"الشرق الاوسط" القاهرة: عبد الستار حتيتة في بلد من بلدان العالم الثالث حيث يغلب التسيب الإداري، كان يوجد طبيب يدعى الدكتور عليوة، يدير بصرامة مستشفى في ضاحية تاجوراء التابعة للعاصمة طرابلس الغرب لمدة تزيد على عشرين سنة. «المواعيد الدقيقة.. النظافة. الاهتمام بالمرضى. مراقبة سلوكيات الممرضين والأطباء، التفتيش المفاجئ على الأطعمة والأدوية». هل هو كان مع النظام السابق المكروه التابع للعقيد الليبي الراحل معمر القذافي؟ لا.. لكن بعد أن قامت الثورة في ذلك البلد يوم السابع عشر من فبراير (شباط)، وبعد أن وصل الثوار إلى تاجوراء في أغسطس (آب) الماضي، أمسك عدد من العاملين بالمستشفى بتلابيب الدكتور عليوة، وقرروا طرده باعتباره من «بقايا النظام السابق»، وتشكيل لجنة تدير المستشفى مكونة من ثلاثة أطباء، لكن الثوار المدججين بالأسلحة المثيرة للذعر، اقتحموا المبنى وحلوا اللجنة الثلاثية، وقرر عدد منهم، وغالبيتهم شبان يتسمون بالرعونة، إدارة المستشفى بأنفسهم، وكان على رأس قائمة ضحايا الفوضى مئات المرضى. روى طبيب جاء أخيرا من طرابلس لالتقاط أنفاسه في القاهرة هذه الرواية التي لم تعد تثير أي استغراب مقارنة بما أصبح عليه الواقع الليبي الجديد، حيث ترك القذافي الدولة من دون مؤسسات متماسكة أو أحزاب سياسية أو جمعيات أو جيش أو أجهزة أمن. كان كل شيء يتأسس ويعمل ليس لخدمة الدولة الليبية، كما يقول هذا الطبيب، وهو من العاصمة أصلا، ولكن لخدمة القذافي الذي تم دفنه يوم الثلاثاء الماضي في مكان مجهول مع ابنه المعتصم ووزير دفاعه أبو بكر يونس. «هل يصلح فلان لشغل وزارة كذا؟ لا.. لماذا؟ لأن هناك صورا تبين أنه حين كان في زيارة لباريس مع أسرته قبل خمس سنوات، كانت زوجته تسير معه في الشارع من دون حجاب». سؤال آخر: «وهل يمكن أن نساند فلانا في شغل وزارة كذا؟ لا.. لماذا؟ لأننا وجدنا له صورا وهو يصافح ابن عم القذافي في مؤتمر عقد في الصين منذ عشرين سنة، كما أنه من قبيلة كذا.. وهذه القبيلة منها ثلاثة يشغلون مواقع تنفيذية. هذا يكفي بالنسبة لهم». ويشد الطبيب الطرابلسي أنفاس الشيشة في مقهى البورصة بوسط العاصمة المصرية، ويقول طالبا عدم ذكر اسمه حتى لا يتعرض لمشاكل من الثوار حين يعود لطرابلس، إنها طريقة الجيل الجديد الممسك بالأسلحة وبالقرارات على الأرض، لا يمكن إدارة مستشفى فما بالك بإدارة دولة تحتاج إلى قيادة موحدة وحكومة جديدة ومصالحة مع خصوم الماضي ومواجهة الطابور الخامس ووضع دستور ديمقراطي وحماية الحدود مع دول الجوار ودمج آلاف الثوار المسلحين، بتوجهاتهم الدينية والليبرالية والقبلية في الجيش والشرطة. ويحمل المجلس الانتقالي الذي يرأسه المستشار مصطفى عبد الجليل، هذا الإرث الثقيل على كاهله وهو يحاول الانطلاق قدما لتطبيق خارطة الطريق التي أعلنها المجلس في أعقاب تشكله رسميا في 27 فبراير الماضي، وأهم ما في هذه الخارطة تكوين حكومة مؤقتة وإجراء انتخابات تأسيسية خلال ثمانية أشهر من موعد تحرير ليبيا الذي أعلن يوم الأحد الماضي، تليها انتخابات عامة بعد سنة على أبعد تقدير. لكن بدا قبل نهاية هذا الأسبوع أن حكام ليبيا يدركون المصاعب التي يواجهونها، وأنهم ما زالوا في حاجة إلى دعم لتثبيت أركان الدولة الجديدة، من خلال «لجنة الأصدقاء لدعم ليبيا» التي تم اقتراحها في اجتماع حضره عبد الجليل في دولة قطر مؤخرا. رغم المخاوف.. لا يريد الكثير من الليبيين العاديين إفساد فرحة الخلاص من «الحقبة السوداء التي استمرت 42 عاما» بالتفكير في المخاطر التي تنتظرهم. يعقدون الآمال على أن كل المشاكل المتراكمة منذ نحو أربعة عقود ستجد طريقها للحل، بطريقة أو بأخرى حتى لو تمت الاستعانة بأصدقاء.. «رغم كل ما نواجهه فإن ليبيا الجديدة ستكون أفضل من ليبيا القذافي». هكذا يقول عمر الشريف وهو متحدث إعلامي في ثورة 17 فبراير في سبها بإقليم فزان جنوب ليبيا. ويجيب موضحا ردا على أسئلة «الشرق الأوسط» عبر الإنترنت بقوله: «من الناحية الأمنية، الوضع سوف يأخذ بعض الوقت حتى يتحسن ويستقر.. ومع ذلك هذا الأمر يتوقف على وعي الثوار وعلى وعي القادة مثل (عبد الله) ناكر (رئيس مجلس ثوار طرابلس) وعبد الحكيم بلحاج (رئيس المجلس العسكري لطرابلس)، ووعي غيرهم في باقي مدن ليبيا. هناك قضية تجميع وتسليم السلاح والانضواء تحت راية جيش وطني موحد. أيضا التركيز على الحدود الجنوبية خصوصا حدود ليبيا مع تشاد، وحدود ليبيا مع النيجر، وحدود ليبيا مع السودان.. يجب دعم هذه المنطقة بجيش ليبي موحد وليس كما يحدث الآن، لأنها بأيدي قبيلة واحدة، أغلب أفرادها هم ليسوا ليبيين (كتيبة درع الصحراء) التي تدعي حماية الحدود الليبية. وأنا أراهن على أن الليبيين سوف يحكمون عقولهم وذلك من أجل مصلحة واحدة فقط وهي بناء ليبيا حرة موحدة». ويحلم الليبيون بأن أي حكومة قادمة لإدارة بلدهم البالغ عدد سكانه نحو ستة ملايين نسمة، لا بد أن تضع على أولوياتها حسن إدارة الموارد المهمة التي تمتلكها وتعتبر ثروتها القومية الرئيسية، وهي النفط، إضافة إلى الموارد الأخرى التي لم يضعها نظام القذافي في الحسبان، مثل السياحة الشاطئية والتراثية.. ورغم ترويج بعض قنوات التلفزيون لقادة من الثوار يتبنون الخطاب الديني المتشدد المخيف للغرب وللقوى المدنية، فإن هناك الكثير من الثوار ممن يتحدثون بطريقة منفتحة ومتفهمة لمتغيرات العصر. يقول الشريف: «من الناحية الاقتصادية، أعتقد أن البلد سوف يتقدم تقدما كبيرا وملحوظا من هذه الناحية. فليبيا تمتلك الكثير من الموارد الطبيعية بالإضافة إلى السياحة والموقع الجغرافي المهم الذي يمكن الاستفادة منه اقتصاديا.. يعني باختصار ليبيا الجديدة سوف تكون أفضل من ليبيا القذافي بإذن الله». وأمام تضارب وغموض تصريحات ونيات عدد من القادة اللاعبين على الساحة السياسية الليبية الآخذة في التشكل، تشعر طبقة الثوار الميدانيين ممن لم يتذوقوا ترف مكاتب السلطة وبريقها أن الشعب الليبي يحتاج في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخه إلى الوحدة والثقة ووضوح الرؤية وهو يسير نحو المستقبل. وقبل الدخول في بحث ما يمكن عمله على المستوى السياسي، هناك همّ ميداني قائم بالفعل يتمثل في فلول القذافي وفي نجله سيف الإسلام الذي يقال إنه ما زال هاربا مع عبد الله السنوسي المقرحي، رئيس المخابرات في نظام والده. والاثنان ينتميان لقبيلتين كبيرتين لم يعلن قادتهما الفعليون الانضمام لثوار «17 فبراير» بعد، وهما قبيلة القذاذفة وقبيلة المقارحة إضافة لقبيلة الورفلة التي يبلغ عددها نحو مليون نسمة. بعض حكام ليبيا يقولون بعد الخلاص من القذافي والمعتصم إن سيف الإسلام ضعيف، والفلول يمكن السيطرة عليهم ودحرهم، والحدود الجنوبية تحت السيطرة ما عدا الحاجة لبعض التدريب والمعدات. أما بالنسبة للاستعانة بأصدقاء لإعادة هيكلة ليبيا كدولة ذات مؤسسات، فينظر إليها البعض بتوجس وخوف من تعضيد هؤلاء الأصدقاء لتوجهات فرق ليبية معينة على حساب أخرى، ما يمكن أن يفتح الباب لمشاكل داخلية تصل إلى حد الاقتتال. وينظر آخرون للأمر باعتباره «خطوة موفقة». يقول المتحدث ابن إقليم فزان بجنوب ليبيا عن الاستعانة بأصدقاء لحماية الحدود وبسط الأمن من قبل «أصدقاء ليبيا»، سواء بقيادة قطر أو باستمرار قيادة حلف الناتو: «أعتقد أنها خطوة موفقة. بالنسبة لرأيي في استمرار الناتو ووظيفته في حماية المدنيين في ليبيا، فأعتقد أنه من المهم استمرار عملياته لحماية المدنيين». لكن حمايتهم ممن؟ يجيب الشريف: «حماية المدنيين من المرتزقة الموجودين على الحدود حاليا.. نعلم أن هناك مرتزقة في الصحراء، وهم من قام بمساعدة هروب بعض الشخصيات المهمة خارج ليبيا إلى النيجر وتشاد. المشكلة هي أنك لا تعرف مكانهم، وبالتالي هم منتشرون في الصحراء ويهددون أمن ليبيا والمناطق الجنوبية خاصة». ويعتقد الليبيون أن سيف الإسلام ضعيف، لكن أنصار القذافي الكبار ما زالوا يملكون المال والذهب لإطالة أمد المعركة وعرقلة نجاح الدولة الجديدة، إضافة إلى انتشار الفول كخلايا نائمة في الكثير من المواقع، وهذا في حد ذاته مكمن الخطورة، سواء كان سيف الإسلام موجودا أم لا. ولا يعتقد الشريف أن سيف الإسلام ضعيف، ويرى أنه سيكون قادرا على إثارة المشاكل في ليبيا.. «سيف الإسلام ليس ضعيفا الآن وخصوصا إذا تبث أنه خارج ليبيا.. يستطيع تجميع الحشود من الأفارقة - كما تعلم هذه المناطق يكثر فيها الجهل ويفعلون أي شي مقابل المال - سيف الإسلام الآن هو ثور غاضب وأتوقع منه كل شيء وخصوصا مع الوضع الأمني للحدود الجنوبية الليبية؛ فالأمر خطير جدا». وبينما تتجه فرق الثوار المسلحين إلى مزيد من الانقسامات والمزيد من التكتلات المتعارضة، يحاول البعض من قادة الثوار العسكريين ومن المدنيين تلطيف الأجواء من خلال الإعلان عن تأسيس أحزاب سياسية كانت ليبيا محرومة منها طيلة عهد القذافي. وهنا تجد الإشارة إلى أن موضوع الأحزاب الليبية له جذور تاريخية، فقبل وصول القذافي للحكم بعد سنوات، وحين استقلت ليبيا عن الاستعمار في مطلع الخمسينات من القرن الماضي، حين كان يوجد برلمان وملك، نشأت عدة أحزاب، لكن لاحظ الملك السنوسي ذو الاتجاه الديني الصوفي أن الأحزاب تتبنى خطابا جهويا وقبليا ورأى أنها يمكن أن تسهم بهذه الطريقة في تقسيم البلاد الشاسعة ومترامية الأطراف إلى ثلاثة أقاليم هي: برقة (في الشرق)، وطرابلس (في الغرب)، وفزان (في الجنوب). ومن ثم، قرر الملك حل الأحزاب مؤقتا والاعتماد على مذهبه الديني في الحكم للحفاظ على وحدة البلاد، دون أن ينص على إلغاء الأحزاب أو تحريمها في الدستور كما فعل القذافي بعد ذلك. حين أراد القذافي أن يحكم من دون تعددية سياسية ولا حزبية، لعب أولا على الوتر الديني، وجمع حوله بعض المتأثرين بالفكر الإخواني والسلفي القادم من مصر، قبل أن يستشعر خطورة هذه اللعبة، ويتجه إلى العزف على وتر القبلية، فجعل «الولاء القبلي يلعب دورا كبيرا في النظام السياسي»، كما يقول سنوسي الفكري، في كتابه «النظام السياسي الليبي». والقبائل الثلاث التي اعتمد عليها القذافي (القذاذفة والمقارحة والورفلة) تركزت في أيديها، لعقود من الزمن خلال عهده، الثروة والسلاح والأمن. وتنتمي خلاصة عناصر اللجان الثورية (جوهر نظام القذافي الأمني) إلى عناصر من هذه القبائل، التي أصبح وجهاؤها خارج السلطة الجديدة حتى الآن.. «ويشعرون بالهزيمة والمهانة والإقصاء»، كما نقل مصدر على لسان رجل من قبيلة الورفلة مطارد من ثوار مصراتة بسبب عمله في السابق كأمين لمثابة ثورية (وحدة محلية) في طرابلس. ويقول متحدث عن الثوار إن ما يدفعهم إلى ملاحقة مثل هؤلاء ليس الانتماء القلبي ولكن لأن «هناك من هو مستمر في مناصرة لجان القذافي الثورية في العاصمة وما حولها.. تم رصد تحركات للطابور الخامس المعزز أساسا من عناصر اللجان الثورية والأمن الخارجي والأمن الداخلي وكلها أجهزة انهارت برحيل القذافي»، مشيرا إلى «آخر ما رصدناه كان بيانا منسوبا لشبان مسلحين في العاصمة من قبيلة المقارحة، ويهددون بتنفيذ عمليات تخريب.. واكتشفنا أن هؤلاء كانوا في اللجان الثورية القديمة. ولذلك نحن نطارد فلولا لا قبائل». وبغض النظر عن هذه الملاحقات التي يأمل الليبيون أن تنتهي بالمصالحة والعفو بمبادرة من المجلس الانتقالي، يوجد في الخلفية حراك عام في عموم البلاد يعكس وعي الليبيين بماضيهم ويعكس تطلعهم إلى بناء دولة عصرية، حيث أصبحت برامج الأحزاب التي بدأت تتشكل في ليبيا حاليا تنص صراحة على نبذ الجهوية والقبلية، تعضدها في ذلك عشرات الجمعيات الأهلية ومنظمات العمل الحقوقي وغيرها من تكتلات معنية بالحريات العامة والديمقراطية. لكن المشكلة التي يراها المراقبون تكمن في ما يسمونه «الجزر المنعزلة التي تعمل كل منها بمعزل عن الأخرى». ويقول قيادي من ثوار منطقة الزنتان يعد للإعلان عن مجلس عسكري خاص بهؤلاء الثوار الموجودين حاليا في طرابلس منذ قدومهم لتحريرها قبل نحو شهرين: «لا يوجد تعاون، كل فريق يريد أن يكون هو المسيطر، وكل فريق لديه أنصار في الخارج، البعض يعتمد على الدعم القطري والبعض الآخر على الدعم الإماراتي.. هناك زوار أميركيون وفرنسيون وبريطانيون ينزلون على أصدقائهم المصراتيين وآخرون يقصدون أصدقاءهم الطرابلسيين، وغيرهم يقصد قيادات بنغازي. هذا غير ممكن، ولذلك قررنا تشكيل مجلس عسكري لكي نتمكن من المشاركة في الحديث مع زوار ليبيا». مسعى جانب من ثوار الزنتان للقيام بتشكيل مجلس عسكري خاص بهم في طرابلس، يأتي بعد أيام قليلة من محاولات شارك فيها ثوار من الزنتان أيضا لتوحيد الثوار لا لزيادة تفرقهم. لكن مصادر الثوار في طرابلس، ومن بينها قيادات شاركت في اجتماع بمنطقة جرجارش لمحاولة لمّ الشمل هذا الأسبوع، أبدت أسفها لعدم تعضيد شخصيات مثل بلحاج وناكر للاجتماع وإصرارهما على خروج كل الثوار الذين لا ينتمون لطرابلس من العاصمة، وهو ما يراه ثوار الزنتان والجبل الغربي عموما إضافة لثوار مصراتة اتجاها لانفراد ثوار طرابلس - وهي أكثر المدن التي يقصدها سادة الحرب الدوليون (أعضاء الناتو) من العرب والأجانب - بتحديد مستقبل ليبيا بعيدا عن شركاء المناطق الأخرى الذين قدموا أرواحهم من أجل نجاح الثورة. التشكك في رفاق السلاح وعلاقاتهم المنفردة مع الخارج وصل حتى لشركاء الثورة في المدينة الواحدة. ويقول مصدر في مجلس ثوار طرابلس إن المجلس يترقب المدى الذي سيصل إليه التعاون المباشر بين المجلس العسكري لطرابلس وبعض الموفدين الأجانب والعرب من قطر وغيرها إلى ليبيا. ولا يفصح رئيس مجلس ثوار طرابلس عن الأطراف التي يعنيها والتي أصبح يشعر أنها «مفروضة على الثورة الليبية من أطراف خارجية». ويعود الطبيب الطرابلسي ليقول وهو يشد أنفاس الشيشة في مقهى البورصة وسط القاهرة: لو لم تكن كل هذه العقبات موجودة لكان من السهل تحديد الأشخاص الصالحين والمرضي عنهم من الشعب لشغل موقع رئيس الحكومة والوزراء. «لكان من اليسير الدفع بالسفينة إلى الأمام فور التخلص من الربان القديم.. الآن، وفي كل ركن، تجد معركة بين عدة متنافسين حول من يكون له حق القيادة، كما حدث في مستشفى تاجوراء. التنافس مطلوب، شرط أن يكون مبنيا على الحوار والعقل لخدمة الوطن بعيدا عن لغة السلاح». ويزيد معبرا عن القطاع الأوسع من الليبيين الذين يفضلون حسم الخلافات والعودة للحياة الطبيعية بقوله: «أنا لم أشارك في الثورة منذ البداية. أنا من سكان طرابلس، وطرابلس مدينة ذات طبيعة مسالمة. نجحت الثورة، وتخلصنا من القذافي.. حسنا.. يمكن أن أخدم الثورة بالعمل الجدي والمخلص في مجال عملي. ما يريده كل ليبي.. ما أريده أنا هو العودة لعملي والحصول على راتبي لكي أربي أطفالي. هل تتخيل أنني حتى الآن غير قادر على إرسال ابنتي الاثنتين إلى المدرسة. لا أشعر بالأمان، ولهذا جئت بأسرتي إلى مصر إلى أن تهدأ الأمور هناك». وقبل نهاية الشهر المقبل لا بد أن تكون قد تشكلت حكومة ليبية لتهيئة البلاد لانتخاب برلمان ووضع دستور وتشكيل إدارة تنفيذية بإرادة شعبية. هل هذا مجرد حلم صعب المنال؟ يقول الدكتور الهادي شلوف، أحد أبرز المرشحين لتولي رئاسة الحكومة المؤقتة، إن هذا الحلم هو الذي انتظره الليبيون طويلا، وأصبحوا على بعد خطوة منه، بعد أن قدموا بإصرار التضحيات للخلاص من النظام الديكتاتوري البائد. والرجال الذين تم ترشيحهم للمجلس الانتقالي لشغل موقع رئيس الحكومة القادمة هم: محمود جبريل رئيس المكتب التنفيذي التابع للمجلس الانتقالي أي حكومة تيسير الأعمال، وهو ذو توجه ليبرالي، وتراجع لاحقا بقوله إنه لا يرغب في الاستمرار في رئاسة الحكومة المؤقتة القادمة. والثاني هو عبد الرحمن السويحلي وهو ذو توجه إسلامي من مدينة مصراتة ذات النفوذ القوي بعد ثورة «17 فبراير»، التي كانت قد استحوذت على جثة القذافي والتصرف فيها. لكن الخلافات بدأت تدب هناك حول ترشحه، فقطاع من الثوار بدأ يتساءل: «ومن رشحه؟ لم نتفق على هذا». وهناك المرشح محمد الحريزي الذي أصبح معروفا منذ بداية تشكيل المجلس الانتقالي باعتباره عضوا في هذا المجلس، والحريزي محسوب على التوجه الإسلامي، ويمكن أن يكون منافسا قويا لو توحد وراءه الإسلاميون من جهاديين وإخوان وسلفيين، وهذا أمر مشكوك فيه بعد أن هاجم مسلحون من الجهاديين مقار تابعة لفرق إسلامية وإخوانية أخرى. وهناك المرشح الهادي شلوف وهو رجل قانون دولي أصبح معروفا قبل سنوات حين تم اختياره في عضوية المحكمة الجنائية الدولية المختصة بقضية دارفور. ويقول عن نفسه ل«الشرق الأوسط» إنه ذو توجه مستقل مستعد للتعامل مع كل الأطراف، مشددا على ضرورة الإسراع بتشكيل الحكومة المؤقتة لأنها «مسألة أساسية»، ينبغي التشاور بشأنها مع الجميع، من أجل إعادة هيكلة الدولة الليبية ومؤسساتها كدولة «يسري فيها القانون على المسؤول وعلى المواطن».