بعد مرور عام كامل على تفتح أولى أزاهير الربيع العربي، وبعد عقود من جدب الصمت والمعاناة، لم ينقطع خروج الشباب العربي الغاضب من المغرب إلى المشرق شاهرين هذا الشعار"الفتاك": فايسبوك على كل ظالم! ليصدوا به رصاص "البلطجية" و"الشبيحة" و"الشماكرية" ومِن ورائهم أولئك الذين سرقوا من شعوبهم اللقمة، وسرقوا معها الحرية و البسمة! خرج الشباب من عالمهم الافتراضي الى العالم الحقيقي كالمارد من قمقمه "ليستبدوا مرة واحدة" بقيادة الشعب لكن ليس على طريقة الحاكم العربي، وإنما سعياً حثيثاً نحو الحرية وذلك بإشعال فتيل الثورة العربية وحراستها بدءا من إشعال ذواتهم كما صنع البوعزيزي صاحب أغلى عربة متجولة، حين فجر الثورة التونسية في السابع من ديسمبر 2010. ولاتزال شبكة الانترنت بكل برامجها التفاعلية والاجتماعية المتجددة تشكل فضاء "جنونيا" جذابا وملهما للشباب العربي الذي حولها فجأة أمام أنظار العالم الى حقل خصيب لإبداع وابتكار شتى أشكال التعبير عن الاحتجاج والسخرية من الاستبداد و الفساد، والمطالبة بالحرية و الديمقراطية.. وقد صرح الشاب أحمد عاشور مدير موقع الجزيرة توك بدعوة من الحكومة البريطانية كممثل عن الشباب العربي أمام مؤتمر لندن للفضاء الالكتروني في مطلع نوفمبر 2011 قائلا: "أعتقد أن عالمنا الحقيقي هو العالم الافتراضي... وإننا في العالم العربي لا نستخدم الانترنت للخدمات فقط، وإنما لإحداث التغيير و صنع الحرية!". 1 "الشعب يريد إسقاط النظام!" كانت عوامل الإحباط النفسي والانفجار الاجتماعي قد بلغت ذروتها في عالمنا العربي من جراء الاستبداد السياسي، والفساد الإداري، وخنق الحريات فضلا عن البؤس الاجتماعي وحقارة الدخل، وتفشي البطالة في القاعدة الشبابية العريضة. كل ذلك أجج نيران السخط الشعبي على الحكومات العربية فلَم يستفق العالم من دهشة انهيار النظام التونسي حتى تداعى شباب مصر وليبيا بكل حماس إلى ميادين التحرير والشهادة فصنعوا المعجزة، وأسقطوا نظامين من أكثر الأنظمة علوا وفسادا. وبينما غطت الفضائيات العربية انتصار الإرادة الشعبية بحياد، تبنت "الجزيرة" إرادة الشعوب كشعار "إعلامي مكلِف" فلم تكن بمنأى عن سهام النقد، إلا أنها حصدت أعلى نسب المشاهدة، وألهمت شباب الثورة وهي تبث روحا حماسية جديدة في مبدأ حق الشعوب في الحرية عبر كل وسائل الاحتجاج والنضال المشروعة. ولا يزال شباب اليمن وسوريا يسترخصون أرواحهم ودماءهم الزكية ثمنا "للحرية التي لا مقابل لها، الحرية التي هي نفسها المقابل!" كما وصفها غسان كنفاني ذات يوم. وما تزال القائمة تتسع ما دامت بعض الأنظمة ترى نفسها استثناء ولا تصنع أي شيء يذكر لأجل شعوبها المقهورة المهدورة التواقة للتحرر من براثن حكومات "الدومينو" التي لن تصمد طويلا في مهب خريف الديكتاتوريات العربية. 2 متى استعبدتم الناس!؟ "يولد الناس ويعيشون أحراراً متساوين في الحقوق"، هذا ما تقره شرائع الأرض وشرائع السماء، وتحت مطارق القمع والاستعباد تزيد الشبكة العنكبوتية ووسائل الإعلام والاتصال الحديثة من مرارة التحسر لدى الشباب على الفجوة الشاسعة بين واقع القفص العربي الكبير، وبين العالم الحر، وذلك حين يقرأ ويرى ويسمع عن أجواء الديمقراطية وحقوق الإنسان، وما أنتجته أنظمة الانفتاح الليبرالي من رفاه اقتصادي واجتماعي، وتطور تكنولوجي، ومنابر حرة للتعبير والإبداع والترفيه، وفرص لبناء المستقبل... كل ذلك يجعل الحرية في مخيال الشباب العربي وفي وعيه الجمعي "السجين" الطريق الوحيدة الى الفردوس المفقود، فتشرئب الأعناق للظفر بإحدى جنسيات العالم الحر أو المخاطرة بالهجرة السرية بعيدا خلف الأسوار الى حيث يستطيع الشاب الأوروبي والأمريكي وحتى الإسرائيلي! أن ينعموا بسائر الحريات بعيدا عن عيون الأمن واستخباراته كما نظّر لذلك كارل بوبر الفيلسوف الإنجليزي بقوله: "علينا أن نخطط للحرية وليس للأمن فقط، و ذلك لأن الحرية هي الشيء الوحيد الذي يجعل الأمن آمنا". وأخيرا فلن يكون حق شعوبنا في الحرية قابلا للتفاوض، ولا منة رئاسية بيد حاكم واحد لا شريك له! "فليس في قضية الحرية حل وسط..." كما صرخ بذلك أسد المقاومة الريفية محمد بن عبد الكريم الخطابي في وجه المستعمر ذات يوم، ولقد كان المناضل الأمريكي الأسود مالكوم إيكس ناصحا أبديا حينما قال: "على المرء أن يحدث بعض الضجيج حتى يحصل على ما يريد (...) فعادة عندما يحزن الناس لا يفعلون شيئا أكثر من البكاء، أما عندما يغضبون فإنهم يحدثون التغيير!" المصدر : الجزيرة توك http://www.aljazeeratalk.net/node/8899