدارالبيضاء التي تألم أهلها كثيرا من الاستعمار الفرنسي حتى في فترة مابعد سنة 1956.. -احتلال مدينتي فاس ثم مكناس من طرف الجيش الفرنسي أيام21-26من سنة1909بواسطة حرب إبادة امتدت من الشاوية نحو فاس بقيادة الضباط المجرمين Gouraud et Dalbiz وغيرهما ، واحتلال الجينيرال ليوطي في نفس الفترة لمناطق تافيلالت وكولومبشار.. وامتدت الحرب الشرسة إلى مراكش وأكادير وكمليم والصحراء وهي حرب استعمارية استمرت لأكثر من تسعين سنة أي الى سنة 1936وهناك جرائم ضد الأشخاص مثل قتل الزرقطوني، والحنصالي، وعلال بن عبد الله، ونفي محمد بن عبد الكريم الخطابي، وكثير من الناس الذين يذكرهم تاريخ حكم فرنسا للمغرب، من سجناء ومعطوبين لايزال بعضهم على قيد الحياة، ومن جرائم فرنسا تجنيد المغاربة للمشاركة في الحربين العالميتين الأولى والثانية، مما أدى إلى تمديد اثر الحربين الأوروبيتين إلى شمال إفريقيا، ونقول هذا الكلام لأن الأسباب التي دخل بها الجيش الفرنسي إلى مالي سنة2013هي نفسها التي دخل بها إلى المغرب في أواخر القرن 19، وهناك مخاطر جديدة تحيط بالعلاقات المغربية الفرنسية مثل تأييد فرنسا حكومة الإسلاميين من النموذج الذي ترضى عنه، والذي يجعل من الشريعة المقبولة أن تستغل فرنسا الامتيازات التي تتمتع بها في الاقتصاد المغربي دون أن تعوض السكان عن الخسائر التي تحدثها، وأن يظل الإسلاميون المخزنيون يؤيدون نظرية فرنسا في الإرهاب الذي جعلته ذريعة لاحتلال ازاواض، واليوم يوجد بفرنسا لاجئون سياسيون مغاربة وخاصة قدماء العسكريين من صنف الكابتان أديب، والطوبجي، وهشام حفيد الجينيرال الدليمي.. ومؤلفون للكتب ضد أقطاب المخزن، قد تبيعهم فرنسا من اجل حل أزمتها العميقة في الاقتصاد، ونتساءل لماذا لم تبعث فرنسا بجيشها نحو تيندوف، أو الصومال، أو إفريقيا الوسطى كما فعلت في ازاواض وهي تزعم أنها تدافع عن وحدة أراضي المغرب، ووحدة أراضي مالي مع أن فرنسا هي التي جزأت ورسمت الحدود بين مالي وجيرانها الأفارقة الذين كانوا موحدين معها قبل الاستعمار الفرنسي، مثل السينيغال وبوركينافاسو؟ علما أيضا بأن فرنسا هي التي جزأت بين المغرب والجزائر باتفاقية للا مغنية يوم15مارس1845وأنا هنا لاأدعوها للهجوم على أحد من الناس ،وإنما أتحدث عن مكيالها بمكيالين، وتاريخها الشرير في تقسيم بلدان إفريقيا ،وحتى لا يصدق المغاربة اشتراكية الحزب الحاكم بفرنسا، عن الوحدة الترابية المغربية، فانه جاء يبحث عن توسيع أرباح واستثمارات الرأسمالية الفرنسية، وليس لدعم الاشتراكية والتنمية ووحدة المغرب، ويدل على ذلك ما ستبرمه مع الرأسماليين الفرنسيين حكومة بنكران مكرهة من اتفاقات وصفقات مثل قبول صفقةTGV من طنجة إلى الدارالبيضاء، وقراءة نتائج زيارة الطاقم المغربي للمستعمرات الفرنسية القديمة بإفريقيا مثل السينيغال، وساحل العاج، والكونكو، قبيل زيارة هولاند للمغرب. ولاشك آن سياسة فرنسا لا تتغير في مستعمراتها القديمة بتغير الحزب الحاكم داخل فرنسا، فهي دائما ترغب في تجنيد شعوب المستعمرات القديمة لتأييد فرنسا والمشاركة في حروبها، وهي الآن تقوم بتجنيد المغرب ليشارك في حروبها ضد ما تسميه بالإرهاب، وضد منافسيها في القارة الإفريقية مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة وكندا واستراليا وحتى تركيا وإيران..كما فعلت في حرب الفيتنام،وحربها مع الألمان والايطاليين في الحرب العالمية الثانية، مع أن الحروب المذكورة هي حروب بين الأوروبيين وحدهم أو حروب في ما يعرف بفرنسا وراء البحار..أوهي حروب آسيوية لا يرضى المغاربة آن يكونوا مرتزقة فيها.ويسمي الفرنسيون تلك الحرب بالعالمية وهي في الحقيقة حرب أورويبة وليست عالمية لأن هتلر هاجم أوروبا وروسيا ولم يهاجم الأفارقة، والمغرب امتدت إليه آثار الحرب بسب استعماره . وخطب هولا ند في برلمان صوتت عليه أقلية من المغاربة يصل عددهم إلى الثلث فقط من عدد المغاربة الذين بلغوا سن التصويت،بينما قاطعه الثلثان الآخران،وسيطبق هولا ند سياسته أجداده قادة الاستعمار الذين أقاموا جمهوريات في كل مستعمراتهم القديمة في أفريقيا ماعدا المغرب، حيث كانوا يفضلون الاحتفاظ بالمخزن المرقع وبعبارتهم le Makhzen réformé والذي يرجع إلى مصطلح مخزني قديم هو الفقيه الكبير بمعنى((رئيس الحكومة))أو الصدر الأعظم، و((العلاف))أو وزير المالية ، ومول الشكارة، ووزير البحر،وهؤلاء جميعا تدوب سلطاتهم في السلطان الذي يتبعونه وهو يجمع بين السلطة الدينية والدنيوية،ووزير الشكايات الذي لا يمثل استقلال العدالة بمفهومه العصري وإنما يتلقى الشكايات ويحول أغلبها إلى السلطان لينظر فيها،ولاشك أن هولا ند يعرف دروس سياسة الاستعمار ،والشعب المغربي قليل منه من يعرفها، ولذلك ستمر اكاذيب ابريل في انتظار آن تمر فترة رئاسته.
إن كل ما ذكرته في المقالة و مقالات الصحفيين الصحافة الأوروبية و العربية لن تتطرق إلى موضوع في غاية الأهمية ألا و هو موضوع المد الإسلامي الذي لا بد منه و رياح التغيير التي اجتاحت بلاد المغرب العربي ما عدى الجزائر و المملكة المغربية، و خوفا أن يمتد الربيع الإسلامي إلى هاتين الدولتين ارتأت فرنسا أن تكون هاتان الدولتان الإسلاميتان على الطريقة الفرنسية و في نفس الوقت أن ينشروا طريقتهم هاته أي الإسلام الفرنسي إلى كافة الدول الإفريقية و هو احتلال بونابارتي حديث لأن أغلب رؤساء فرنسا قدوتهم نابوليون بونابارت و هم سائرين على خطاه و حالمين بتحقيق امبراطوريتهم فهم يضربون و يقتلون المسلمين في مالي و ينادون بتحرير الصحراء الكبرى و مناصرتهم للبوليساريو و كل أفعالهم تدل على سوء نواياهم تجاه افريقيا و الأمة الإسلامية