حمل محمد السحابي أشرطة الشيخ عبد الحميد كشك إلى اليوسفية، فلقيت إقبالا كبيرا، ويتذكر محمد أن شريط خطبة الشيخ كشك التي كانت تلقى بالقاهرة يوم الجمعة تصل نسخة منها إلى المغرب في الجمعة الموالية. ويحكي محمد السحابي أن رجلا يسمى عبد السلام من مدينة الدارالبيضاء، كان يقصد السوق الأسبوعي باليوسفية، وكان السوق يوم الأحد، لبيع أشرطة غناء الشيخات، وكانت هيئته ملفتة للنظر، إذ يظهر بشعره الأشعث يدخن كثيرا، فقال محمد في نفسه: ما بال هذا السيد ينشر الفسق في المدينة، ويفسد ما أصبح عليه الناس من الصلاح. ففكر محمد الداعية في أن يرسل إليه إحدى الشباب للمحادثة معه في أثر أشرطة الغناء التي يبعها، ومنحوا له نسخا من أشرطة الشيخ عبد الحميد كشك، وبعدها قرر السيد عبد السلام البدء في أداء الصلاة. وذات يوم سبت، حيث كان يبيت عبد السلام بمدينة اليوسفية ليحضر سوق الأحد، طلب المبيت عند الفقيه السحابي، فرحب هذا الأخير بالطلب، ولم يتم التذاكر معه حول مضمون الأشرطة التي كان يبيعها، وعند الصباح قال السيد عبد السلام لمحمد السحابي: الله أعلم أن بيع هذه الأشرطة الغنائية لا يجوز، كما أن ثمنها حرام؟ وهنا تيسرت الفرصة لمحمد السحابي فأجابه: الحقيقة أن الأمر كذلك. فما لبث السيد عبد السلام إلا أن محا ما بالأشرطة من غناء وسجل عليها دروس وخطب الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله تعالى، فقصدته ساكنة اليوسفية ونواحيها لشراء الأشرطة الدينية وآلات التسجيل، فصلح بفعله أناس كثيرون، كما ربح ربحا وفيرا لم يربحه وهو يبيع أشرطة الغناء المتضمنة لغناءالشيخات. ويذكر محمد السحابي أن السيد عبد السلام صلح شأنه الأسري الخاص وأصبح داعية في وسطه الاجتماعي، ومرات تزور الفقيه السحابي زوجة السيد عبد السلام وتثني عليه خيرا، لأنه كان سببا في توبة زوجها، وأحيانا يتذاكر السحابي وعبد السلام ذكرياتهما السابقة، ويحمدان الله على فضله . بين البدعيين والخمينيين! خلال سنوات 1976 و1978 و1979، كان محمد السحابي يقوم بالدعوة في قبيلته ابني اعبيد بالموازاة مع اشتغاله بإدارة الفسفاط، ويذكر محمد أن القبيلة لم تكن تعرف صلاة جمعة منذ سنة,1967 ،ففي تلك الفترة لم يكن في المنطقة سوى مسجدين: الأول هو مسجد سيد لحسن بتمارة والثاني بالرماني، فكانت القبيلة تكتفي بخطب الأعياد فقط. الأمر الذي حدا بالقائد الحبابي، وهو قائد عاقل يسهر على أمن المنطقة، للتفكير في إنشاء مسجد بعين عودة، فشرع في جمع الأموال من المتخاصمين من أهل القبيلة، وكان عند حله لأية خصومة يفرض على المتخاصمين التبرع للمسجد، وبذلك بدأ الناس يؤدون صلاة الجمعة، يقول محمد: وأعرف أناسا كثيرين من قرابتي ماتوا عن سن يناهز 70 و80 و90 سنة، ولم يتيسر لهم حضور جمعة واحدة، فقد كان الناس لا يعرفون أن هناك صلاة جمعة أو ما يطرأ في هذا اليوم. ورغم الجهود التي كانت تبذل في مجال الدعوة، فقد انتشرت عادات قبيحة بين أفراد القبيلة، فإذا تأخر المطر، قصد الناس أحد القبور وذبحوا عليه خروفا، طالبين من صاحبه أن يعجل لهم بالمطر، حتى إن الفقهاء كانوا يقرؤون وسط الضريح قول الله تعالى:(ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير، وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته). وقد سبق لمحمد أن حضر عدة مرات لمثل هذه العادات، وقد كانت تقام في الخلوات مثل خلوة كانت تسمى خلوة سيد الجيلالي، رغم أن السيد الجيلالي أو الكيلاني لم يفارق بغداد قط، كما يؤكد ذلك محمد. لكن بفضل الله وبركة الصحوة الإسلامية واجتهاد المحسنين عم المنطقة خير كثير، وتم تجاوز هذه الحالات البدعية، رغم أن ذلك صاحبته بعض الإكراهات التي تزامنت مع الثورة الإيرانية، إذ صار الناس يسمون الفقيه محمد وأصحابه بالخمينيين