يعتبر الإعلام حليفا استراتيجيا في مجال صناعة النخبة بأي مجتمع. و هو ما يعني السعي نحو تكريس ما يسمى بالدولة التيليقراطية التي يحكمها المنطق الإعلامي، و بالتالي توجيهها نحو ما تقتضيه مصالح مالكي وسائل إنتاجه و تدبيره. بتعبير أوضح، فقد صارت وسائل الإعلام تشكل جسر عبور متميز نحو النوادي النخبوية في الاقتصاد و السياسة و الثقافة و باقي ألوان الحياة العامة. فلو تساءلنا مثلا عن أسماء باتت تلمع بقوة في سماوات مشهدنا العام، بل واستطاعت أن تشغل فكر الناس، ووجدت لنفسها موقعا ضمن خانة النخبة، لكان الجواب الأوحد هو الآلة الإعلامية التي أثبتت جدواها و جدارتها في صناعة أصنام تبهر الناس و تحرض على العشق و العبادة. و أملا في فهم سيناريوهات إنتاج و إعادة إنتاج النخب في علاقة مباشرة مع الفعل و التأثير الإعلامي، لا مناص من التساؤل و التأمل النقدي في حيوات شخوص ممن كانوا نكرة حتى عهد قريب وصاروا على كل لسان في زمن قياسي. فمن كان يعرف ثلة من الأسماء التي صارت تحتل المشهد السمعي البصري، و تتبوأ المقاعد الأمامية في كل المنتديات و اللقاءات و المبادرات التي تعلن انتماءها لحركية المجتمع المدني؟ ألم نتساءل يوما ما الذي يدفع مجلة الإكسبريس الفرنسية تختار كل سنة 100 فاعل و صانع للتغيير في مغرب اليوم؟ إن الآلة الإعلامية اليوم تلعب دورا طلائعيا في صناعة النجوم و إنتاج النخب و تكريس حضورها وفقا لاستراتيجيات وحسابات المتحكمين في موازين القوى و في هذا المجتمع و ذاك، مما يجعل من السهل جعل فلان النكرة موضع حديث الجميع و تحويله بالتالي إلى أحد أبرز الفاعلين و المساهمين في صنع التغيير. إن شروط إنتاج النخبة لا تتحدد فقط في نوعية الرأسمال، و لكن في كيفية استثماره، و في مدى حاجة المؤسسة إلى هذا الرأسمال. هنا يكمن الدور المحوري للآلة الإعلامية. وفي ظل هذه العملية تظل الكفاءة و التمكن المعرفي و التميز الفكري و الابداعي شروطا ثانوية لا يتم الانتباه إليها إلا قليلا، بينما يتم التركيز على رساميل أخرى تكمن حاجة المؤسسة لها في خضم صناعة الصنم. إذا في غياب التقاعد السياسي و التناوب الديموقراطي، وفي ظل استمرار استراتيجية صناعة الأصنام بنفس التركيبة، يتحول تجديد النخبة إلى سراب و شعار براق يرفع لمواجهة الاحتقان و تعليب الوعي، يستمر مسلسل إنتاج و إعادة إنتاج نفس الوجوه في مجالات عدة و بدرجات عالية، و تنمحي بذلك كل احتمالات التغير و التجاوز.