[email protected] اسمحوا لي أن أعود اليوم إلى جملة مهمة قالها وزير الحسن الثاني الأول "الدكتور أحمد العراقي" في تقريره الذي أعده للملك بعد انقلاب الصخيرات. قال الدكتور"الكل صار اليوم يتساءل حول المستقبل، ومهما كان حظ كل واحد منا من المسؤولية، فليس هذا وقت النواح وإنما هو وقت الإصلاح. ولإصلاح هذا الوضع، فمن المستعجل جدا إعادة التفكير بشكل أساسي في عدد من المشاكل، إذ ينبغي إعادة الترشيد في عدد من المجالات". ولعل أكثر المجالات المحتاجة إلى الإصلاح في الصحراء الآن وبالضبط في العيون، والتي ظلت حجرا مزعجا في حذاء المملكة هو العقار. محاربة هذا النزيف، ليس نزهة، إنه عمل شبيه بالانقلاب الأبيض الذي سيترك ضحايا ومعطوبين ويتامى، لأن فتح جبهة الإصلاح في العقار، يتطلب وجود إرادة لمقاومة "اللوبي" المتحكم في دواليبه، وهو"لوبي" قوي ومنظم ومتجذر، يمكن أن نتحدث عن أخطبوط قوي تمتد أذرعه في كل الاتجاهات، لكن رأسه يوجد في عاصمة المملكة. وما يحز في النفس حقيقة، هو أن البرلمان سيغلق أبوابه بعد أيام دون ان تكون التوقيعات التي جمعها عشرات البرلمانيين المنتمين إلى العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي وعناصر من فرق برلمانية متعددة عبر تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في ملف العقار وتفويت أراضي بالعيون، لم تحسم قيادتها في الموضوع.. الشيء الذي يؤكد مرة ثانية قوة ونفوذ هذا اللوبي الذي استطاع بقدرة قادر أن يلهف في شخص زعيمه أزيد من 2245 بقعة أرضية، وزعت على برلمانيين ومستشارين جماعيين وأعيان وأعضاء في الكوركاس ورجال سلطة وموظفين سامين ورجال أعمال بدعوى الاستثمار، وعلى رؤساء أندية رياضية وإعلاميين وسماسرة انتخابات موالين لرئيس المجلس البلدي، دون إتباع المساطر الإدارية والمالية القانونية لدى شركة التهيئة العمران الجنوب والأملاك المخزنية، وأزيد من 4000 بطاقة إنعاش وطنية وزعها على نوابه وأعضاءه، فمنهم من يملك أزيد من 10 كارطيات كحالة احد نوابه المغضوب عليهم، يوظفونها لقضاء أغراضهم الشخصية، كاستخلاص رواتب العاملين بفيلاتهم، ورعاة الإبل والأغنام، والمشرفين على الضيعات الفلاحية في كل من أكدير والداخلة.. والتي لاتعد ولاتحصى... حتى الساحات العمومية التي كانت أن تكون المتنفس الوحيد للساكنة التي قتلها الروتين وأعياها الجلوس على الكراسي الاسمنتية التي تآكلت هي الأخرى بشبه الساحة الموجودة قبالة فندق نكجير، تم لهفها وبالتالي حولت إلى فيلات ومقاهي كحالة مقهى "لاس دوناس" التي انفلت صاحبها بجلدته بدون مساءلة ولا محاسبة أياما كان رئيسا لإحدى الجماعات القروية التي مازالت تشكو جبروت هذا الأخير، هذا بالإضافة إلى بعض الساحات التي حولت إلى فيلات ومدارس خصوصية كتلك الموجودة قبالة إحدى المجالس التي تتبجح بعنايتها واهتمامها بحقوق الإنسان، دون ان تحرك ساكنا، فعن أي حقوق يتكلم زعماء هذا المجلس الموقر؟، لحد الساعة لم نر أي شيء يذكر، اللهم سيارة واحدة ذات الدفع الرباعي نراها كل يوم دافعة ومندفعة نحو البلايا وفم الواد في ساعات متأخرة من الليل، وما أدراك ما الليل.. حتى جل أعضاء المجلس البلدي إن لم أقل كلهم، معظمهم أميون، لايفقهون في الكتابة والقراءة إلا ما رحم ربك، وأما السياسة فحدث ولا حرج، فهم يتقنون فقط لعبة استعراض عضلاتهم في شتى المحافل التي يحضرونها خوفا من بطش وجبروت الصدر الأعظم، فهم بذلك خانوا ثقة المواطنين الذين صوتوا عليهم من أجل الدفاع عن حقوقهم المهضومة والوقوف معهم في مختلف محنهم، إلا ان هؤلاء الأعضاء فضلوا الجري والتسابق نحو نيل عطف وبركات الصدر الأعظم، ومحاولة الاستحواذ على "اللي جاب الله" من البقع والأراضي والكارطيات والوظائف المشبوهة لأقاربهم وأبناء عمومتهم لمواجهة نكبات وغدر الزمان، خصوصا عندما يأفل نجمهم المزيف.. فمنهم من أصبح من أكبر ملاكي الأراضي والبقع والفيلات، ومنهم من وظف أكثر من خمسة أفراد من أبناء جلدته، ومنهم من أصبح يملك أكثر من سيارتين وشقة فارهة، بعدما كان بالأمس القريب مجرد عاطل يطلب السجائر من أصدقائه، ومنهم من أصبح يملك أكثر من 4 فيلات في كل من أكادير ومراكش والرباط لقضاء الليالي الملاح والقصاير، ومنهم من أصبح يملك أكثر من ثلاث أفران وهمية يبتلع من ورائها آلاف الأطنان من الدقيق والزيت والسكر دون وجه حق، ومنهم من أصبح يملك أكثرمن أربع شركات وهمية تدر عليه ملايين الدراهم، ومنهم من أصبح دائم التجوال في الديار الاسبانية والإيطالية، ومنهم من أصبح يتفنن في اصطياد البقع الأرضية العارية والاستحواذ عليها، ومنهم من أصبح يتعاطى للشعوذة وكتابة لحروزا، ومنهم من... حتى المعارضة التي استبشرنا خيرا بتواجدها داخل قبة البلدية، هي الأخرى "باعت الماتش"، باستثناء عضو اوعضوين حيث تسجل عليهم نادرا بعض الخرجات المحتشمة، أما زعيم المعارضة الذي تنطبق عليه المقولة القائلة، فاقد الشيء لا يعطيه، تجمد منذ اول دورة للمجلس وكأن لسان حاله يقول أنا والطوفان من بعدي، فجميع دورات المجلس مرت بردا وسلاما، لا مناقشة ولا معارضة ولاهم يحزنون. وهنا تذكرت حكاية لأحد المبصرين جاء عند قبيلة من العميان وقال لهم إنه يريد أن يعرف كيف يعيشون، فطلبوا منه أن يغمض عينيه ثم يفتحهما لكي يعرف، فأغمض عينيه للحظة ثم فتحهما، فقالوا له ماذا أبصرت، فأجابهم: "مبان ليا غير الظلام"... فقالوا له إن الظلام الذي أبصره للحظة من الزمن هو الظلام نفسه الذي يعيشون فيه منذ ولادتهم. فعلا، هذا هو الظلام الذي تعيشه ساكنة العيون، ظلام القهر، ظلام البطالة، ظلام العبودية والتدلل، ظلام الاستعباد والركوع للبشر، ظلام الحرام والشر، ظلام التعنت والابتزاز، ظلام العصى والهراوات، ظلام الخوف والرعب، ظلام "الخلعة "من سومة الكراء وفواتير الماء والكهرباء، ظلام الهروب والسليت من أصحاب الكريدي الذين يطلبونك حيا أو ميتا، ظلام الجبروت والطغيان، ظلام المحسوبية والزبونية، ظلام الموظفين الأشباح الذين أصبحت تعج بهم مدينة العيون، أشباح من كل نوع وصنف، كل على هواه، فبلدية العيون تأوي أزيد من 150 شبحا، وتوجد لائحة أسماء هؤلاء الأشباح، لدى رئيس قسم الموظفين، ويعتبر ملفهم من "الطابوهات" بالعيون، يثقلون كاهل ميزانية الجماعة الحضرية بسبب الرواتب التي يستخلصونها من المال العام، ومن جيوب ساكنة العيون الذين "راهنوا- على حد قول مصادرنا- على الانتخابات الأخيرة، من أجل إصلاح وتطهير الجماعة من هذا السرطان، الذي يعيش عبر نهب المال العام، دون ان يخضع المتسببون فيه للمراقبة وللمحاسبة، ولا للتحقيق، سواء من طرف لجان التفتيش التابعة لوزارة الداخلية أو من طرف المجلس الأعلى للحسابات.. كما يوجد من بينهم أيضا زوجات كل من رئيس مصلحة أجور الموظفين ونائب وكيل المداخيل ورئيس قسم التصاميم وأقرباء وقريبات الرئيس ونوابه، بالإضافة إلى أبنائهم وذويهم...وما خفي أعظم. على إثر "فضيحة" الموظفين الأشباح بالعيون، والأجور التي تثقل كاهل الجماعة الحضرية، عجزت اللجان التابعة لوزارة الداخلية التحقيق في شأنها، بسبب "التعتيم الكامل المفروض على هذا الملف" الذي يكشف وبالملموس عن مدى الاستنزاف الخطير الذي تتعرض له ميزانية الجماعة الحضرية للعيون. ويعتبر المتتبعون للشأن المحلي بالعيون، أن هذا التعامل بهذا الشكل مع المال العام، هو نوع من "الإكراميات " الخاصة بالبعض، والناتجة عن تداخل المصالح بين لوبي، أبى إلا أن يصطاد في الماء العكر، وينتعش من ملفات تفوح منها رائحة الفساد والاختلاسات والرشوة ونهب المال العام، هذا في وقت تعج فيه مدينة العيون بآلاف المعطلين والمعطلات الذين سئموا من الوعود الكاذبة، فخرجوا عن صمتهم للتنديد بسياسة الإقصاء الممنهجة في التعاطي مع ملفهم المطلبي... إلا أن الطامة الكبرى التي لاطامة فوقها ولا تحتها، هو أن حتى ولاية العيون هي الأخرى تأوي أزيد من 388 موظفا شبحا، حوالي 187 منهم يعيشون خارج أرض الوطن سالمين غانمين "أو لهلا يقلب أو لا يشقلب" ووالي العيون المحترم عايق لهذه المعضلة الخطيرة التي أصبحت فيروسا فتاكا ذو حدين، دون ان يحرك ساكنا، لأنه ليس مستعدا لفتح جبهة قوية ضده، وراءها منتخبون وأعيان البلد، لأنه حسب مصادرنا، جل هؤلاء الأشباح هم من فصيلة هؤلاء الأعيان والمنتخبون، منهم أبناؤهم وأقرباؤهم وخليلاتهم و...و... فالتحول الكبير حتى الآن، الذي عرفته المعطيات البشرية لم يواكبه تغيير على مستوى الدعم المالي، لأن الميزانية المخصصة لسكان المخيمات لم تتغير، وبقي "المال السايب" مجالا للسرقة والنهب، لا أحد يستطيع تحديد المستفيد من الفارق، لان المسؤولية تتوزع بين الجيش وأعيان الصحراء والدولة نفسها. مخيم الوحدة لوحده يكلف الدولة أكثر من 60 مليار سنتيم في السنة، فيما تصل القيمة المالية الإجمالية لمخيمات السمارة و بوجدور والداخلة والعيون إلى حوالي 142 مليار سنتيم سنويا، تحول من من الميزانة العامة للدولة في شكل مساعدات ومواد غذائية مدعمة منها ما يصل إلى وجهته، ومنها ما يمكث داخل مخازن سرية بأكدير ليعاد الاتجار فيها داخل أسواق الداخل. عادة ما تنتج عن الأزمة أزمة أخرى، لعلها المعادلة التي تنطبق على قضية النزاع في الصحراء، فقد تحولت القضية إلى ريع اقتصادي، يدر ملايين الدراهم على المرتبطين بها، بينهم ضباط في الجيش وأعيان من الصحراء ومسؤولون في السلطة المحلية، وحتى المجتمع المدني له نصيبه من "الكعكة" التي اتسعت للجميع على مدار أكثر من ثلاثة عقود. في مخيمات "الوحدة" التي تتوزع على امتداد مدن الصحراء، ألف السكان العيش بالمجان، وبين الريع والسكان، كبار ضباط الجيش هم كبار المستفيدين، ذلك ان وحدات تابعة للقوات المسلحة تشرف منذ سنوات طويلة على توزيع المساعدات الغذائية من دقيق وسكر ومواد غذائية، بالإضافة إلى تأدية فواتير الماء والكهرباء، الخاص بالمخيمات، هو مظهر آخر من مظاهر الابتزاز الداخلي، الذي يمارس ضد الدولة باسم قضية الصحراء، الجيش يضطر إلى توزيع20800 حصة تقريبا من المساعدات يتكلف بنقلها إلى السكان بشكل دوري، صفقات بملايين الدراهم، وأخرى في شكل امتيازات تمنح لعدد من الأعيان في الصحراء ل "شراء" ولائهم للمغرب، أكثر من 100 ألف بطاقة إنعاش، تصرف لفائدة سكان مدن الجنوب تتوزع قيمتها ما بين 1650 و 2000 درهم في الشهر وإعفاءات من الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة إلى كل البضائع أو السلع المتوجهة إلى الصحراء (تخسر بموجبها صناديق الدولة أكثر من ملياري درهم في السنة) وغيرها من الامتيازات التي توزع بموجب نظام المحاصصة القبلية، كما هو الشأن بالنسبة إلى الدقيق المدعم (الزون) والمحروقات والوقود وتسهيلات أخرى مرتبطة بتسجيل السيارات وغيرها، للجيش نصيبه من "الكعكة"، فقبل ثلاث سنوات تقريبا استفاد أحد المقربين من جنرال بالمنطقة الجنوبية من صفقة تزويد المخيمات باللحوم، في البداية كان الأمر من اختصاص أهل الجماني، إحدى أكبر قبائل الصحراء، ظلت القبيلة تستفيد لسنوات طويلة من الريع السياسي لصديق الملك. الريع ما زال مستمرا في الأقاليم الصحراوية، والمواطن الصحراوي العادي سيستمر في تحمل نفقات الكلفة الكبيرة التي تنفق في هذه الأقاليم، وسيستمر أيضا في تقديم ولاء البيعة والطاعة لهؤلاء المنتخبون الجهلة، الذين أجهزوا على كل شيء، الأخضر واليابس، البر والبحر، لا لشيء وإنما لأنهم جهلة، وكما يقال من "لحمارة لطيارة".