لقد يئس سكان الصحراء من أن يحل السلام، والنزاهة، والعدل بأرضهم؛ إذ إن استمرار حالة اللاسلم واللاحرب؛ كوضعية استثنائية تعيشها المنطقة، جعل من شعبها شعبا استثنائيا أيضا، ميزته الأساسية البحث عن غنيمة وامتيازات الوضعية الاستثنائية؛ فكانت النتيجة هي المتاجرة بالقضية والإنسان الصحراويين.
يخال الكثير من المغاربة أن أعداءهم في الصحراء، هم القابعون في ملجأ تيندوف؛ وذلك تبعا لما تنقله لهم الروايات الرسمية للدولة، والصورة التي تنقلها وسائل الإعلام المغربية حول لاجئ تيندوف؛ إذ إن المغاربة ظلوا على مر تاريخ نزاع الصحراء، يصفون صحراويي تيندوف بالأعداء، ولا يبذلون عناء التفكير في جملة من الأمور التي لو أمعنوا فيها النظر، وأعملوا فيها العقل، لوجدوا الحقيقة مخالفة لاعتقاداتهم وتصوراتهم الذهنية.
قبل أزيد من 35 سنة تأسست جبهة البوليساريو، وكان الهدف من التأسيس هو: "تقرير مصير الشعب الصحراوي"، وفي مساعيها لتحقيق هذا الهدف، اتُّهِمت قيادات البوليساريو بكونها تحمل في دواخلها نوايا وضع اليد على ثروات الصحراء. كما اتُّهِمت الجزائر بكونها تسعى للحصول على منفذ على الأطلسي، وكذا التصرف في ثروات الصحراء؛ لذلك احتضنت اللاجئين الصحراويين فوق أراضيها. لو افترضنا أن هذه الاتهامات صحيحة؛ فستظل أطماع قيادات البوليساريو والجزائر مجرد نوايا لا أقل ولا أكثر؛ إذ لم يسبق للبوليساريو ولا للجزائر أن استولت على ذرة من ثروات الصحراء.
إن الصورة التي يروجها الإعلام المغربي حول البوليساريو لا تمت بكثير الصلة للحقيقة الموضوعية التي يتداولها المجتمع الدولي، أو بتعبير أكثر وضوحا نظرة القانون الدولي للبوليساريو، ونظرته لنزاع الصحراء، ويكفي أن يعي المغاربة أن جبهة البوليساريو لا تنهب ثروات الصحراء اليوم، بل هي عبء فوق عاتق الجزائر وتكلف الشعب الجزائري الكثير من ثرواته، هذا شأن داخلي للجزائر لا ناقة لنا فيه ولا جمل، لأن ما يهمنا نحن المغاربة هو شأننا الداخلي –ثروتنا- وبتوسع أكثر مستقبل المغرب الكبير الذي ننتمي إليه جغرافيا, والذي يمكن أن يستفيد منه الإنسان المغربي خصوصا، والإنسان المغاربي عموما، إذا تحقق اتحاده الاقتصادي.
نعم من حق المغرب والمغاربة أن يدافعوا عن أرضهم، ويتصدوا لأية أطماع خارجية تستهدفهم؛ بيد أن استغلال النزاع لنهب ثروات الصحراء؛ وذلك تحت ذريعة التصدي للأطماع الجزائرية سيظل مجرد ذر للرماد في عيون المغاربة، وسيظل أمرا مرفوضا، ويجب أن يتصدى له المغاربة بحزم، لأن المنطق يقول: إن كانت الصحراء مغربية؛ فثرواتها للشعب المغربي، وليست لزمرة من الأشخاص المعدودين على رؤوس الأصابع، وأسماؤهم بادية للداني والقاصي؛ لكن الدولة لا تتدخل لمساءلتهم ومحاسبتهم؛ خصوصا وأن المرحلة تحتاج إلى تلك المساءلة والمحاسبة أكثر من أي وقت مضى.
يخرج مئات الشباب الصحراوي في كل مدن الصحراء للتظاهر رافعين شعار: "خيراتنا خيراتنا ماريناها ماراتنا"، ويافطات مكتوب عليها: "ثرواتنا كفيلة بتشغيلنا"، شباب يؤمن أشد ما يكون الإيمان أن ثروات الصحراء تعرضت للنهب من طرف زمرة من الأشخاص معدودين على رؤوس الأصابع؛ فقبل سنة من اليوم كنت جالسا إلى جانب أحد المسترزقين على قضية الصحراء، وكان ينظر بامتعاض إلى صورة أحد عناصر مجموعة الأمل للمعطلين بالعيون مكتوب على ظهر صدرية يرتديها: "ثرواتنا كفيلة بتشغيلنا"؛ فعلَّق عليها قائلا: "البْسَلَاتْ هَادِي"، وأضاف أن على هؤلاء المعطلين أن يطالبوا بالشغل دون الإشارة إلى موضوع الثروة، كما أنني حضرت يوما دراسيا حول نزاع الصحراء؛ فسمعت من أحد "الباحثين في الاقتصاد" كلاما باطلا؛ وذلك من باب بطلان شهادة الزور، أن سكان الصحراء يستهلكون أكثر مما ينتجون، ووصفهم ب"شعب مستهلك"، وقد نسي "باحثنا المجتهد"، أن يذكرنا بخصوصية المجال الصحراوي، وكذلك بطبيعة البنية السياسية التي أفسدت كل شيء في الصحراء، كما نسي أن يذكر الحاضرين، بسياسة الريع التي نهجتها الدولة، ولماذا نهجتها؟ وبعيدا عن علاقات الإنتاج والاستهلاك، كان على "باحثنا المجتهد" أن يقيم لنا ثروات الصحراء، ويقدر لنا المبلغ اليومي لكل مواطن من عائدات الفوسفاط في الصحراء، لقد صنعت الدولة اقتصادييها في الصحراء، يلعبون بالأرقام، وكل معطياتهم مشكوك فيها إلى أن تثبت صحتها.
إن أغنياء النزاع، وكل المسترزقين على نزاع الصحراء، يمتعضون كثيرا من الحديث عن الثروة في الصحراء؛ بل إنهم يمارسون أبشع الجرائم التي تصل إلى حد محاولات الاغتيال؛ في حالة ما تم تهديد مصالحهم السياسية والاقتصادية في مدن الصحراء.
لقد أمست قضية الصحراء مصدرا لتهافت المرتزقين طمعا في منصب أو امتياز، أو جزء من ثروات الصحراء، وهذه الأطماع هي التي تسببت في فشل الدبلوماسية الموازية وفشل الترويج لمقترح الحكم الذاتي داخليا، ومن شأنها أن تساهم في عرقلة أي مبادرة تروم حل النزاع.
وفي ظل هذا الوضع، سيبقى الشباب الصحراوي بؤرة التمرد ضد زيغ الأعيان والنخبة المهترئة الفاسدة، وناهبي ثروات الصحراء، شباب له القدرة على التأثير في مستقبل منطقة الصحراء، إن هو أخذ على عاتقه التعبير عن هموم سكان الصحراء، خصوصا فئة المهمشين منهم؛ فوعي المهمَّشين بذاتهم، لا يجعلهم بالضرورة قادرين على الوعي من أجل ذواتهم، وهو الدور الذي يستطيع الشباب الصحراوي أن يضطلع به.