سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
آخر مدير لمؤسسة القذافي العالمية: توجست خيفة من العمل مع المعتصم لما سمعته عنه من غلظة وجفاء في التعامل الصواني ل «الشرق الأوسط»: ركزنا عملها على الخارج لأن القذافي لا يقبل نشاطا خيريا بين «الليبيين السعداء في جماهيريتهم العظمى» (2 3)
يكشف الدكتور يوسف محمد الصواني المدير التنفيذي، السابق والمستقيل، لمؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية والتنمية التي كان يترأسها سيف الإسلام النجل الثاني للعقيد الليبي الهارب معمر القذافي، في شهادته ل«الشرق الأوسط» التي تنشر اليوم الحلقة الثانية منها، عن إهمال سيف الإسلام للمشاريع الإصلاحية التي كان ينادي بها واستعانته بمكتب استشارات أميركي لوضع خطط إصلاحية اقتصادية، وفي آخر المطاف ذهبت كل الجهود التي أنفقت عليها ملايين الدنانير الليبية سدى. وتحدث الصواني، الذي استقال من منصبه كأحد أبرز المقربين من سيف الإسلام في أول ظهور إعلامي له على الإطلاق منذ اندلاع ثورة 17 فبراير (شباط) ضد القذافي، عن «مشروع رؤية ليبيا لعام 2025»، الذي تبناه الدكتور محمود جبريل، المسؤول في مجلس التخطيط العام آنذاك ورئيس المجلس التنفيذي في المجلس الوطني الانتقالي الليبي حاليا، وقال إنه كان يفترض بسيف الإسلام القذافي أن يكون راعيا للمشروع لكنه لم يوله الاهتمام المناسب وكان أكثر حرصا على الاستعانة بالخبراء والاستشاريين الأجانب. وكشف عن أن قادة اللجان الثورية صبوا جام غضبهم على المشروع، وإنه من المثير للسخرية أن اللجان الثورية قالت آنذاك إن المشروع ل«الإخوان المسلمين»، وإن جبريل «شيخ الإخوان المسلمين في ليبيا»، وتابع «وهو أمر يكتسي طرافة اليوم أمام هجوم الإخوان المسلمين على جبريل ووصفه بنعوت مختلفة كالليبرالية والعلمانية». الصواني الذي يعمل الآن أستاذا للعلوم السياسية بالجامعة الليبية، (الفاتح) سابقا، في العاصمة طرابلس، تحدث أيضا عن المعتصم، النجل الآخر للقذافي، الذي كان يعارض بالكامل كل ما يقوم به سيف الإسلام مدعوما باللجان الثورية، وما اصطلح على تسميته بالحرس القديم. وقال بأنه توجس خيفة من العمل مع المعتصم، عندما تم تكليفه بمنصب مستشار للأمن الوطني، لما سمعه عنه من «غلظة وجفاء» في التعامل. وتحدث عن العلاقات التنافسية بين الأشقاء من أجل إرضاء القذافي الأب، وكيف أن كل واحد منهم كان يحاول تخريب ما يقول به الآخر. وإلى نص الحلقة الثانية: * متى فكرتم في إعداد ما يسمى بالاستراتيجية الاقتصادية والاجتماعية؟ - في هذه الفترة تعاقدت ليبيا بدفع من سيف القذافي مع الاستشاري الأميركي «مونيتور غروب» Monitor Group التي أجرت دراسة للاقتصاد الليبي وأصدرت تقريرا سمته «الورقة البيضاء حول التنافسية الاقتصادية»، وكان مايكل بورتر الأستاذ بهارفارد وصاحب الإسهام المعروف في مجال التنافسية هو من أشرف على التقرير الذي وزع على عدد من المختصين الذين كنت أحدهم لقراءته نقديا. كتبت نقدا مفاده أن التقرير يوصي بالإصلاح الاقتصادي ويتجاهل الإصلاح السياسي والمؤسسي، وأن من شأن ذلك النسج على منوال تجارب كان همها تأجيل الديمقراطية لأجل النمو الاقتصادي وأننا في ليبيا كمجتمع هيدروكربوني ودولة ريعية محتاجون إلى ما هو أبعد من ذلك وما هو أبعد من توزيع الثروة.. إلى خلق الثروة. أدى ذلك إلى توريطي بشكل مباشر في المرحلة الثانية مما عرف بالاستراتيجية الوطنية الاقتصادية والاجتماعية كعضو في لجنتها التنفيذية ومسؤول مباشرة عن القطاع الرئيسي الثاني فيها والمتعلق بإصلاح المؤسسات السياسية. كان العمل يقوم على فريق مشترك من الخبراء الأجانب والوطنيين الذين أجروا دراسة تحليلية للأوضاع القائمة في ليبيا واستخدموا النظريات الاجتماعية ونظرية التغيير بشكل خاص في استطلاع آفاق الإصلاح المأمول وآفاق إنجاحه. إنني إذ أستذكر ذلك العمل وذلك الجهد العالي المستوى الذي بذلناه أشعر بفخر جديد بما في بلادي من طاقات وقدرات أنتجت عملا رائعا بكل المقاييس وأشعر بالحسرة الشديدة لأن ذلك العمل كله الذي كلف إعداده ملايين الدنانير قد ضاع سدى ولم يتم تنفيذ أي من توصياته التي أزعم واثقا أنه كان من شأن تطبيقها تحويل البلاد والانطلاق نحو عملية تحول ديمقراطي حقيقي. * كيف بدأ ما يسمى بمشروع رؤية ليبيا لعام 2025؟ - قادني إهمال المقترحات التي تمخضت عن عملنا بفريق تطوير المؤسسات السياسية لقدر من الإحباط كان موازيا لإحباط آخر ارتبط بمشروع صياغة رؤية لليبيا عرفت بمشروع رؤية 2025. كانت هذه فكرة ومشروعا تبناه الدكتور محمود جبريل إبراهيم أثناء قيادته لمجلس التخطيط العام وتم تنفيذها من خلال مركز الدراسات والبحوث بجامعة قاريونس، وكان لي شرف قيادة أحد محاوره الرئيسية وهو المتعلق بالسياسة الخارجية والأمن الوطني. كان عملا وطنيا بامتياز شارك فيه أكثر من مائة وثلاثين باحثا ومثقفا وممارسا من الخبراء الوطنيين الذين قادوا تمرينا عالي الكفاءة والمهنية والوطنية. كان يفترض بسيف القذافي أن يكون راعي هذا المشروع لكنه لم يوله الاهتمام المناسب وكان أكثر حرصا على الاستعانة بالخبراء والاستشاريين الأجانب. واجهت المسودة الأولى لورقة المشروع هجوما حادا في مجلس التخطيط العام وصب قادة اللجان الثورية وجهلاؤها أيضا جام غضبهم على المشروع. ولعله من الطريف أن الاتهام كان أن هذا مشروع ل«الإخوان» وأن محمود جبريل هو شيخ الإخوان المسلمين في ليبيا، وهو أمر يكتسي طرافة اليوم أمام هجوم الإخوان المسلمين على جبريل ووصفه بنعوت مختلفة كالليبرالية والعلمانية! وجدتني أكثر من مرة أجادل سيف القذافي بشأن الرؤية وأهميتها، وأذكر ذات يوم وقد بلغ بنا الإحباط مبلغا كفريق أن أجريت به اتصالا هاتفيا وهو خارج ليبيا وكان ذلك بحضور محمود جبريل ومن مكتبه طالبا منه التدخل لإنقاذ الرؤية من أن ترمى في الأدراج وكيف أنه لم يول الأمر أي اهتمام. ما كان علينا حينها إلا التفكير في طريقة لنشر الرؤية دون المخاطرة بالمساءلة القانونية وكان الأمر كذلك، مع أن موقفه وموقف والده من الرؤية لم يتغير. * وماذا فعلت لاحقا؟ - عدت لمكتبي وأجريت اتصالا بمحمد إسماعيل وأبلغته ما جرى وطلبت منه أن ينقل استيائي الشديد لسيف وأن الأمر بالنسبة لي قد انتهى قبل أن يبدأ. لم يمض وقت طويل حتى اتصل بي سيف هاتفيا متسائلا عن الموضوع فأبلغته ما حدث واستيائي، وكان جوابه أن مقترحي مقبول بكامله وأنه بإمكاني تنفيذه دون أن آبه بأحد. قال لي إنني رئيس المؤسسة ومديرها أيضا، فأبديت تقديري له كرئيس فكرر قوله بأن أعتبر نفسي الرئيس قائلا «شيل اللي تبي تشيله وحط اللي تبي تحطه»، أي إن لي مطلق الحرية في اتخاذ القرارات المنسجمة مع مقترحي. بهذه الطريقة ضمن سيف القذافي قبولي بالمهمة وهذا ما حدث وطلبت منه أن يأذن لي بالاتصال به لأخذ رأيه كلما كان ذلك لازما. غير أني اكتشفت بعدها مباشرة أن المؤسسة التي كلفت بها لم تكن تعني الشيء الكثير وأن الفريق الخاص لسيف بقيادة الكرفاخ وصالح ومنذر ومحمد إسماعيل وآخرين كانوا يديرون شبكة واسعة من الأعمال والمهام التي تتم باسم سيف والمؤسسة دون أن تكون لي صلة بالأمر. * وهل أطلعت نجل القذافي على القصة؟ - نعم، أبلغت سيف عدم رضاي عن الأسلوب المتبع والاعتماد على أشخاص بعينهم دون أن تكون لديهم بالضرورة المؤهلات اللازمة، إلا أن أي تغيير لم يحدث. ذات يوم جرى بيننا نقاش جاد حول إدارته للأمور وكنت أقترح أن ينظم العمل من خلال مكتب يتولى كل قسم فيه قطاعا ما بالدراسة وإعداد المقترحات والتواصل مع الناس. كان أن رد علي مستهزئا: «أتقصد حكومة ظل؟!»، أجبته بأن الأمر ليس بالضرورة كذلك، فأجاب بأنه مثل والده دائما «موبايل». أيقنت حينها أن الأمر يخرج عما تصورته وأن المسألة أبعد من ذلك بكثير. قادني العمل للتعرف على جوانب عديدة ذات صلة بسياسة البلد وعلاقات العائلة والسلطة والداخل والخارج وتفاعلهما. غير أن أهم اكتشافاتي كانت أن العمل الذي طلبت من أجله يمكن أن يقدم للبلد خدمة تاريخية. رأيت أنه من المهم أن أستغل موقعي في فسح المجال أمام قوى اجتماعية ونشطاء ومنادين بالإصلاح حتى يتمكنوا من القيام بدور أوسع لدفع البلد نحو التغيير ولو ببطء. كنت وما زلت أؤمن بالتأثير القوي للأعمال الصغيرة وبنظرية «توسع بقعة السائل المنسكب على أي سطح» spell over effect، وبالنظرية الوظيفية بشكل عام، لذلك قررت أن أخوض غمار التجربة مستعينا في ذلك بالكثيرين ممن التحقوا بما عرف ب«ليبيا الغد»، مستندين إلى ما أمكن توفيره من حماية مظلة المؤسسة. * لماذا كان القذافي يرفض فكرة نشاطكم الخيري؟ - كان العمل في المؤسسة ذا طابع خيري ركز على الخارج لكون القذافي الأب كان لا يقبل نشاطا خيريا بين «الليبيين السعداء في جماهيريتهم العظمى»، لذلك لعب سيف على ذلك وسعى أيضا لاستغلال هوس أبيه ذي المصادر المتعددة بأفريقيا وحدد للمؤسسة مجال العمل الخيري خاصة في أفريقيا، جنوب الصحراء، وبالذات تشاد والنيجر ومالي وبوركينا فاسو، بالإضافة إلى ساحات ارتبطت هي الأخرى بأبيه مثل باكستانوجنوب الفلبين واليمن. لقد ارتبطت بعض هذه المناطق بعمليات دفع فديات وإطلاق رهائن تمت قبل أن ألتحق بالمؤسسة غير أن إحساسي أنه كان يتم تدبير الأموال من خارج المؤسسة لتحقيق مكاسب سياسية. * وكيف كان الأمر؟ - كانت معاناة مضنية تلك التي عشتها في محاولة لمأسسة هذا العمل الذي اعتمد على أشخاص معروفين لسيف أو للكرفاخ دون قيود أو شروط. أذكر أن مشاريع كثيرة كانت تقرر وتنفذ دون دراسة أو في غياب المختصين وكانت مجرد هدر للأموال. واجهت المعارضة الشديدة والصعوبات الجمة لترتيب الأمر وجعله علميا بدرجة مناسبة. من ناحية أخرى قضيت وقتا وجهدا هائلا في محاولة إقناع سيف والحكومة بأنه من المفيد أن تتلقى المؤسسة دعما غير مباشر لصالح مشاريع محددة وأن تحصل على أموالها بطريقة شفافة من أي مصدر. لم أنجح في ذلك إلا بعد أن بينت لسيف أن قبول المؤسسة دوليا كمنظمة غير حكومية يقتضي ذلك. * وكيف كان رد فعل سيف الإسلام القذافي؟ - كانت كل خطوة تحمل في طياتها معركة وكان سيف القذافي لا يأبه كثيرا بما يجري وظلت المؤسسة غير قادرة على التحول تماما لمنظمة غير حكومية رغم جهود أعضاء مجلس أمنائها من شخصيات عالمية. ظلت المؤسسة في الداخل تعاني من التشرذم ومن وجود مراكز قوى حول سيف القذافي الذي لم يكن يأبه كثيرا بالتمييز بين من يكلف وبماذا، إذ كثيرا ما كان يكلف أحدا ما للقيام بعمل ما يقع ضمن دائرة اختصاص شخص آخر، وكان مثيرا للإرباك مما جعل العمل مشخصنا ويعتمد على العلاقات غير الرسمية. كانت مسائل كثيرة وربما أموال كثيرة لا أعلم مصدرها يجري القيام بها والتصرف فيها دون المرور على الإدارة الرسمية للمؤسسة ممثلة في مديرها التنفيذي. * من كان يدير الأمر إذن؟ - كانت هناك شبكة محدودة من الأشخاص ضمت عبد الرحمن الكرفاخ ومحمد إسماعيل ونجمي أبو راوي وعمران أبو خريص ومصطفى الزرتي وفتحي لاغا وفيصل الزوي وغيرهم ممن يقومون بما لم يكن متاحا لي معرفته. لم أكن أسأل وحافظت دائما على مسافة مناسبة بيني وبين سيف وهؤلاء ضمنت لي احترامي. غير أن ما شدني أكثر للعمل فيما بعد كان تكليفي من خلال المؤسسة بالتعبير عن وإدارة مبادرات ذات صلة وثيقة بالإصلاح السياسي والحقوقي. يتعلق الأمر هنا بمبادرات المنابر السياسية والإعلام والمجتمع المدني من خلال تأسيس مركز الديمقراطية وجمعية العدالة لحقوق الإنسان ومواصلة العمل في مسألة الدستور. كل مبادرة من هذه المبادرات كانت تجربة غنية بحد ذاتها وكانت تقدم الدلائل والإشارات لفهم ما يجري وما سيجري في ليبيا خلال السنوات القادمة. لذلك فإنني سأخص هذه المبادرات بعرض مفصل للتأريخ لها من ناحية، ولبيان الدروس التي استخلصتها منها فيما يتصل بسيف القذافي والمشروع الذي قاده.. حقيقته ودوره وأثره وأسباب فشله بما يخدم المساهمة في جلاء الصورة عن هذه المرحلة المهمة، ويساهم في الإجابة المتعلقة بتفسير الموقف الذي اتخذه سيف القذافي من ثورة الشعب الليبي في السابع عشر من فبراير وما انتهى إليه من انحياز كامل لعائلته ولآلة القمع والقتل التي استخدمت ضد الشعب.