في هذا الحوار، يكشف محمد بلبشير الحسني عن تفاصيل مشروع التعريب منذ بداية الثلاثينات إلى اليوم، ويحكي قصة إفشاله ثلاث مرات عند تشكيل اللجنة الملكية لإصلاح التعليم، وعند مشروع تكوين الإجازة المعربة في المدرسة العليا للأساتذة، ومشروع اللجنة الوطنية لإصلاح التعليم برئاسة رئيس البرلمان، ويسجل ملاحظاته بصدد مشروع التعريب الذي طبق في عهد وزير التربية الوطنية الدكتور عز الدين العراقي، ويقول إنه مشروع ولد منقوصا وكان من نتائجه تكثير خصوم التعريب وإضعاف مستوى التعليم. خهل يمكنكم أن تحدثونا عن بادية طرح موضوع التعريب؟ بدأ ملف التعريب ما قبل الاستقلال، وتحديدا في بداية الثلاثينات، إذ تنبهت الحركة الوطنية إلى ضرورة المحافظة على الهوية، وكانت أول نقطة في هذا الموضوع هي المحافظة على اللغة العربية بحمولتها الإسلامية، ولذلك أنشات عددا من المدارس الحرة، وكان لي الشرف شخصيا أن درست المرحلة الابتدائية في إحدى هذه المدارس، وهي مدرسة جسوس في الرباط، فلما جاء الاستقلال كنت من بين الأطر القليلة الأولى التي أصبحت مؤهلة لممارسة مهماتها، فما إن تخرجت سنة 1955 حتى تم تكليفي بإدارة مدرسة ثانوية، وقضيت بها ستة أشهر ثم تعينت مديرا للحي الجامعي الوحيد وقتها في الرباط، وفي نفس الوقت كنت أشغل نائب عميد كلية الآداب، بعد ذلك، كلفت بعمادة الكلية. وكان أول عمل قمت به هو إنشاء إجازة مغربية عربية في العلوم الإنسانية، ومن حسن الحظ أن تعريب العلوم الإنسانية بقي كذلك إلى اليوم، وكانت الكلية إلى سنة 1957 عبارة عن معهد تابع لجامعة بوردو وكانت جميع الدراسات فيه باللغة الفرنسية، فلما تأسست جامعة محمد الخامس كان أول عمل قمنا به هو إنشاء إجازة عربية وقمنا بتعريب العلوم الإنسانية بما في ذلك شعبة التاريخ والجغرافيا وبطبيعة الحال الأدب العربي، وتم استبدال النظام بالسنوات عوض الشهادات التي كان معمولا به من قبل. في بداية الاستقلال تشكلت اللجنة الملكية لإصلاح التعليم وخرجت بالمبادئ الكبرى المؤطرة وكان على رأسها قضية التعريب، كيف تم تنزيل هذا المبدأ؟ كان محمد الفاسي أول وزير للتعليم، وهو الذي قام بتطبيق توصيات اللجنة الملكية لإصلاح التعليم، وكان على رأسها قضية التعريب، وفي عهده بدأ يظهر أن قضية التعريب عملية جد معقدة تتطلب أطرا كافية وفي ذلك الوقت كان المغرب يعاني من قلة الأطر المغربية، وبدأ محمد الفاسي يعرب التعليم في غياب هذه الشروط، فقد دخل في عهده تطبيقا لمبدأ التعميم أكثر من خمسمائة ألف تلميذ، ولم تكن الأطر كافية لتعريب التعليم والاستجابة لهذا العدد الهائل من التلاميذ الذين التحقوا بالمدرسة. وفي الوقت الذي صمم فيه الوزير محمد الفاسي على تعريب التعليم بدون توفير المواصفات والشروط الضرورية لنجاح مشروع التعريب، صار للتعريب خصوم، ولعل من جملة المبررات التي بنى عليها الدكتور بن هيمة وجهة نظره المشاكل التي نتجت عن تجربة محمد الفاسي، فكان بنهيمة يرى أن التعريب من شأنه أن يضعف مستوى التعليم ويقلل من جودته. وماذا عن تجربة محمد بلعباس؟ هل حاول تجاوز الأخطاء التي وقع فيها محمد الفاسي؟ أذكر أنه في آخر سنة ,1961 بعث في طلبي محمد بلعباس وكان وقتها وزيرا للتربية الوطنية، وكان يريد أن يعينني في الوزارة كمدير للتعليم، فاعترضت عليه وقلت له: لقد بدأت في جملة من المشاريع بالكلية، وأنت تعلم أننا حديثي عهد بفتح هذه الجامعة، فإذا فارقت هذه الكلية وهذه المشاريع فكأنك ستفصلني عن أبني أو ابنتي فرد علي قائلا: أنت من حزب الاستقلال، ولديكم برنامج لإصلاح التعليم، فلماذا لا تطبقه كاملا وكيف كان موقفك من هذا العرض؟ قلت له إذا كان الأمر بهذا الشكل، فميزان الأولويات يقتضي تطبيق برنامج إصلاح التعليم، وفي هذه الحالة أنا مضطر لقبول العرض لأن إصلاح التعليم أهم عندي من الكلية . لكن قبل هذا التاريخ تشكلت اللجنة الملكية لإصلاح التعليم ولعلك كنت تتولى مهمة فيها؟ تشكلت اللجنة الملكية لإصلاح التعليم سنة ,1956 وهي التي وضعت المبادئ الكبرى للتعليم: التعريب والمغربة والتعميم والتوحيد وأتذكر أن تونس في سنة 1957 أو سنة 1958 طلبت منا أن نعطيها المشروع الذي أعدته اللجنة الملكية لإصلاح التعليم. نعود إلى عرض وزير التربية الوطنية محمد بلعباس؟ قبلت العرض، وكنا وقتها خمسة أو ستة أشخاص وهم الأساتذة الشرافي والسليماني وإدريس الكتاني ومحمد بن زيان والغياتي إذا لم تخني الذاكرة، فكان هؤلاء من الأطر القليلة التي كانت وقتها، وكانت وزارة التربية الوطنية تحتفظ بثلاثة مدراء كبار من الفرنسيين كما كان في تلك الفترة مفتش عام خاص بالعلوم وكان فرنسيا هو كذلك. وكيف بدا إعداد مشروع إصلاح التعليم؟ عكفنا على المشروع مدة ستة أشهر، فلم تكن وقتها أي مصلحة للتخطيط التربوي يمكن أن نستعين بها في تجميع المعطيات وقاعدة البيانات الضرورية، فكنا نعتمد فقط على الإسقاطات، لكننا مع ذلك أخذنا ما يمكن من الاحتياطات. ماذا تقصد بالاحتياطات؟ في التعريب بشكل خاص، إذ قمنا بإعداد مخطط للتعريب يتضمن اثني عشر سنة على أساس أن تعريب العلوم الإنسانية والاجتماعية لم يطرح لنا أية مشكلة ما دمنا قد عربناه، وبقيت لنا مشكلة تعريب العلوم البحتة والطبيعية، وكانت الاحتياطات التي أخذناها هي الآتي: -البدء بمادة واحدة، الرياضيات أو الفزياء أو العلوم الطبيعية. -تكوين الأساتذة الذين سيدرسون هذه المادة. -البدء بتدريس هذه المادة باللغة العربية لمدة سنة، وتشكيل لجنة لدراسة هذه التجربة وتقييمها. -عدم تطبيق هذه التجربة سوى في ثانويتين اثنتين في المغرب. -لما رفع المشروع والمخطط لملك الحسن الثاني رحمه الله لم يتحمس له، وربما لم تنضج الفكرة عنده بعد، وربما كان يتخوف من تعريب غير متوفرة شروطه، ومع ذلك أصر الوزير بلعباس على بفائي في الوزارة. وكيف تعاملت الوزارة أو بالأحرى الملك مع هذا المشروع البالغ الاحتياط؟ لما رفع المشروع والمخطط لملك الحسن الثاني رحمه الله لم يتحمس له، وربما لم تنضج الفكرة عنده بعد، وربما كان يتخوف من تعريب غير متوفرة شروطه. وهل بقي الوزير بلعباس بعد رفض الملك الحسن الثاني لهذا المشروع مصرا على الاحتفاظ بك للقيام بمهمة إصلاح التعليم كما كان عرضه السابق؟ بعث في طلبي، وأخبرني بوجهة نظر الملك، وأصر على استمراري في نفس مهمتي، فقلت له: أنا لا أكتب أي مشروع إلا إذا كنت مقتنعا به، ولا يمكن أن أنخرط في أي مشروع لا ينسجم مع قناعاتي، ومن الأفضل أن أعود إلى الكلية لكن السيد الوزير محمد بلعباس أخبر الملك بموقف المجموعة التي سهرت على إعداد المشروع، والذي كان يرتكز على قضية تعريب التعليم بجميع شعبه، فأرسل الملك في طلبنا، واجتمع بنا وبدأنا نناقش قضية التعريب وشروطها والظروف التي يعيشها المغرب، وانتهى النقاش إلى أن المشروع لن يكتب له أن يطبق. متى كان ذلك تحديدا؟ كان في سنة ,1962 لكني استمررت في منصبي إلى غاية سنة ,1964 وطرحت قضية التعريب مرة ثانية، لكن في سياق آخر. كيف طرحت الموضوع وفي أي سياق؟ كان مجموعة من التلاميذ يدرسون المواد العلمية باللغة العربية في المدارس الحرة التي أنشاتها الحركة الوطنية وفي المدارس التي كانت تدرس التعليم الأصيل، وكانت وقتها تابعة لجامعة القرويين، وكانوا يجتازون الباكلوريا باللغة العربية، ويمتحنون في نفس الموضوعات التي يمتحن فيها التلاميذ الذين يدرسون باللغة الفرنسية. وأين وجه المشكلة في ذلك؟ المشكلة أنهم حين يحصلون على الباكلوريا كان قسم منهم يغادر الوطن ويلتحق بالشرق العربي وخاصة سوريا لمتابعة التعليم الجامعي هناك وكان معربا بشكل كامل، بينما يلتحق النصف الآخر بأوربا الشرقية بعد أن يقضي سنة أو سنتين في تعلم اللغة، وكانوا يقصدون روسيا بشكل خاص، ويمكن أن تلتمسوا بعض التفاصيل فيما كتب المرحوم عبد العزيز بن عبد الله، فبدأت أبحث عن حل لهذه المجموعة، وبدأ الخلاف بيني وبين السيد نيس المفتش العام، وكان فرنسيا. ما سبب الخلاف بينك وبينك؟ كنت أقترح أن نفتح مدرسة عليا للأساتذة لتكوين الأساتذة المعربين على أساس أن تكون لهذه المدرسة إجازة، ولم تكن كلية العلوم وقتها بيدنا إذ كانت بيد السيد ساسو عميدها، فكان الحل الأمثل هو أن نؤسس هذه المدرسة العليا لتكوين الأساتذة المعربين، فكان من الصعب أن تكون لنا شعبة معربة في كلية العلوم، فكان تفكيري في إنشاء مدرسة عليا للأساتذة، وكنت أدافع على أن تكون هناك إجازة في هذه المدرسة العليا للأساتذة إضافة إلى التكوين البيداغوجي للأساتذة ، وكان السيد نيس يرفض ذلك ويرى أن تبقى الإجازة فقط في كلية العلوم، وتكون المدرسة العليا للأساتذة خاصة بالتكوين البيداغوجي وألا تكون فيها إجازة وإنما سنة واحدة. هل كنت تخوض بهذا الاقتراح معركة التعريب؟ الصراع كان في الظاهر حول الإجازة في المدرسة العليا للأساتذة التي كنت أنوي إنشاءها، لكنه في الحقيقة كان صراعا على قضية التعريب، إذ كنت أريد لهذه الإجازة أن تكون معربة، بينما كان السيد نيس يريد أن تبقى الإجازة خاصة بكلية العلوم، وهو ما يعني بقاؤها فرنسية. وماذا كان موقف الوزير؟ هل مال إلى رأيك أم اختار رأي السيد نيس؟ بقي الوزير محتارا بين الرأيين، فقرر أن يجمعنا معا، فقدم كل واحد منا حججه واعتباراته، فاقتنع في النهاية بحججي ومال إلى رأيي، فطرحت مشكلة الأساتذة، فكان علينا أن نوجد الأساتذة المؤطرين الذين سيقومون بمهمة تدريس الأساتذة، فقمنا بمخابرة منظمة اليونسكو التي اتصلت على الفور بسوريا وطلبت منها إلحاق بعض الأساتذة الجامعيين بالمغرب لمهام تأطيرية، وفعلا وفد علينا هؤلاء الأساتذة، ولا زلت أتذكر اثنين من هؤلاء بأسمائهم، وهما الدكتور البغدادي الذي بقي أستاذا بكلية العلوم حتى حصل على التقاعد، والدكتور النحملجي الذي اختار مؤخرا العمل المقاولاتي، فبدأنا ندرس بهؤلاء الأساتذة العلوم باللغة العربية، ونستعين بخبرتهم لتكوين الأساتذة الذين سيوكل إليهم مهمة تدريس العلوم باللغة العربية. وهل استمر هذا المشروع أم أنه أجهض كسابقه؟ في هذه المرحلة تغلب الجانب السياسي على العمل الدءوب الذي كنا نقوم به، ولم يمض هذا المشروع إلى منتهاه، حيث تعين الدكتور بن هيمة على رأس وزارة التربية الوطنية خلفا لمحمد بلعباس، وكنت قبل مجيء بن هيمة خرجت من الوزارة ولم أعد أشغل منصب مدير التعليم. هل كان خروجك من الوزارة بطلب منك ؟ لم يكن ذلك بطلب مني، وإنما وقعت تفاعلات سياسية فرضت خروجي من الوزارة، إذ كان انتمائي لحزب الاستقلال أنا والأستاذ بليمني رحمه الله يفرض علينا الخروج من الوزارة. كيف ذلك؟ في هذه الفترة تأسست جبهة الفديك جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية بزعامة رضا كديرة ومحمد ملين، فكان الأمر يقتضي من الناحية السياسية أن يخرج هذا الاستقلالي الذي له مسؤولية من وزارة التربية الوطنية، وبخروجي من الوزارة انتهى مشروع الإجازة في المدرسة العليا للأساتذة، وانتهت تلك الشعبة بالمرة، وسقط ذلك المشروع برمته. وماذا كان مصير الأساتذة الذين تم تكوينهم من قبل المشارقة؟ طلب منهم أن يدرسوا باللغة الفرنسية، وعادوا لما كانوا عليه من قبل. كان عددهم قليلا، ولذلك لم يكن هذا العدد القليل ليخلق مشكلة كبيرة. إذن كان خروجك أو إخراجك كان لاعتبارات سياسية؟ نعم، وكان هناك اعتبار آخر لا ينبغي أن نغفله، وهو أنني كنت مدافعا عن قضية التعريب. بعد ذلك جاء بنهيمة سنة ,1964 وكان معروفا بدفاعه الشديد عن الفرنكفونية ووقوفه ضد التعريب، إلى درجة أني كنت نشرت وقتها بحثا في جريدة العلم حول اللغة العربية والتعريب، فأرسل الوزير بنهيمة إلى المسؤول في المصلحة القانونية داخل الوزارة، وقال له ينبغي أن تقرأ البحث الذي نشره محمد بلبشير الحسني في جريدة العلم لعلك تجد في فقراته مدخلا قانونيا لمقاضاته، فلما اطلع هذا المسئول على البحث لم يجد مستمسكا يمكن أن يتخذه مادة للإدانة، فرجع إلى الوزير يخبره بأن الأمر يتعلق ببحث ورأي وفكرة يدافع عنها صاحبها ولا يمكن أن تصلح كدليل إدانة. وكيف تعامل بنهيمة مع مشكلة التلاميذ الذين كانوا يحصلون على الباكلوريا المعربة من المدارس الحرة؟ لم تحل الوزارة مشكلتهم، وتابعوا الهجرة إلى المشرق وأوربا الشرقية لاستكمال دراستهم الجامعية، وبقي الأمر كذلك حتى جاء الدكتور عز الدين العراقي سنة 1975 وكان رجلا يؤمن بقضية التعريب، وفي عهده اشتد الخلاف داخل الحكومة بين أنصار الفرنكفونية وأنصار التعريب، فحكم الملك الحسن الثاني بين الفريقين، وجمع ثلة من الفريقين وطلب منهما أن يدلي كل واحد منهما بحججه، وانتصر الملك الحسن الثاني لفريق عز الدين العراقي لصالح مشروع التعريب، فتقرر تعريب التعليم الابتدائي والثانوي، أقصد تعريب المواد العلمية، أما المواد الأخرى فكانت معربة. وكيف كنتم تنظرون إلى هذه التجربة ؟ مع الأسف الشديد، كنت أنتظر أن يتعامل مع ملف التعريب بطريقة جدية ومحكمة، فالتعريب يتطلب من جهة تكوين الأطر التي ستقوم بهذه المهمة، ومن جهة ثانية فليس من الطبيعي نهائيا أن يعرب التعليم الابتدائي والثانوي ونتوقف عند التعليم الجامعي، وكان رأيي هو غما أن نعرب التعليم بجميع أسلاكه وإما أن يبقى التعليم كما كان، أما أن نغامر بالتعريب الجزئي فكنت أتوقع أن تحدث مشكلات كبيرة يكون ضحيتها التعريب نفسه، ولا زلت أتذكر أن القناة الثانية استدعتنا لمناقشة هذا الموضوع وقد حضر معنا الوزير الطيب الشكيلي وحضرت ممثلا لحزب الاستقلال وحضر إسماعيل العلوي عن حزب التقدم والاشتراكية، وفي مناقشة رسمية كانت هذه هي الملاحظة الكبرى التي أبديناها على مشروع التعريب الذي تقرر في المغرب زمن الدكتور عز الدين العراقي، وكان مما قلته في هذا البرنامج أن التعريب إذا أريد له أن يكون مشروعا حقيقيا فينبغي ان تعد له الأطر الكافية وألا يتوقف عند التعليم الثانوي بل لا بد أن ينتقل إلى التعليم الجامعي، فإذا لم تكن هذه الشروط فإن أي تعريب سيكون مآله هو تكثير خصوم التعريب. وماذا كان رد الوزير؟ كان الوزير يدافع عن موقف الحكومة التي كانت ترى أن التعريب لا ينبغي أن ينتقل إلى التعليم الجامعي، وكان تبريره ينصرف إلى عدم وجود كتب ومراجع باللغة العربية، وعدم وجود أطر، إضافة إلى المشكل التي تطرح على مستوى البحث العلمي إذ أن المنشور بالغة العربي قليل جدا ولا يمكن ان يعول عليه لبناء اطر أكاديمية كفؤة، وأن أغلب ما هو منشور هو باللغات الأوربية الإنجليزية والإسبانية والفرنسية. هل تعتقد ان الحكومة كانت مؤطرة في موقفها بوجهة نظر علمية فقط؟ أبدا، كان الجانب السياسي هو المتحكم والمحدد، فالأمر كما لا يخفى متعلق بقرار سياسي. بعد تجربة ,1978 استمر التعريب إلى أن وصل إلى السنة الباكلوريا، فماذا كانت نتيجة هذا المشروع؟ النتيجة هي أنه صنع خصوما جددا، غذ أن التلاميذ صاروا يصلون على الجامعة بمستوى أضعف، إضافة إلى عائق اللغة، فالذين يجتازون الباكلوريا يجدون أنفسهم في الجامعة امام عائق اللغة الفرنسية خاصة في كليات العلوم والمواد التقنية وشعبة الطب، والغريب أن عددا من التلاميذ العلميين صاروا يتهربون من هذا العائق ويلجأون للتسجيل في كلية الحقوق أو شعبة الأدب العربي أو الدراسات الإسلامية. بعد مشروع ,1978 تشكلت اللجنة الوطنية لإصلاح التعليم، كيف كان موقع التعريب في هذا المشروع الجديد؟ كان ذلك سنة ,1994 وكان يحضر في هذه اللجنة عدد من الوزراء وكان يحضر الاجتماعات أيضا رئيس لبرلمان، وكنا نجتمع بالبرلمان وبوزارة التعليم العالي، وكنت أحضر لقاءات مكتب هذه اللجنة بصفتين، الصفة الحزبية ممثلا عن حزب الاستقلال، وصفة عضو اللجنة الفرعية للتعليم العالي والبحث العلمي التي كان بوطالب رئيس جامعة محمد الخامس أكدال جامعة رئيسها، وكنت أنتصر لفكرة الانتصار لفكرة الجامعة وليس للكلية، فكنت أطرح فكرة ارتباط الجامعة بالمحيط الاقتصادي، أو ما يسمى اليوم بالتعليم البراجماتي المرتبط بسوق الشغل. كيف أجهـض التعريب؟ أخفي تقييمك لهذه المشاريع؟ في نظركم لما فشل مشروع التعريب الشامل؟ شخصيا حضرت تقريبا كل الاجتماعات التي دارت حول قضية التعليم بشكل عام وقضية التعريب بشكل خاص ، وحضرت مرة لاجتماعات في بنك المغرب على موضوع تمويل التعريب برئاسة محافظ البنك وبحضور وزير التربية الوطنية وبقية الوزراء المعنيين، وما أستطيع قوله كخلاصة بعد هذا الرصيد الكبير من اللقاءات والنقاشات أن موضع التعريب هو قضية مرتبطة بالقرار السياسي. ويكفي أن نذكر في هذا الصدد أنه حتى اللجان الفرعية للجنة الكبرى لإصلاح التعليم التي كانت برئاسة رئيس البرلمان قبل الميثاق الوطني للتربية والتعليم كانت تقول بالتعريب، وربما كان هذا هو السبب الذي جعل هذه اللجنة تتوقف لأن اللجنة الفرعية التي كانت مختصة بموضوع لغة التدريس أوصت بالتعريب. يعني أن هذا المشروع نفسه أجهض بسبب موقف سياسي؟ نعم، وهنا أقول عن قضية التعريب خاصة في مجال التعليم، هي أولا وقبل كل شيء إرادة سياسية. في الأخير ما هي في نظركم الشروط التي يلزم توفيرها لناجح خطة التعريب؟ أول هذه الشروط هي تعريب الحياة العامة، ثم تعريب الإدارة العمومية، ثم توفير الأطر الكفؤة لتكوين الأساتذة، ثم اعتماد مبدأ التعريب الشامل الذي لا يتوقف عند مستوى من المستويات، بل يشمل جميع الأسلاك بما في ذلك التعليم الجامعي. لكن كل خطة لا بد لها من نماذج تجعل الناس يقتنعون بجدواها، وتقلل من حجج الخصوم؟ للمغرب تجربة فريدة في التعريب للأسف لا يلتفت إليها، وقد استكملت الشروط ومضت بعيدا حتى غنه بات من المستحيل التراجع عنها، ففي قطاع العدل وهو القطاع الذي عرب مبكرا لم يطرح التعريب أية مشكلة، فالتعريب في هذا القطاع نجح، ولا يملك الخصوم في هذا المرفق ما يجعلهم يبررون به هجومهم على التعريب، ويمكن أيضا النظر في تجربة محمد الدويري في هذا المجال لما كان وزيرا في السبعينات، وما قام به مصطفى بن يخلف في معهد الإحصاء تجربة مهمة لا بد أن تكون مجالا للدراسة والاستفادة، بخلاف التعريب في التعليم والذي مضى بشكل أعرج دون توفير شروطه الضرورية من الأطر الكافية ومن تعميم التعريب على جميع الأسلاك بما في ذلك التعليم الجامعي.