في سنة 1975م الموافق لحدث المسيرة الخضراء، قصد محمد السحابي مدينة اليوسفية موظفا لإلقاء خطب الجمعة في مساجدها، وبالموازاة يقوم بتدريس تلاميذ شغيلة المكتب الوطني للفوسفاط. ويذكر محمد أن إدارة الفوسفاط كانت في أول العهد تهيء له ولبعض رفاقه الظروف للقيام بمهمتهم الدعوية، إذ خصصت لهم سيارة وسائقا للذهاب إلى المساجد باليوسفية، والوعظ بقرية سيدي احمد وزييدة، وكانت المنطقة ونواحيها مفتقرة إلى العلم الشرعي وعلوم القرآن الكريم، لكن الأمور ستنقلب إلى توترات بين الإدارة وموظفها الجديد نظرا لبعض التوجسات، التي صاحبت تجمع الناس في المساجد، التي كان يلقي بها محمد خطبه ومواعظه. امتلاء المساجد يثير القلق وذات يوم قدم إلى محمد جماعة من أعضاء المجلس البلدي باليوسفية، وطلبوا من محمد السحابي أن يكون خطيبا بمسجد سوق الأحد التابع للمجلس البلدي، فلبى الطلب مع الاحتفاظ بإلقاء درسه بمساجد إدارة الفوسفاط. وفي أواخر سنة 1975 وبداية ,1976 كان الشيخ يلقي دروسه بالمدينة، فلقيت توجيهاته الشرعية قبولا لدى تلاميذ الثانويات، فصار الناس يقبلون بكثافة إلى المساجد التي يعظ بها . وفي سنة ,1977 وخشية أن تفرغ مساجد إدارة الفسفاط من المصلين، استدعى مسؤول الشؤون العامة بإدارة الفوسفاط، محمد السحابي وقال له: أنت موظف مع إدارة الفوسفاط، وليس مع المجلس البلدي. فقال السحابي: نعم. فقال المسؤول:الآن فرغ مسجد إدارة الفوسفاط، والتحق الناس بمسجد الأحد، الذي تخطب فيه، خصوصا أطر الإدارة. فقال محمد السحابي: وماذا في الأمر؟ فأجاب المسؤول: أنت في إدارة الفوسفاط ومطلوب منك البقاء في مسجدها. فقال محمد السحابي: المساجد واحدة وكلها لله تعالى، وأينما صلى المؤمن تحققت له مقاصد العبادة. فقال المسؤول: ولكن إدارة الفوسفاط لا ترضى بهذا. فقال محمد: وما الحل؟ فأجاب المسؤول: الحل هو أن ترجع إلى مسجد الفوسفاط وتكف عن إلقاء الخطبة في المسجد البلدي. وهنا رد محمد السحابي بأن يوم الجمعة هو يوم عطلة عن العمل، وأنه حر في ما يفعل، ولم يستجب لطلب المسؤول، وبقي يخطب في المسجد البلدي، ويلقي دروسه بمساجد إدارة الفوسفاط. صلاة من أجل الإدارة وأمام رفض محمد السحابي، التجأ المكتب الشريف للفوسفاط إلى السلطة المحلية طالبا منها التدخل من أجل حل النزاع، فاستدعى باشا مدينة اليوسفية الشيخ السحابي وعرض عليه التوقف عن خطبة الجمعة بالمسجد البلدي لمدة شهر، وبعد انقضاء هذه المدة، عاد السحابي إلى الخطابة بالمسجد البلدي، فاستدعاه مدير إدارة الفوسفاط شخصيا وقال له: أنت موظف معنا، فاختر، إذا كنت تريد البقاء في الوظيفة العمومية فما عليك إلا أن تصلي في مساجد الفوسفاط، وتتخلى عن إلقاء خطبة الجمعة بالمسجد البلدي. فرفض السحابي من جديد هذا الاقتراح، وعندها طلب المدير منه تقديم استقالته، فرفض وقال: إذا قبلت الصلاة في مساجد الفوسفاط فقط، فصلاتي ستصبح من أجل إدارة الفوسفاط فقط وليس من أجل عبادة الله تعالى. وأضاف محمد، مخاطبا مدير إدارته: لو طلبت مني شيئا من أمور الدنيا لتنازلت عنه، لكن في أمور العبادة لا يمكنني ذلك. وبعد فترة تدخل بعض الأطر من من إدارة الفوسفاط للإصلاح بين محمد الموظف وإدارته، فنشط الدور الدعوي للشيخ السحابي بالمدينة، وهذا مما يثلج صدره كلما تذكره، أو عندما يزوره أحد سكان المدينة، وهو أمر يصرح به لأول مرة. سورة الإخلاص تكفي لما عاد محمد للخطابة بمسجد إدارة الفسفاط، صار المسجد يمتلئ بالمصلين عن آخره، وامتد مرتادوه إلى خارجه، وهذا ما أزعج إدارة الفوسفاط من جديد، يقول السحابي، فاستدعاه مسؤول الشؤون الاجتماعية بالإدارة وقال له: المسجد بدأ يمتلئ بصورة مقلقة لم يشهد لها مثيلا منذ سنة ,1964 وقد سجلنا حضور أناس من دكالة والرحامنة. فقال الشيخ السحابي:المسجد له ستة أبواب وكلها مفتوحة، والأمر ليس سرا، والخطب التي ألقيها فيها حث على الخير واتباع السنة والمحافظة على الصلاة وترك الذنوب والمعاصي. فقال المسؤول: إن إدارة الفوسفاط متخوفة من الوضع الجديد، فربما قام الموظفون بإضراب من المسجد. وانتقل المشكل إلى باشا المدينة بعدما تشكت إليه الإدارة، فاستدعى الباشا محمد السحابي من جديد، وكان صديقا له، ويذكر أنه خاطبه من باب النصيحة قائلا:نصيحتي لك، يا محمد، أنك تفسر خطب الجمعة للناس كثيرا، وهذا جزء من إقبالهم عليك، وأنا أرى ألا تشرح لهم كثيرا، بل عليك أن تصعد إلى المنبر وتقرأ سورة الإخلاص، وتنزل منه للصلاة، لأن الإدارة متخوفة من كثرة المصلين. ويقول الشيخ السحابي إن الباشا قال له: إن مسؤولا بحزب يساري بالمدينة رجع للصلاة مستهزئا، فقال السحابي: لا ضير فالتوبة قريبة عند الله. فقال الباشا: هذا لا يصلي، بل هو مدمن على الخمر، ومساعدونا يجدونه سكرانا بالليل، وختم الباشا حديثه قائلا: أنا أنصحك ألا تستطرد في الشرح والتفسير، فدعهم فإنهم لا يفهمون!