كثر الجدال والقيل والقال والتوجس قبيل وبعد صدور قرار المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء السيد كريستوفر روس، سواء في الوسط الشعبي أو الرسمي بعد جمود على مستوى القضية لأكثر من ستة أشهر للرخصة الإجبارية المطولة المرتبطة بشخص هذا الأخير على حد قوله بمخيمات اللجوء، لعل هذا القرار يأتي ببصيص أمل للصحراويين الذين انقطعت الأوصال بينهم لما يزيد على سبع سنين وثلاثة عقود من الزمن، متفائلين خيرا في الزيارة الأولى من نوعها لمبعوث أممي إلى المنطقة، بعد تجديد الثقة فيه من طرف السيد بان كيمون وطرفي النزاع، والجولة المكوكية التي قادته للإقليم وبعض العواصم التي لها يد الطولى في القضية، غير أن الدبلوماسي الأمريكي المحنك اختار النزول بين المنزلتين، فبالوقوف والتأني والتحليل المتبصر لبعض الكلمات المفتاح في القرار نلمس ذلك جليا، ففي النزاع يتحدث عن وجود طرفين لا ثالث ولا رابع لهما، وبالتالي اعتراف ضمني بوجود الجزائر خارج هذه القضية، التي لطالما أرادت أو أريد لها أن تكون رقما صعبا في هذه المعادلة أو بالأحرى المتراجحة التي مازال السيد روس يبحث عن حل لها، زد على ذلك تجديده لضمان شعب الصحراء لحقه في تقرير المصير دون توضيح لذلك، والذي يعني في الخطاب الرسمي لجبهة البوليساريو الاستفتاء والحكم الذاتي بالنسبة للمغرب لاعتباره يمثل شكلا من أشكال تقرير المصير، ثم تسمية منطقة النزاع بالصحراء الغربية هذه المعطى الجغرافي قبل السياسي لطالما شكل نطقه حرجا للساسة والسياسيين المغاربة بالرغم من الجرأة التي دفعت بعض المنتمين لحزب الأصالة والمعاصرة المولود من رحم المخزن، إبان المشاورات التي نظمتها الأحزاب بخصوص مشروع الجهوية الموسعة أو المتقدمة باعتمادها لتجاوز هذه العقدة والتمهيد للحكم الذاتي، ثم ورود كلمة الجمود مما يعني اعتراف أممي بتعثر المفاوضات، وكذا قوله بتأثير أحداث الساحل على ملف الصحراء الغربية، مما يفيد بالهواجس الدولية من تنامي ظاهرة الإرهاب بالإقليم وتداعيات ذلك عليها، ناهيك عن إشارته لالتقائه بالمجتمع المدني مما قد يفسر بسعي المنظمة الأممية لجس نبض الإنسان الصحراوي، متجاوزة ومشككة بذلك شرعية وتمثيلية السلطة القائمة على أرض الواقع أو بمخيمات اللجوء، كما يستشف من قوله "أكدت لي السلطات العليا لكل طرف التزامها بالعمل مع الأممالمتحدة لتحقيق حل سياسي" بأن الحل العسكري الذي لطالما لوحت به جبهة البوليساريو وبتطوير القدرات القتالية والبدنية لمقاتليها،وجاهزيتهم للحرب كون الأيادي على الزناد، لا يعدو سوى فزاعة أو مناورة للفت الانتباه العالمي لها مادامت كطرف ملتزمة بالعمل مع الأممالمتحدة لتحقيق حل سياسي، وبخصوص لقائه بالرئيس بوتفليقة صرح بأنه أقر له ببراءة الجزائر من هذا الصراع ولعلها براءة إخوة يوسف من دمه، بينما الأشقاء في موريتانيا لربما اختار روس عن قصد اختزال موقفهم بكلمتي الحياد الإيجابي الموضوعتين بين مزدوجتين، الشيء الذي نقرأه بمفهوم المخالفة الحياد السلبي متنكرين بذلك لروابط الجغرافيا، النسب، اللهجة، التاريخ والسوسيولوجيا للحفاظ على مصالحهم الجيو - سياسية على حساب معاناة وشتات بنو جلدتهم، بالنسبة لأسباب الجمود عزاها الطرفان لغياب مبادرة حاسمة من المجتمع الدولي لا إلى تمسكهم بمواقفهم، فالكرة الآن تبين مما لا يدع مجالا للشك في مرمى الدول الكبرى، القادرة وحدها على فرض حل رغم أنف الطرفين، الشاهد على هذا كله هو الحضور الكبير للمؤسسات الحقوقية والبرلمانية والإعلامية بالإقليم هذه السنة، كان آخرها مساع البوليساريو للحصول على اعتراف رسمي من دولة السويد، والذي تأكد أيضا من خلال التقرير ذاته بقبول روس لموافقة كبار المسؤولين له بعدم جدوائية عقد مزيد من الاجتماعات بين الأطراف، والبديل لذلك هو توسيع مشاوراته مع القوى الدولية الرئيسة، ومن خلال نص التقرير الذي لا يستدعي الشرح والتفصيل فقد حصلت البوليساريو على اعتراف بعدم وجود صلة بينها والجماعات الإرهابية وذلك بشهادة الخصوم وتزكية الجيران، لقد تحدث روس باستحياء عن اللامهنية للإعلام الرسمي للطرفين من خلال الانتقائية والتوظيف اللأخلاقي لتصريحاته، كما عبر بصراحة عن الخصاص المادي لبعثة المينورسو مما يستلزم صرف أموال أخرى ستكون على كاهل الصحراء طال الأمد أو قصر، بالنسبة لتدابير الثقة تكاد تكون النقطة الوحيدة التي نجحت فيها البعثة الأممية إلى حد ما، مسألة حقوق الإنسان وإن كان السيد كريستوفر قد نقل إلى مجلس الأمن مشهدا من صورة ما يجري في مسرح أحداث العيون، إلا أنه نأى بنفسه عن هذا الملف حاشرا المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الزاوية، وواضعا مجلس الأمن والدول الكبرى في اختبار عسير ما بين الرضوخ والخنوع لمصالحها أو التماشي مع مبادئها من خلال إلقائه للمسؤولية التاريخية والقانونية عليها في هذه القضية.