[email protected] هذا عجز من بيت لأمير الشعراء أحمد شوقي من ميميته الشهيرة يقول فيه «صنم قد هام في صنم»، وهو مقطع دال يصلح أن يكون اليوم عنوانا لحالتنا الثقافية الراهنة التي تمضي مع الأسف إلى تكريس مزيد من الحالات الصنمية المتحجرة، تلك الحالات «الإنسانية» التي تتطلب تدخلا عاجلا من أجل إنقاذها، حتى وإن كان الفوت قد حل بها، بلغة أهل المقام والعرفان. فوت لا يفضي إلى معرفة، بل إلى إنتاج قبيلة من الأصنام الصغار، ليصبح المشهد كما وصفه صاحب الشوقيات: صنم قد هام في صنم. لا ينتج الحقل الثقافي في المغرب تلامذة بل أتباعا، ولا ينتج مريدين بل «انتماءات» عشائرية وإخوانيات واصطفافا لهذا الطرف أو ذاك، وهذا راجع بالأساس إلى غياب نقاش ثقافي حقيقي. ولعل المثال الأقرب إلى ذلك هو تفويت بعض الفرص التي تسنح، بين الفينة والأخرى، من أجل وضع سكة المسألة الثقافية في المغرب على قضبانها الحقيقية، من مثل النقاش الذي أثير حول «نزاهة «جائزة المغرب للكتاب»، أو من قبيل الرسالة التي وجهها الشاعر المغربي محمد بنيس إلى الراحل عبد الله راجع مؤخرا، تلك الرسالة التي تطرح أرضية للنقاش والمسكونة ب»قهرها» الخاص أو عذاباتها الفردية، والتي ما هي في النهاية إلا عذابات الثقافة المغربية، إن صح الحديث عن الثقافة المغربية بصيغة الجمع. كل من يشتغل في المجال الثقافي يقول إن هناك خللا ما، معترفا به، غير مكتوم، تارة يخرج في شكل احتجاج أو بيان، وتارة أخرى في شكل نقاش حاد، وفي أحيان كثيرة في شكل بياض كبير وصمت يسم المشهد الثقافي المغربي، موات في الداخل، وهجرة غير منقوصة إلى الخارج. وحتى تكون الصورة دقيقة جدا وقريبة، يمكن اليوم في سياق تحولات الثقافة المغربية أن نتحدث عن «احتراف» المثقفين المغاربة في أندية ثقافية أخرى كما هو حاصل في كرة القدم، فمثلا يوجد محمد بنيس محكما في جائزة بوكر العربية ويوجد سعيد بنسعيد العلوي في الأمانة العامة لجائزة الشيخ زايد للكتاب، ويوجد محكمون مغاربة في جوائز عربية من مثل جائزة السلطان قابوس وجائزة الرواية العربية وجائزة سلطان العويس وجائزة مفدي زكريا، ومن هؤلاء على مدى فترات: المفكر محمد عابد الجابري والناقد سعيد يقطين والروائي محمد برادة والناقدة والروائية زهور كرام والروائي مبارك ربيع والسيميائي سعيد بنكراد، وغيرهم من الأسماء المهمة في الثقافة المغربية، زيادة على لائحة الفائزين من المغاربة بجوائز عربية وأجنبية ومن مختلف الأجيال. وحين نفكر بهذا المنطق، نجد أن «الفريق الوطني» للمثقفين يحتوي على تشكيلة ثقافية هامة قادرة على أن تلعب في ملاعب كثيرة وأن تدك الأرض دكا تحت أعتى المشاهد الثقافية العربية. أفكر أحيانا: ماذا لو عادت هذه القامات الكبيرة إلى اللعب في ميادينها في الداخل.. النتيجة أننا سنعود حتما إلى الزمن الجميل، وإلى دور النخبة كما هو مسطور في كتاب السيد غرامشي. لكنني في النهاية أقول مع شوقي وأختم به: والذكريات صدى السنين الحاكي.