[email protected] صحيح أن إعدام ألقذافي هو نهاية مرحلة وبداية مرحلة أخرى، وصحيح أن فرح وخروج مئات ألآلاف الليبيين احتفالاً بنهاية نظام ديكتاتوري وطاغية مشروعاً ، ولكن المؤشر الخطير على ما سيكون عليه الوضع الليبي،الطريقة المهينة والغير إنسانية التي جرى فيها إعدام ألقذافي والكذب المكشوف في ذلك ، فالمرحلة القادمة تحمل الكثير من المخاطر،ولعل واحد من أخطرها،هو دخول ليبيا في مرحلة الفوضى والاقتتال العشائري والقبلي،وبما ينذر ب"صوملة" و"عرقنة" ليبيا حسب رأى بعض المتشائمين،وإقامة نظام في ليبيا يبقي على سيطرة الناتو على الثروات النفطية الليبية ، ناهيك عن إقامة قواعد عسكرية دائمة له في ليبيا، فهذه القوات الأطلسية التي شاركت في قتل الشعب الليبي ، أو على رأي "الثوار"شاركت في عملية" التحرير" ستحسب ثمن كل طلعة جوية أو رصاصة مع الفوائد مضاعفة عشرات المرات ، وكل ذلك طبعا سيحسم من موارد وثروات الشعب الليبي وهذا طبيعي جدا. لا داعي لانتظار تقارير منظمات حقوق الإنسان لتجيب عن أسئلة توسوس كل ذي ضمير حول كيفية اعتقال ومقتل العقيد القذافي، التسجيلات المصوّرة التي بثتها الفضائيات ومواقع الانترنيت قالت كل شئ، وقالت الحقيقة التي ربما ستكتمل لاحقا مع ظهور أشرطة أخرى هي الآن بحوزة بعض الثوار الذين شهدوا لحظة سقوط الطاغية ملك ملوك إفريقيا. ألقذافي الذي أنتج اكبر حملة دعائية في التاريخ نسجت حولها الأغاني و النكت و الإشاعات حتى في قلب تل أبيب.. قاعدة العالم الغربي الذي كان جاهزا دائما للتباكي على مقتل أي إسرائيلي محتل لفلسطين لم ينطق بكلمة واحدة يستنكر فيها الطريقة الوحشية التي صاحبت القضاء على طاغية، اعتبره هذا العالم إلى الأمس القريب صديقا، وذلك عندما فتح أبواب بلاده للاستثمارات والمصالح الأميركية والغربية و سلم برنامجه النووي.. ورأينا أكثر من ذلك عندما شاهدنا بعض زعماء الغرب يقبّلون يديه، وهم الذين لم يقبّلوا أيدي أمهاتهم يوما، هذا إذا كانوا يعرفون أمهاتهم أصلا ، لان معمر كان يتعامل معهم " بالدولار الكاتم للصوت". قتلوه بعد يومين فقط من زيارة مهندسة "الموت " وزيرة الخارجية الأمريكية لليبيا تطالب بحقها من الغنيمة عبر التذكير بشراكة الدم والنفط. قالت: اعدموه، فقتلوه بدماء باردة وبلا رحمة كان بطلبها وهو بين أيديهم كالشاه وسط صيحات "الله اكبر" وكأن الله بارك الإعدام ولم يوصي بالرحمة والتسامح والعدل.. أو كأن الديمقراطية المنشودة في ليبيا كان لا بد أن تمر عبر هذه هذه الكوميدية السوداء الدموية التي استنكرها طاقم جريدتنا بما لها من أزمة على الإنسان وخاصة الأطفال. وفي وقت سابق وصلت القوات الأمريكية إلى مخبأ الشيخ أسامة بن لادن وأردوه قتيلا على الفور، ليحملوا جثته ويلقوها في البحر حسب زعمهم، وكان يمكن أن يأخذوه حيا لمحاكمته على الملأ. وشاهدنا القذافي حيا بين أيدي الثوار، لنراه بعد ذلك قتيلا، وكذلك ابنه المعتصم الذي لا أثر لإصابات على جسده ومن ثم قتيلا.. خلاصة القول ان الغرب لا يريد محاكمات عادلة لأصحاب الخيام و الجمال و العروبة و الرجولة ستؤدي إلى إدانته وستكشف كم هذا الغرب ما زال على عهد البربرية. معمر القذافي ظاهرة تستحق الدراسة و التحليل ، لان مثل هذا الرجل نموذج جديد في علم السياسة ، حارب إلى أخر نقطة دم ، فرمل الثورات المجاورة ، كان يدافع عن نفسه وعن أنظمة دول الجوار بطريقة غير مباشرة ، و رحل إلى العالم الأخر ترك مجموعة من الأشياء و الصور و المواقف و الكلام و حتى النكت ..ومنها نكتة "البترول الليبي أحمر" فظهر جليلا ان دم العقيد معمر القدافي ملك ملوك و عميد الحكام العرب بجدارة و استحقاق هو الأحمر لأنه كذلك ، وأيضا لأنه تدفق فوق رمال ليبية، نتمنى التوفيق للثورة الليبية في المرحلة القادمة حتى تكون نموذج يتحدى به. *مدير نشر و رئيس تحرير جريدة "دعوة الحرية" المغرب