"أبدعت كل الفنون روائع ما عدا السياسة أعطت وحوشا" سان جوست: أحد أبطال الثورة الفرنسية دعوني في البداية أذكر بأن الانتخابات البرلمانية التي تجري في بلادنا أملتها الأجواء الخارجية المشحونة بالتغييرات الجذرية التي اصطُلح على تسميتها ب:" الربيع العربي " وفرضتها الرياح التي عصفت بدكتاتوريين منهم الهارب ومنهم السجين الذي يحاكم ومنهم المقتول شر قتلة ، ومنهم العنيد المشاكس الذي لا زال متشبثا بكرسي الرئاسة ومنهم من لازال يذبح ابناء شعبه صياح مساء لافرق عنده بين كبيرهم وصغيرهم ... وتجري هذه الانتخابات في أجواء داخلية تطبعها الدعوة إلى المقاطعة من جهة والدعوة إلى المشاركة من جهة اخرى . كلا المواقف - في تقديري -يصب في المصلحة العليا للوطن ، مع العلم انه يجب أن يكون الموقف من الانتخابات بالمشاركة أو المقاطعة موقفا واضحا مبينيا على حجج وأدلة مقنعة كما يجب أن يتعزز بأجواء الحوار بين مختلف المكونات والفاعلين مشاركين ومقاطعين ، لأن هذه هي الضمانات الجدية والعملية لتحقيق حلم المغاربة في تغيير ملموس على الأرض. فلا للإقصاء... ولا للتخوين.... ولا للمزايدات بالوطن . كنت وددت أن أعطي نبدة تاريخية عن تاريخ المقاطعة والمشاركة في الإنتخابات المغربية منذ 1976 تاريخ العودة إلى المسلسل الدمقراطي ، انطلاقا من مواقف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ودراعه النقابي القوي الاتحاد المغربي للشغل ، وما تناسل عنهما من فصائل ومنظمات وأحزاب مرورا بتجربة الإتحاد الإشتراكي وحزب التقدم والإشتراكية وباقي الأحزاب ذات المرجعية الماركسية التي عانى مناضلوها ويلات القمع والإعتقال والنفي و بالاحزاب التقليدية وعلى رأسها طبعا حزب الإستقلال وحزب الحركة الشعبية وما تفرع عنها من حركات . وانتهاء عند ما يصطلح بتسميته بالاحزاب الإدارية أو أحزاب الكوكوت مينوت كما يطلق عليها والتي أنشأتها الإدارة لتمييع العمل السياسي ....دون ات اغفل طبعا الأحزاب الإسلامية الحديثة العهد بالعمل السياسي الرسمي التي وكان أغلب مناضليها يشتغلون إما ضمن تنظيمات سرية أو من داخل بعض أحزا ب اليمين أو اليسار على حد سواء .... ( يجب أن يعذرني القاريء لأنني لست هنا بصدد تأريخ العمل السياسي بالمغرب وإلا لكنت جردت جميع التنظيمات والفصائل السياسية والصراعات التي ولدت الإنشقاقات المعروفة .....وهذا ليس هو موضوع هذا المقال) باختصار شديد فقد تأرجح موقف الأحزاب اليسارية وما تفرع عنها من فصائل وتنظيمات بين المقاطعة والمشاركة المشروطة وسامها المخزن ويلات القمع والمنع والإعتقال والإبعاد في حين اتسمت مواقف الاحزا ب التقليدية والإدارية بالمشاركة غير المشروطة في جميع الإستحقاقات الإنتخابية من هنا يتضح ان مبدأ المقاطعة والمشاركة كان ولا يزال مطروحا منذ اول تجربة ديمقراطية في المغرب ، مذاك والمواطن/ الناخب العادي يحتار أيهما أحق؟؟؟ وأويهما أصوب؟؟؟ واي التيارين يتبع ؟؟ ولكي تضع المواطن البسيط في الصورة فإن النخبة المغربية، مدعوة إلى تحمل مسؤوليتها التاريخية في عدم التلاعب بمشاعر ه وبيع الوهم له ، صحيح أن مغاربة اليوم قد فهموا جميعا قواعد اللعبة وأن الحيلة لم تعد تنطلي عليهم ولن يلدغ الشعب من الجحر مرتين، ولكن النخبة مطالبة بمصارحة الشعب بحقيقة الاهداف والمرامي والا تجعل الناس مطية لتصفية حسابات سياسية أو قبلية ضيقة بدعوى الدفاع عن الحقوق . إن الشعب المغربي يريد أن تتغير حياته إلى الأحسن و يناضل يوميا من أجل ذلك دون أن يغامر باستقراره وبطمأنينته وبأمنه .ولكنه في نفس الوقت قد يئس من الفقر ومن البطالة ومن ارتفاع نسبة الجريمة ومن هضم الحقوق ومن ظهور آثار الغنى الفاحش على مصاصي دماء الشعب و مل من عودة نفس ناهبي المال العام المسؤولين المباشرين عما آل إليه الوضع الإقتصادي والأمني والإجتماعي المتردي , ومل من عودة نفس اللصوص الذين نهبوا ماله وخيراته ومن عودة نفس العائلات التي خربت البلاد لتبشره بغد افضل ، ومل من عودة نفس الوجوه الحزبية غير الديمقراطية الخالدة في الكراسي وفي المناصب و التي تعده بانتخابات شفافية ونزيهة وتعده بغد مشرق . ان المواطن ،المكتوي بنار غلاء المعيشة، اصبح باستطاعته ان يقارن بين الامس واليوم ،و ان يتساءل بناء على ما لديه من معطيات عماذا تغير من احواله إذن منذ الإنتخابات التشريعية الأولى إلى الآن ونحن على أبواب الإنتخابات البرلمانية ل25 نونبر .؟؟؟؟ لقد داخ وحار الموطن المسكين المحبط : أيشارك أم يقاطع ؟ إذا شارك فإنه سيزكي الفساد وستعود نفس الوجوده لتخرب ما لم يتخرب وتنهب ما لم ينهب .وإذا قاطع ، فإنه سيترك المجال فارغا ، و الفرصة سانحة للمفسدين من المافيات الانتخابية واللوبيات الاقتصادية للانفراد بثروات البلاد والعبث بها بتبذيرها، ونهبها؟؟؟ وداخل راسه وداخل بيته وداخل حيه وفي مدينته وعلى امتداد ربوع الوطن صراع يومي بين المشاركة والمقاطعة .ولكلا الوقفين حجج وبراهين ومببرات . 1- مبررات الدعوة إلى المشاركة تتلخص فيما يلي : * المشاركة هي الإلتزام بالخيار المؤسساتي كسبيل ووسيلة للإصلاح والتغيير. و التغيير لا يأتي من تلقاء نفسه بل يأتي من خلال نقل المعركة السياسية إلى داخل المؤسسات لا من خارجها. * المشاركة تمنح للمواطن فرصة قول رايه باعتباره عضواً له اهميته في المجتمع وتجسد قيمته ومنزلته كمواطن وكانسان وككائن سياسي ضمن قاعدة جماهيرية مسيسة محترفة قادرة على مناقشة جميع الامور والقضايا التي تخص الوطن . * المشاركة تجعل المواطن سيد قراره ولا يسمح للمتطفلين والسماسرة والشناقة بالتحدث باسمه . * المشاركة تسد الطريق على مهندسي الفساد . * المشاركة هي استثمار و استنتاج للعبر والدروس المستقاة من التجارب السابقة . * المشاركة تظهر التمثيلية الحقيقية للجماهير من خلال ممثليهم المنتخبين والاصوات التي اكتسبوها . * المشاركة تعيد الثقة للمواطن عبر إنتاج خطاب يكون في مستوى التحديات والرهانات المطروحة، * المشاركة تسمح بمحاسبة المنتخبين و بالقطع مع ثقافة الوعود الانتخابية الكاذبة والبرامج غير الواقعية. * المشاركة تجعل الاحزاب الصادقة والقوية تحتل الصدارة وتفرض نفسها لانها لها امتداد جماهيري. * المشاركة تسمح بتكوين فكرة واضحة عن التوجهات السياسية في المجتمع . 2- مبررات الدعوة الى المقاطعة تتلخص فيما يلي : * المقاطعة بسبب غياب شروط تنظيم انتخابات نزيهة وشفافة. * المقاطعة هي نتيجة لانتشار فقدان الامل وانتشار الاحباط في صفوف المواطنين . * المقاطعة لمحاربة الفساد والاستبداد لعدم شرعنة الفساد السياسي وعدم تزكية نفس الوجوه / مصاصي دماء لشعب . * المقاطعة لان الصوت ليست له اية قيمة مادام الفقير يزداد فقرا والغني غنى والخدمات في تراجع والبطالة والجريمة في ازدياد ... * المقاطعة بسبب غياب آليات المحاسبة بسبب تداخل الإختصاصات . * المقاطعة بسبب محدودية صلاحيات للحكومة . * المقاطعة بسبب الحياد السلبي للادارة وغضها الطرف عن الفاسدين والمفسدين. * المقاطعة لان نمط الاقتراع يكرس بلقنة الخريطة البرلمانية. * الكوطا المخصصة للنساء والشباب بعيدة تماما عن أفق المناصفة بالنسبة للنساء ولا تستجيب لروح الدستور الجديد التي يعتبر تجديد النخب وتشبيبها مطلبا أساسيا. * المقاطعة لقطع الطريق امام مستغلي الانتخابات من اجل الدعاية لديمقراطيتهم المغشوشة في الخارج. لكل فئة من الفئتين دوافعها وحججها التي تبرهن بها على صحة رؤيتها لاتخاذ الموقف المعلن من الانتخابات 25 نونبر 2011 .ولكن في اعتقادي فإنه لا بد قبل اتخاذ القرار بالمشاركة او بالمقاطعة من النظر بشكل موضوعي إلى أبعاد كلا الخيارين وإيجابيات وسلبيات كل واحد منهما بعيدا عن القراءات السطحية والاحكام الجاهزة والإنفعالات المسبقة . و لابد ان نتساءل ونحن بين ناري المقاطعة و المشاركة عن : * تأثير الخيارين على واقع الوطن و المواطنين ؟؟؟ ماذا سيتغير في واقع المغاربة في جميع المجالات الاجتماعية والسياسية والثقافية ......؟؟ * ماذا استفاد الشعب المغربي من مقاطعة ومن مشاركة الأحزاب و التنظيمات السياسية منذ انطلاق المسلسل الديمقراطي في المغرب ؟؟ ساكتفي بهذا القدر لأترك المجال للقاريء الكريم ، ليختار الموقف الذي يتماشى مع قناعاته ويرضي ضميره ، الخيار الذي يضع مصلحة وطنه فوق المصالح الضيقة الشخصية والحزبية والقبلية. كما أريد أن استغل هذه الفرصة لأذكر بأن الربيع العربي -الذي قدمت به لهذه المقالة- في البلاد العربية يتشكل من كل فئات الشعب : من النخبة والأحزاب السياسية والحركات الحقوقية والجمعيات والنقابات والعلماء والفقهاء والجماعات الإسلامية بمختلف أطيافها وألوانها وجميع افراد الشعب أيا كان الموقع الذي يشغلونه عاطلين وموظفين وعمال وصناع وفلاحين وحرفيين و رجال أمن وجيش... إلخ....