الصحراء، ليست ملفا وقضية، أو موضوع نزاع، أو مبادرات حل، أو مفاوضات، أو قرارات أممية، وفقط. إنها أكبر من ذلك؛ فالصحراء أرض، وإنسان. نعم، أرض و"تراب" مُوجِع؛ كان سببًا في مرور سنوات من الحرب، وسنوات أخرى مازالت تَمُرُّ من حالة اللاَّسلم واللاَّحرب؛ خَلَّفَت وراءها مواجع لا تُعَدُّ ولا تُحْصَى. والغريب من أمر الصراع حول هذه الأرض؛ أن المفاوِضين من الجانب المغربي، جلهم لا يرتبطون بهذه الأرض هوياتيا؛ فالارتباط الهوياتي بالأرض عامل مهم وقوي للدفاع الهوياتي عنها؛ فلنفترض جدلا أن هؤلاء المفاوِضين مع الجبهة، كسبوا رهان التفاوض؛ فهل سيعمرون الصحراء ويسكنوها؟ مما لا شك فيه أنهم سيستقرون بعيدا عنها (الدارالبيضاء، الرباط…)، ويقومون بجولاتهم السياحية المكوكية في أجمل بلدان العالم؛ فلماذا يريدون أرضا لن يعمروها؟ إنها الثروة! مما ريب فيه؛ أن الصراع يدور حول ثروات البر والبحر، وليس حول الأرض في حد ذاتها؛ فالأسماك والفوسفاط، والرمال، والجمال... ثروات هامة، يتمسك إخواننا في الرباط بلعبة التفاوض عليها. ولإظهار النوايا الحسنة على أن الدولة المغربية تريد تنمية الصحراء، تم الاتجاه إلى –شبه- تنمية الأرض، بعد خلق "وكالة لتنمية الأقاليم الجنوبية"؛ فأقامت بعض البنيات التحتية؛ أغلبها مؤسسات الدولة؛ إذ إن المصانع، والجامعات، والمعاهد العليا، والمستشفيات المتقدمة، تبقى خارج إطار تلك البنيات. وبذلك حاولت الدولة كسب الأرض. فماذا عن الإنسان؟ الإنسان ذلك الطرف المجهول في معادلة الصحراء؛ إذ إن حل المعادلة، يقتضي بالضرورة إيجاد هذا المجهول، والاهتمام به؛ كإنسان، لا أن ينظر إليه نظرة القطيع؛ التي عفا عنها الزمان، وأكل عليها الدهر وشرب. لقد كسب المغرب الأرض، ولكنه خسر الإنسان. إن المغرب في حاجة إلى مبادرة وطنية؛ لرد الاعتبار لسكان الأقاليم الجنوبية.