سربت وسائل الإعلام مضامين مشروع الدستور الجديد بليبيا الذي يعطي ضمانات لانتقال السلطات بالبلد، من المنتظر أن يتم الكشف عنه تزامنا مع احتفالات فاتح شتنبر 2009 لتخليد الذكرى الأربعين لوصول معمر القذافي إلى السلطة رغم أن الأمر ليس حديث الساعة في ليبيا، إلا أنه يتم الاستعداد لاختيار من سيخلف القذافي بليبيا وهو ما يعززه صدور «الميثاق الوطني للدولة الليبية» الذي أشرف على صياغته مختصون مقربون من سيف الإسلام القذافي نجل زعيم الجماهيرية والمرشح الأول لخلافة والده. يشرح الميثاق تفاصيل نقل السلط استنادا إلى المبادئ الدستورية، ويهدف إلى ضمان أمر واحد: انتقال الحكم بين عائلة القذافي. ينص القانون الجديد على إنشاء منصب جديد وهو مجلس القيادة الاجتماعية الذي سيسهر على مراقبة مهام رئيس الدولة، وسيكون من نصيب الجنرال سيد محمد قذاف الدم ابن عم العقيد القذافي، ويؤكد البعض أنه من المنتظر أن يضطلع سيف الاسلام بمنصب رفيع ترجح بعض المصادر أن يكون سكرتير اللجنة الشعبية العامة. سيكون المنصب قريبا من نائب الرئيس الذي سيضعه الدستور قريبا وسيخول له تدبير الشأن العام إلى جانب قذاف الدم، مما سيتيح له تطبيق برنامجه الخاص بالتنمية الاقتصادية «ليبيا الغد» والذي أعده السنة الماضية بمساعدة خبراء أمريكيين وبريطانيين. وترى مصادر مطلعة أن قذاف الدم الذي يعتبر الرجل الثاني في النظام الليبي سيكون الساهر على انتقال السلطة عند البدء في تنفيذ الدستور الجديد. يبلغ الجنرال من العمر 64 سنة وهو قائد الأمن الشخصي الخاص بالرئيس ومحافظ مدينة «سرت» معقل قبيلة القدافي. ويشرف ابن عم العقيد الليبي على مجلس الأعيان منذ سنة 2004 إلى جانب القيادات الشعبية الاجتماعية التي تتمثل مهمتها الأساسية في الحفاظ على ولاء القبائل الخمسين التي تتمتع بنفوذ قوي في البلاد. لم يتم تحديد موعد الإعلان عن الدستور الجديد الذي يتوقع المراقبون أن يتزامن مع احتفالات فاتح شتنبر 2009 لتخليد الذكرى الأربعين لوصول معمر القذافي إلى السلطة. وأثارت فصول الدستور الجديد جدلا ليس فقط بين صفوف المعارضة- التي تنشط في المنفى ومقصية من اللعبة السياسية- بل امتد إلى معسكر القذافي نفسه المنقسم إلى تيار للإصلاحيين من جهة وتيار الحرس القديم المحافظ من جهة أخرى. يتزعم التيار الأول ابن الزعيم سيف الإسلام النجل الأكبر للقذافي بين أشقائه السبعة من زواجه الثاني من صفية فركاش، بينما يضم التيار الثاني قادة اللجان الثورية وبعض أفراد قبيلة القذافي والمحيطين بابن العقيد الليبي المعتصم بالله الذي لم يعلن أبدا عن طموحاته السياسية ولم يسبق له أن واجه بشكل مباشر شقيقه سيف الإسلام، بل وقف إلى جانبه لمواجهة الطموحات غير المدروسة لشقيقهم الساعدي. تلقى المعتصم بالله تكوينا عسكريا، وبدأ الحديث عنه سنة 2003 بعدما أنشأ وحدات خاصة داخل الجيش لمحاربة الرشوة وأزعجت حملاتها الجريئة محيط والده الذي لم يتأخر رد فعله وغضب على ابنه الذي اختار مصر بشكل طوعي كمنفى له. بعد عودته إلى ليبيا، تمت ترقيته ليصبح مستشار الأمن الوطني والتقى بكوندوليزا رايس في واشنطن لمناقشة التعاون في مجال محاربة الإرهاب. نشأت فكرة المواجهة بين المحافظين والإصلاحيين نهاية ماي الماضي، عندما شن مناصروا سيف الإسلام حملة من أجل التعريف بمشروعهم ورسم دور سياسي مستقل لهم في ليبيا، وتجلى ذلك في عمليتين: تسريب بعض مضامين مشروع الدستور الجديد على موقع «الوطن» الالكتروني المقرب من الرئيس الليبي وإطلاق عشرات المنتديات السياسية في أنحاء ليبيا للتعرف على رأي المواطنين حول مستقبل الجماهيرية. بعد الضغوط التي مارستها اللجان الثورية، تراجع أنصار سيف الإسلام عن مخططهم وقاموا بسحب مشروع الدستور من الانترنت بعد ساعات فقط من تحميله إضافة إلى إلغاء الورشة الافتتاحية للمنتدى السياسي بجامعة الفاتح بطرابلس، بينما أوقفت يوميتا «أويا»و«سيرين» اللتان يصدرهما سيف الإسلام لقاءاتها السياسية. وفي آخر لحظة، تراجعت قناة الليبية-التي أطلقها النجل الثاني للقذافي- عن عرض برنامج سياسي كان من المنتظر أن يستضيف رموزا من المعارضة. مضامين الميثاق الجديد لا تقلق رؤساء اللجان الشعبية بقدر ما تخفي مطامع من أشرف على وضع فصول الميثاق والمقربين من سيف الإسلام. وإذا كان مشروع الدستور يحافط على البنيات الحالية للنظام الشعبي الليبي، فإنه بالمقابل لا يشير إلى وجود اللجان الثورية والتي يقترح محلها تنظيم منتديات سياسية -كما يتمنى سيف الإسلام- تتمتع بوضع مستقل عن المؤتمرات الشعبية. المنتديات ليست في الحقيقة سوى «نواة» لخلق أحزاب سياسية ظلت ممنوعة في ليبيا لعدم تجانسها مع نظام الحكم الشعبي «للقائد». «إنهم يقترحون علينا نصوصا من الخارج ستؤدي إلى اندلاع حرب مدنية بين الليبيين» يصرح حميدة الطويل، عضو اللجنة الثورية، وهو الاحتمال الذي يرد عليه مناصرو سيف الإسلام بأنه ليست لديهم النية في الرجوع بنظام الأحزاب، حيث لن يخضع تنظيم المنتديات لأية ضغوطات خارجية. ويكشف محمود بوسيفي مدير جريدة «أويا» عن طبيعة تنظيم المنتديات مفسرا: «تهدف تلك المنتديات إلى التعبير عن واقع جديد بليبيا وذلك باقتراح نقاشات متنوعة حول مواضيع تهم الليبيين» ويضيف: «تستمد تلك التنظيمات مضامين اشتغالها من مبادئ النظام الشعبي وتحرص على تعزيزه وتقويته». تعقدت الأمور أكثر في الثاني من يونيو الماضي عندما نظم رجب بودابوس، أستاذ الفلسفة المعاصرة بجامعة الفاتح، ندوة صحفية بعنوان: «الدستور والمسيرة المكتملة» كشفت عن العلاقة التي تجمع الأستاذ الجامعي بنجل الرئيس، حيث يرى البعض أنه المنظر الايديولوجي لسيف الإسلام، كما أنه يدير المنشورات المطبوعات التي تنشرها اللجان الثورية. «لقد تحدثت الجرائد في السنة الماضية عن الدستور وكأنه سبق صحفي، لكن القذافي ليس ضد مبدأ الدستور لأنه طرح منذ سنة 1993 السؤال حول شرعية وجوده في هرم السلطة»، يعترف بودابوس في تلميح صريح للمنشورات التي يديرها سيف الإسلام ويتابع في تصريح فاجأ المحافظين القذافيين: «من الأفضل الآن الاستفادة من وجود «القائد» من أجل طرح دستور يحافظ على سلطة الشعب قبل أن نستيقظ ذات يوم ونجد أن الوقت حينها قد فات(من أجل إنقاذ الثورة)». البعض لم يقتنع بهذا التصريح، وهو ما عبر عنه عمر الحامدي، رفيق درب معمر القذافي، والعقل المفكر للمؤتمرات الشعبية حيث لم يخف أن «تلك اللقاءات قادرة على خلق انشقاق خطير»، فيما لم يستبعد المحافظون إمكانية حمل السلاح، «قد يجد الشعب نفسه مرغما على حمل الكلاشنيكوف من أجل الدفاع عن نفسه» يعترف محمد الشهومي، عضو اللجان الثورية. علق الرئيس الليبي تنظيم المنتديات السياسية وسحب مشروع الدستور الجديد من الشبكة العنكبوتية بذريعة أنها ليست النسخة النهائية، لكن استحضار «اللجوء إلى حمل الكلاشنيكوف» كما يتصوره السيناريو المفترض ليس سوى قناع موجه للاستهلاك الداخلي قبل تبني المشروع الجديد والذي يرسل إشارات إلى المعارضة السياسية في المنفى، بشكل يضفي الشرعية على نظام حكم العقيد الليبي. يؤكد البعض على أن الجدل حقيقي لكنه لا يهتم سوى بالتفاصيل التي يمكن حلها بسهولة: ألا يمكن للمنتديات السياسية المطروحة في عمق النقاش أن يطرحها القذافي بشكل توافقي في نص الدستور الجديد؟ عدد من المراقبين يرون أن المواجهة لها طابع جدي، وإذا ما تم التسليم بهذا الإقرار، فإن الأمور ستحمل في طياتها جانبا من الإثارة خلال الأشهر القليلة المقبلة يعكس طبيعة الصراع غير المعلن بين معسكر سيف الإسلام ومعسكر المعتصم بالله والقذافي الذي سيحاول خلق المصالحة الصعبة.. أبناء الرجل الأول في ليبيا محمد، 37 سنة: أكبر أبناء العقيد الليبي من زواجه الأول. كتوم ولا يظهر في وسائل الإعلام رغم أنه يعشق الرياضة وهو رئيس قطاع الاتصالات. سيف الإسلام، 36 سنة: مهندس مدني ويترأس منظمة القذافي للتنمية، وهو الابن البكر من زوجته الثانية صفية. الساعدي، 35 سنة: تلقى تكوينا عسكريا حيث تولى إدارة وحدة الصفوة. أصبح مشهورا بعد خرجاته الإعلامية عندما كان لاعبا لكرة القدم بنادي طرابلس. المعتصم بالله، 34 سنة: كولونيل في الجيش ويرأس منذ السنة الماضية مجلس الأمن الوطني. حنبعل، 31 سنة: معروف بمغامراته في عدد من العواصم الأوروبية كانت آخرها في سويسرا بعد أن اعتدى على أحد الخدم هناك. تلقى بدوره تكوينا في الجيش. عائشة، 30 سنة: البنت الوحيدة لمعمر القذافي، متزوجة وترأس جمعية للإحسان «واعتصموا» وتعد أبرز وجه نسائي في ليبيا خلال السنوات الخمس الأخيرة. سيف العرب وخميس: لديهما منصبان في الجيش الليبي ويفضلان الابتعاد عن السياسة. سيف الإسلام.. ظل القذافي المتمرد منذ سنة 2000 لعب نجل الزعيم الليبي سيف الإسلام القذافي أدوارا هامة في الشأن العام الليبي الداخلي والخارجي دون أن يكون له منصب سياسي في الجهاز الرسمي الليبي، فقد قاد مفاوضات بين ليبيا وجهات أجنبية واستطاع تسوية العديد من القضايا الشائكة. وتحدث في وسائل الإعلام أكثر من مرة عن الإصلاح السياسي والاقتصادي في ليبيا مع محاولة عدم الخروج عن المسار الذي رسمه والده العقيد معمر القذافي. ولئن كان المهتمون بالشأن الليبي يختلفون في تفسير تحركات سيف الإسلام هل يراد منها التمهيد لخلافة والده أم تحسين صورة النظام الليبي فإنهم متفقون على أنه أصبح شخصية هامة في الحياة الليبية العامة. ولد سيف الإسلام القذافي في5 يونيو 1972 في معسكر باب العزيزية، حيث تقيم أسرة الزعيم معمر القذافي، وهو الابن الثاني للعقيد القذافي من زوجته الثانية الممرضة صفية فركاش. درس سيف الإسلام بمدارس طرابلس وتخصص في الهندسة المعمارية، حيث تخرج سنة 1994 من كلية الهندسة بطرابلس مهندسا. والتحق سيف بكلية الاقتصاد بجامعة «إمادك» بالنمسا سنة 1998 وتخرج منها سنة 2000، كما التحق بمعهد للاقتصاد في بريطانيا لنيل شهادة الدكتوراه. ولسيف الإسلام اهتمامات فنية حيث يعنى بالرسم.. التحق بعد تخرجه بمركز البحوث الصناعية في طرابلس. وفي سنة 1996 عمل في مكتب استشاري، وقد منح سيف رتبة رائد في الجيش الليبي مع أنه لم ينتسب إلى مؤسسة عسكرية، وقد أصبح رئيس مؤسسة القذافي الخيرية للتنمية التي أنشئت سنة 1998. شارك سيف الإسلام باسم مؤسسة القذافي الخيرية في صيف سنة 2000 في التفاوض مع مجموعة أبي سياف الفلبينية وكانت تحتجز رهائن ألمان واستطاع تخليصهم مقابل مبلغ مالي يقدر ب25 مليون دولار، كما ساهم في تسوية «ملف لوكربي»، الذي اتهِمت فيه ليبيا بإسقاط طائرة «بان أميركان» المتجهة إلى نيويورك فوق بلدة لوكيربي بأسكتلندا في 21 ديسمبر 1988 فمات ركابها البالغ عددهم 259 شخصا ومات معهم 11 شخصا من سكان لوكربي. عن جون أفريك