في سنة ,1981 التقى السحابي بالأخ عبد الرزاق المروري رحمه الله، والأخ محمد القشيري وأحمد الريسوني، والأستاذ حسن الموس، وآخرون لم يعد يتذكرهم، فكانت تجمعه بهم لقاءات ودروس في البيوت همت الاجتماع على الخير ومدارسة العلم . محمد يشارك في مخيم تكويني يقول السحابي: فنظم الإخوة مخيما تكوينيا لمدة عشرين يوما أو أكثر في غابة يسمى غابة مريكانبمنطقة بونعايم بين طنجة وأصيلة، فكان مخيما مباركا حصلت للمشاركين فيه فوائد جليلة، وإلى الآن ما زالت آثارها في النفوس، لأن المناسبة كلما مر عليها الزمان إلا وصار لها تأثير أكثر في النفس، وقد قضينا المدة بدون ضياع، إذ كانت جل أوقاتها مخصصة لدروس وتوجيهات تربوية وفق برنامج محدد ودقيق. ويذكر محمد أنه كان خلال المخيم موكلا بتفسير سورة ق، فألزم الإخوة المشاركين بحفظها، يقول محمد: وحصل المقصود، واستظهر علي جل الإخوة، كما ألقيت دروسا في التجويد، بالإضافة إلى ممارسة السباحة والجري قرب شاطئ البحر، وكنا نؤذن للصلاة، كما صلينا صلاة الجمعة. قصة الخروف الهدية وذات مرة بعدما أدى المصطفين صلاة الظهر، جاءهم شخص، كان يرعى الغنم بجانب خيمتيهم، بخروف وقال لهم: هو لكم هدية، فكثير من الناس يخيمون هنا ولم أر مثل مخيمكم، فأنتم تؤذنون للصلاة وتصلون وتقرؤون القرآن، وقد أعجبني ما أنتم فيه. فقال محمد ورفاقه له: نشتريه منك؟ فغضب الرجل وقال لهم: لو أردت أن أبيعه لذهبت به السوق!. فأخذ السحابي وإخوانه هدية الرجل، فذبحوا الخروف وتغذوا جميعا. ويعقب محمد على الحادثة :فالناس فيهم محبة وخير، وكذلك شأن كل المغاربة، فالدين ومحبته فيهم أصيل ومتأصل، سواء حب القرآن أو أهل الدين، وهذا ليس معناه أن المسلمين الآخرين ليس فيهم هذه المحبة، ولكن المغاربة يتميزون بهذه الخصوصية في إكرام أهل القرآن، لأن أسلافهم ربوهم على هذا الأمر. وفي سنة 1983 ذهب محمد، مع الأسماء التي تم ذكرها، إلى التخييم ثانية في مكان يوجد بين طنجة والقصر الكبير بعدما تم إبعادهم عن مكان التخييم الأول، الذي خيموا فيه سنة ,1981 فأخذنا الخيام في السيارة، يتابع محمد، وسرنا نحن على الأرجل إلى أصيلة وأخذنا سيارة أجرة. الحج فرصة عزيزة على النفس وبينما محمد وأصحابه في مخيمهم الثاني، جاءهم خبر من أحد إخوانهم بالرباط بأن أحد العلماء الفضلاء تبرع بخمسة عشرة تذكرة حج، فاختير السحابي ومحمد القشيري لأداء الحج ضمن المستفيدين من هذا التبرع، يقول محمد عن هذه الذكرى: ففرحت كثيرا وشكرت للإخوان صنيعهم، وقالوا لنا إن الأمر مستعجل، فذهبت رفقة السي محمد القشيري إلى الرباط وهيأنا الوثائق، وكانت إحدى السيدات أرضعتني، ولما سمعت بأني سأحج إلى بيت الله الحرام أصرت على أن تحج معنا، وكذلك الأمر بالنسبة للأخ أحمد، وقد حججت وليس في جيبي درهم واحد، وفي أثناء الإعداد للحج، قدمت السيدة للفحص الطبي فبينت الفحوصات أنها تعاني من ارتفاع الضغط الدموي، فقال محمد للطبيب: أمهلوها قليلا، لعل الخوف أثر عليها، وبفضل الله، يقول محمد، بعد ساعة من الجلوس عاد ضغط السيدة إلى مستواه العادي، فسلمت لهم الوثيقة. ويحكي محمد أن جاره الحاج أحمد كان يضحك من إصراره على اصطحاب السيدة، التي أرضعته، إلى الحج رغم أن المدة المتبقية للسفر لا تمهلهم لإعداد الوثائق، فطلب محمد من صديقه أحمد أن يساعده بسيارته ليبذلا المستطاع، قائلا له:سنبذل المستطاع فإن تيسر الأمر، حجت معنا، وإن تعذر الأمر تركناها. فيسر الله للسيدة أمر إعداد الوثائق بمساعدة أحد المسؤولين في الداخلية بالرباط، إذ كانت السيدة من مواليد ابن سليمان، ولم يفت محمد شكر هذا المسؤول على تيسير أمر الوثيقة بعدما شرحوا له الأمر، فذهبت السيدة معهم إلى الحج، وكان ذلك أول سفر يغادر فيه محمد المغرب، لذا فقد كانت أعظم مناسبة بالنسبة له، خاصة وأنها ترتبط بأداء مناسك الحج. يقول محمد: لقد كان أثرها في نفسي عميقا، إذ قطعنا كل مناسك الحج على أرجلنا، وكنا حريصين على أن نحج حجة الرسول صلى الله عليه وسلم، وساعدنا في ذلك رجل من السعودية، وكان برفقتنا السيد عبد الحفيظ من يعقوب المنصور وبعض الإخوة من المغرب. وفي يوم عرفات مرض جار محمد السحابي الحاج أحمد فحملوه إلى المستشفى، وكانت المرأة التي أرضعت محمد تبكي وتقول مخاطبة أولادها بالمغرب: أنا الآن غريبة وفي أرض غريبة، وإذا مت فكيف تحضرون إلى جنازتي؟ ، يقول محمد: وحرصنا على تصبيرها لكبر سنها، لأنها أول مرة تخرج من بلدها، رغم أن الموت في مكة أفضل، وقد كان الحاج أحمد المريض يصبرها ويقول لها: اسكتي اسكتي، سأموت أنا وأنت، فتجيبه: مت لوحدك؟. وفعلا مات السيد أحمد بالمدينة رحمه الله. ويروي محمد تفاصيل من موته صديقه بالحجاز، ويقول: بعدما زاد المرض على سي أحمد أخذناه إلى مستشفى ليبيا ثم إلى مستشفى العراق وبعدها إلى مستشفى المملكة العربية السعودية، فقال لنا الأطباء إنه يحتاج إلى تنويم، فزرناه يومي السبت والأحد، وتم نقله إلى مستشفى خالد بتبوك، وزرناه في اليوم الذي كنا ننوي فيه مغادرة الديار السعودية، وقررنا أنا والأخ محمد القشيري أننا لن نرجع إلى المغرب حتى نعرف نوع مرضه، وقد يموت ونرجع إلى المغرب بدون معلومات، فطلبنا لقاء الطبيب، وكان باكستانيا، ولم يكن بالمستشفى وقتها فاتصلوا به هاتفيا، وبعد ربع ساعة تقريبا جاء، وأخبرنا أن كليتي السيد أحمد متوقفتان، وأنه إذا عاش إلى صباح الأحد فسيغيرون له الدم، وتحت ضغط الوقت والحزن قررنا نحن الاثنين أن نبقى هناك، لأنه ليس لائقا أن نعود ونترك الرجل مريضا، وطلبنا من المرأة التي كانت ترافقنا ومن بعض الأخوات المغربيات إخبار عائلته بالأمر، وذهبنا إلى سفارة المغرب، وقال لنا بعض المسؤولين إن مدة الحج انتهت ولا يمكن البقاء، وكذلك كان الجواب في القنصلية، وقال لوا لنا: إذا عاش الرجل فسيأتي إلى المغرب، وإن مات فسيدفن في المدينة ونسرسل إليكم وثائقه وجواز سفره إلى المغرب.