تأتيني يوميا الكثير من رسائل إخواني القراء من ليبيا الحبيبة , سواء عن طريق الإيميل أو الفيسبوك . يسألوني رأيي في الإعتصامات التي تحدث في ليبيا , وقبل أن ابدي رأيا حولها أود أولا أن أوضح نقاط رئيسية , نقاط أؤمن بها , وتشكل حجر الأساس في رؤيتي للأمور . النقطة الأولى , الاعتصام والتظاهر السلمي للتعبير عن الرأي حق أصيل من حقوق كل إنسان كذلك قالت به وثيقة الأمم لحقوق الإنسان , وهنا أركز على السلمية , وهذا الحق دفعت الشعوب مقابله ضريبة الدم والعرق والدموع , فلا يسلب منها ولا تحرم منه أبدا . النقطة الثانية , الاعتصامات الفئوية والتي تضر بمصالح جموع الأمة يجب أن يكون لها ضابط , وهو أن لا يكون الضرر غير قابل للإصلاح , مثل فقدان الأمن , فقدان الحق في الحصول على خدمة ضرورية وأساسية مثل الصحة , أو أن تكون كنوع من لوي الذراع وإجبار المجتمع على التنازل عن حق أصيل له . فلا يجوز أن تتوقف حركة سيارات الإسعاف مثلا , أو أن تتوقف حركة الطيران تماما لمدة طويلة . النقطة الثالثة , إن الثورة حركة دائمة , والمطالبة بالإصلاح وتصحيح الأخطاء جزء من الثورة , ففي ليبيا , قد تكون المظاهر المسلحة توقفت , ولكن الثورة لم تتوقف , فما زالت مستمرة , وستبقى مستمرة , وأقول لمن يدعي إن الثورة الليبية يجب أن تنتهي , وان يعود الناس إلى منازلهم وأعمالهم , انك مخطئ , فالثورة خلق وأسلوب معيشة وأسلوب للتعامل مع الحدث , رفض للخطأ ومحاولة إصلاحه . فالثورة دائمة ومستمرة , ويخطئ أيضا من يقول إن الثورة تحتاج إلى ثورة أخرى . فهي لا تحتاج لثورة أخرى بل إلى الاستمرار في رفض الخطأ والوقوف ضده . هذه هي النقاط الثلاث التي أؤمن بها كما أسلفت . واليوم نرى في ليبيا الثورة مظاهر قد لا نؤيدها , أو قد لا نفهمها , والشعب الليبي دخل في مرحلة خطيرة من عدم الثقة في القيادة الحالية , وأرى أن لديه الحق في ذلك , وسأذكر النقاط التي تجعلني أقول هذا . 1) رؤية الكثير ممن كان مؤيد ومخلصا للنظام السابق موجود في عمله , بل إن بعضه أعطي صلاحيات وأموال قد تكون اكثر من السابق , تجدهم في مفاصل الدولة وفي السلك الدبلوماسي . 2) عدم شفافية المجلس الوطني الانتقالي وتسرب معلومات عن مبالغ كبيرة تصرف في غير وجهها , وتكرار المواعيد التي لم توفي في أمور هامة مثل إقرارات الذمة المالية للأعضاء , وعدم نشر محاضر الجلسات وطريقة اتخاذ القرار . وهذا يؤدي إلى تزعزع الثقة في المجلس 3) ظهر المجلس الوطني الانتقالي بشكل مهزوز في التعامل مع ملفات هامة , وتضارب التصريحات , أدى إلى انتشار الشائعات , وكان يجب على المجلس أن يكون حازما في اتخاذ قرارات هامة في الأمن والاقتصاد والسلك الدبلوماسي , ولكن للأسف نرى تباطئا . 4) وصف المعتصمين بطابور خامس أو مندسين وهو أسلوب تعودنا عليه في حكومات تسلطية وليس في حكومات ثورة , فبدل التعامل مع مفردات المطالب ومناقشتها , والرد عليها , نجد أن المسئولين اتجهوا إلى الهجوم على شخصيات المطالبين , فأصبح الهجوم على المنتقدين يأخذ الصفة الشخصية , بينما كان من الأجدى مناقشة المطالب التي يطلبونها , والرد عليها سواء بتنفيذها , أو بيان سبب عدم القدرة على تنفيذها , أما الهجوم الشخصي على المطالبين أدى إلى زعزعة الثقة بالمجلس وليس بالمطالبين . بالطبع ومن خلال اتصالي يقوى وطنية ليبية لدي معلومات شبه مفصلة عن مواضيع في الكثير من نواحي الحياة , وأنتظر وروود صور عن بعض الوثائق والمراسلات , والتأكد من صحتها , ولكنها للأسف محزنة إن صحت , سواء في التعليم أو الإعلام أو ملف الجرحى وغيرها . بالطبع تعجبني كلمة المستشار إن كل المسئولين السابقين سوف يحاسبون ووضع نفسه في المقدمة , وهذا يجعلني احترم السيد مصطفى عبدالجليل , ويعلم الله كم أكن له من تقدير واحترام , ولكن إدارة دولة مثل ليبيا تخرج من عاصفة هوجاء تحتاج لقرارات حاسمة , وتحتاج لطمأنة الشعب الليبي أنهم في أيدي أمينة . فالشعب الليبي أفاق من نكبة عمرها 42 سنة , وستحتاج عملية الإصلاح إلى فترة طويلة من الزمن , لإصلاح الفساد الذي ورث من النظام السابق , وأرى أن الشعب الليبي مستعد لتحمل الكثير , ولكنه فقط يحتاج لأن يطمئن . وهذا الاطمئنان لا يكون إلا بالشفافية والمصارحة . كم طالبت سابقا أن يكون لكل وزارة أو هيئة متحدث رسمي واحد , وان يتمنع الكل عن التصريحات المتذبذبة والمتناقضة أحيانا , والتي تتسبب في إرباك المجتمع وإرباك فعالياته . كم طالبنا بوجود وكالة أنباء رسمية تتحدث باسم ليبيا . ولكن للأسف لم يستحب احد . احيي شباب ليبيا المعتصمين في ميدان الشجرة والجزائر والكرامة والصمود . وأشد على أيديهم , فهم جرس الإنذار للتنبيه على الأخطاء , وكما قلنا عن الثوار سابقا حاشاهم من قوله جرذان , نقول لهؤلاء حاشاهم من قولة طابور خامس . فالطابور الخامس يعمل على الهدم وليس البناء , ويعمل على إبقاء أعوان النظام السابق في مناصبهم وليس إزالتهم , يعمل على إهدار المال العام وليس على ترشيد إنفاقه . وعلى دروب الحرية والكرامة نلتقي