الولوج إلى مدينة كلميم، لا يتطلب منك عناء الوقوف أو السهر بالقرب من قنصلية أو سفارة لتأخذ تأشيرة تسمح لك بالمرور..كما أن التجوال أو التسكع للتعرف على بقايا هذه المدينة و أطلالها و منشآتها و حفرها و معزها و قططها، لا يحتاج منك إلى خريطة أو كتيبات تعريفية، و لا إلى مشاهدة وصلات إشهارية أو البحث عن دليل يجيد الشرح والكذب و التحايل و الابتزاز!..السفر إلى هذه المدينة المعلمة(بفتح الميم رجاءا) لا يتطلب منك أيضا البرمجة له في جدول أعمالك، ولا أن تحجز تذكرة في وقت مسبق..لأنه، يكفيك أن تتوجه إلى أقرب محطة طريقية، و تحمل في جيبك بوصلة، و تنتظر خروج حافلة يوافق منحاها اتجاه الجنوب -لا تنسى أن تنظر إلى بوصلتك للتأكد- لتكون من المحظوظين الذين أخذوا مقاعدهم و انهمكوا، منذ تشغيل المحرك، بتقشير البيض المسلوق و البرتقال و الموز و مضغ البندق و الفستق و شرب المياه الغازية..و التقيؤ-أعزكم الله-..و مداعبة الأطفال..و ربما يملؤون الفراغ، إذا ما شعروا بالملل و الضجر، ببعض الخصومات و المناوشات دون أن ينسوا الدعاء للمخزن و لملكهم بالنصر و التأييد! عندما تصل إلى كلميم، لا يهم إن كنت تحمل نقودا أو كنت معدما...فإن كنت سيء الحظ أو تحب أن تكون كذلك، فأول فرصة مغرية للعمل المدر للدخل و للربح السريع بمدينة الأحلام، هو أن تنتحل شخصية متسول..و لا يهم إن كانت ملابسك أنيقة أو يبدو أثر نعمة الله على محياك..فربما تصبح هذه الخصائص مساعدة لك أكثر للنجاح في مهمتك...يكفيك أن تختار لنفسك موضعا يكثر أو يقل فيه المارة ثم تبدأ تتصيد، بين الفينة و الأخرى، وجوها ترى أنها ملائمة و قابلة لأن تنطلي عليها حيلتك. عندئذ..ابتكر قصة، و من الأفضل أن تكون قصيرة، تشرح فيها لهؤلاء كيف انقطع بك السبيل في مدينة الكرم و كيف وجدت نفسك فجأة و بدون سابق إنذار لا تملك درهما!..لحظة من فضلك، يمكنك أيها السائح أن تجد عرضنا ليس مغريا بما فيه الكفاية، سيما أنه يمكنك أن تجد عروضا مماثلة في مدن أخرى ربما أكثر قربا..لابأس، نقترح عليك في هذه الحالة أن تتحايل في أمكنة أخرى تعد الأكثر إغراءا في مدينتنا..انتظر أوقات الصلاة- نقصد الصلاة في كلميم و ليس في الرباط أو ماجاورها- و خذ مكانك بين المصلين- و لا يهم إن كنت من المصلين فعلا أو من الذين يكذبون بيوم الدين!- و بعيد تسليمة الإمام، إياك أن تضيع ثانية واحدة..تقف مباشرة، و تناشد أمة المسلمين بأسلوب رقيق و مؤثر..و أنت تستعطفهم و تدغدغ أحاسيسهم، حاول أن تتقمص دور غريب بئيس أو عابر سبيل أو مريض يتربص به الموت ..أو دور أب مقهور و مغلوب على أمره يتضور أبناؤه جوعا و يفترشون الأرض..أو يبكون و هم يتشوقون لرؤية أضحية العيد..أو ما شئت من القصص الملفقة..و حاول رجاءا أن تعتصر بعض الدموع من عينيك لتكون شهادة على صدقك فتجد كلماتك طريقها بيسر إلى قلوب فرغت لتوها من الصلاة و طلب المغفرة من الله.. ملاحظة: لا تنسى أن بالمدينة مساجد كثيرة..لذا يمكنك أن تنتقل بينها، و أن تجمع في اليوم الواحد ضعف أو أضعاف مرتب موظف بسيط! و تذكر أن تستفيد من إجازة قصيرة بعد عناء أيام من العمل...لتعاود الظهور مرة أخرى..و بنفس جديد.