يرى ميارة بابا، رئيس رابطة المدافعين عن حقوق الإنسان بالصحراء، أن المغرب لم يكن مستعد لاستقبال هذه الأفواج الهائلة من العائدين دفعة واحدة حيث تعذر على السلطات تلبية مطالبهم. ودعا ميارة إلى خلق مركز استقبال للعائدين خارج العيون وإحداث هيأة تتولى شؤون هؤلاء لتسهيل اندماجهم في المجتمع * لوحظ مؤخرا تدفق أعداد هائلة من العائدين، كيف تقرأ ذلك؟ ** يمكن أن نقرأ هذه العودة المكثفة في سياق الأوضاع الدولية التي تعيشها مخيمات تندوف، وتنامي وعي فئة من الشباب بخلق مستقبل جديد، خاصة أن قنوات التواصل أصبحت قائمة بين الأقاليم الجنوبية ومخيمات تندوف، ووجود فضاء فسيح للديمقراطية والتعايش بالأقاليم الصحراوية، وكذلك مقترح الحكم الذاتي، وهو مقترح كفيل بحل هذا المشكل بصفة نهائية وعودة ما تبقى من ساكنة المخيمات. * جرت العادة أن خيار العودة يكون بمبادرة فرد أو فردين وفي أبعد تقدير قد تقتصر على 10 أفراد. لكن الآن هناك كوكبات من العائدين وكل كوكبة تضم العشرات بشكل يجعل المرء يتساءل عن مدى استعداد الدولة لاستقبال هؤلاء العائدين وتوفير ما يلائمهم. بصفتك ناشطا حقوقيا بالصحراء، هل تظن أن السلطات العمومية كانت في مستوى مواجهة هذا التسونامي؟ ** صحيح. لقد شكل العدد الكبير من هؤلاء العائدين إرباكا حقيقيا لكل الخطط التي اتخذتها الدولة. * (مقاطعا) لماذا إرباكا؟ ** لأن الدولة لم تكن مستعدة لاستقبال هذه الأفواج المتلاحقة وبهذا الحجم، رغم المجهودات المحمودة التي اتخذها والي جهة العيون بوجدور، إذ تعذر على السلطات تلبية مطالبهم، لاسيما مع بروز الممارسات غير المشروعة لبعض العائدين من قبيل تفويت أو بيع المساكن المخصصة لهم. إذ رغم المجهودات التي قامت بها الدولة فقد قام بعض هؤلاء العائدين بتنظيم اعتصام مفتوح غير آبهين بالنداءات والمناشدات التي وجهت لهم والحوار الذي عمدت السلطات على انتهاجهم. وقد لاحظت رابطة المدافعين عن حقوق الإنسان بالصحراء، انطلاقا من تتبعها ومرافقتها للاعتصام الذي ينظمه بعض العائدين إلى أرض الوطن من الأفواج الأخيرة، أن الاعتصام كان محل اهتمام الشارع والرأي العام الذي لم يبد أي تعاطف مع هؤلاء. * لماذا غاب هذا التعاطف في رأيك؟ ** نظرا لرفضهم كافة الوساطات والتدخلات الحميدة التي قام بها الشيوخ والمجتمع المدني، وطرحهم كذلك لمطالب تعجيزية، وأسلوبهم الخارج عن اللياقة والأدب في النقاش مع المحاورين. * ماهي طبيعة هذه المطالب التعجيزية؟ ** مثلا شخص وصل اليوم من مخيمات تندوف ويريد السكن ويريد التوظيف ويريد التموين ويريد التغطية الصحية حالا. هذه المطالب لا يمكن تحقيقها بين عشية وضحاها. * ولكن يفترض أن تكون لحظة العودة لحظة ابتهاج وفرح بالنسبة للعائد الذي عاد إلى وطنه، وبالنسبة للوطن الذي سيعانق أحد أبنائه المبعدين عنه.. فإذا بها تتحول (أي العودة) إلى لحظة مواجهة.. وبالتالي عوض أن يتحول العائدون إلى خزان لضخ روح جديدة نجدهم قد تحولوا إلى حطب جهنم. كيف تفسر هذه المفارقة؟ ** لا.. لم تقع أي مواجهة.. * أنا أقصد التوتر.. ** فعلا.. وقع سوء تفاهم بسبب ممارسات بعض العائدين، والتي ننبذها نحن كمجتمع مدني، وهي بيع المنازل التي خصصتها لهم الدولة والرجوع من حيث أتوا، وهذه الممارسات أثرت على الفئات اللاحقة التي جاءت مباشرة بعد الفئات التي باعت منازلها. ومن ثمة أصبحت الدولة أمام خيارين: ضبط هذه العملية أو الدخول في متاهات غير معروفة.. في حين أن الواقع المشار إليه أصبح يفرض بقوة اعتماد آليات جديدة لاستقبال وإدماج هؤلاء العائدين، وبالأحرى اعتماد استراتيجية واضحة المعالم تأخذ بعين الاعتبار الاستجابة للمطالب المشروعة -أقول المشروعة- لهذه الفئة من المواطنين، مع التصدي لبعض الممارسات التي لا تخدم قضية العائدين. * لماذا لم يوظف المغرب آلية أخرى، أي الاستعانة بالمجتمع الدولي في شخص وكالة غوث اللاجئين، مع العلم بأن هذه الوكالة تتحمل كلفة باهظة في تموين المغاربة المحتجزين بتندوف، حيث أدت العودة المكثفة إلى المغرب إلى تقلص الضغط على الوكالة الدولية نوعا ما بخصوص كلفة التغذية والتموين بتندوف؟ ** نحن نناقش هذه المسألة مع بعض المنظمات الوطنية وبعض الحقوقيين الوطنيين من أجل تنظيم مائدة مستديرة لخبراء وطنيين في هذا المجال كي نتفق على استراتيجية من أجل إحداث هياة تشرف على شروط استقبال لائق لكل العائدين، واعتبار ما حدث مؤشر على ما سيحدث إن كانت الأعداد كبيرة وهامة، وهو أمر محتمل في أي لحظة. هذه الهيأة التي نقترحها ستكون مشكلة من شركاء عديدين من كل المصالح، بالإضافة إلى شركاء من المجتمع المدني. وسيناط بهذه اللجنة مهمة الإشراف على مركز استقبال سيكون بعيدا عن العيون للحد من الاحتجاجات والمسائل التي يمكن أن تؤدي إلى تنظيم هذه الفئة وحسن تأهيلها، بشرط أن تتم دراسة المدة الكفيلة بتحقيق هذه الغاية، ونقترح ألا تقل عن شهر تسوى خلاله كل الإجراءات الإدارية وغيرها بغية تحقيق اندماج سليم، حيث يستشعرون وجودهم داخل دولة منظمة ودولة مؤسسات، ويقفون على القوانين التي ستحكم حياتهم المستقبلية، ويتعلمون في تلك الفترة دروسا في الوطنية ونظامها ودستورها وحكومتها. كذلك لابد من التعامل بنوع من الحزم مع المطالب غير المشروعة بتحديد مجموعة من الأولويات كإعطاء الاهتمام أولا للأسر بعد ذلك الأفراد، باعتبار أن الغاية هي خلق نواة من المساواة بين فئات العائدين والمواطنين من الأقاليم الصحراوية، وليس إحداث شرخ بتفضيل فئة عن أخرى ونشر ثقافة الاتكال، والعمل على متابعة اندماج هذه الفئات بشكل مستمر وإرشادهم لضمان عدم رجوعهم إلى مخيمات تندوف أسوة بمجموعات أخرى اختارت تكرار نفس التجربة المريرة. * كم يبلغ عدد العائدين مؤخرا؟ ** بلغ عددهم منذ شهر يناير تقريبا أكثر من 700 عائد. * وكم عددهم في إطار العودة المضادة إلى موريطانيا أو جزر الكناري، والذين باعوا عقاراتهم وممتلكاتهم بالمغرب؟ ** هذه حالات محدودة جدا.. * لماذا لم تتخذ السلطات العمومية آليات احترازية، كأن تكون المنازل المسلمة للعائدين مقيدة بشروط تقنية، مثلا تسجيلها في المحافظة العقارية ومصالح تسجيل التمبر وتقييمها بشرط عدم إعادة البيع حتى تمر مدة زمنية معينة تقدر بخمس أو ثماني سنوات مثلا؟ ** السلطات المحلية حسب علمنا اشترطت عليهم أثناء عمليات التسليم عدم بيع أو تفويت هذا المنزل، وفي المدة الأخيرة لم تعد تسلمهم عقود الالتزامات ومسائل أخرى. ضبط هذه الفئة صعب جدا، وحسب علمنا قامت السلطات باتخاذ تدابير من أجل وقف بيع أو تفويت هذه البقع، لكنهم التجأوا إلى حيل أخرى. * أغلبية العائدين من مخيمات تندوف في المدة الأخيرة هم من فئات الشباب دون الثلاثين سنة، أي أن كلهم ولدوا بمخيمات تندوف. ما الذي فتح شهية هذا الشباب للعودة إلى المغرب؟ ** أولا، هذه الفئة كانت الأكثر تشبعا وقناعة بالعيش في المخيمات، وعندما بدأ الوعي داخل هذه الفئة بخيار العودة، فهذا يشكل بصورة واضحة عن اليأس وعدم الاقتناع بجدوى الاستمرار بمخيمات تندوف. فمن خلال نقاشنا مع العديد منهم أدركوا أن بناء مستقبلهم هو في الأقاليم الجنوبية، ومع أسرهم وذويهم. * راجت بعض المخاوف وارتفعت بعض الأصوات المحذرة من موجات هؤلاء العائدين مخافة أن تكون هناك بعض العناصر المدسوسة من طرف البوليساريو أو الجزائر من أجل إثارة الفتن داخل المغرب وتغذية صف بوليساريو الداخل. فهل تشاطر هؤلاء الرأي؟ ** لا أشاطرهم الرأي، إذ كان عائدون يأتون من مخيمات تندوف ويعتصمون داخل مدينة العيون ويطالبون بمجموعة من الحقوق لا تخرج عن مطالب أغلبية الشعب المغربي، فهذا يبين مستوى الانفتاح والديمقراطية التي يمتاز بها مواطنو الأقاليم الجنوبية، لأن هؤلاء العائدين لا يستطيعون أن يعتصموا في الرابوني أو مخيمات تندوف، وهذه هي المفارقة. حاوره: أحمد لفضالي