الأزمة الاقتصادية العالمية لم تغير واقع الدول فحسب بل زادت معاناة المهاجرين خصوصا اولئك الذين يعانون اصلا في بلاد المهجر. ربما حان أوان تأطير الحضور المغربي المهاجر بمنظمات وهيئات تدافع عن حقوقهم. ميدل ايست اونلاين تتبّعنا جميعا المبادرة الوطنية التي قامت بها الوزارة المكلفة في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية ومدى تأثير تبعاتها على مسار مشروع الهجرة وما آلت إليه هذه الجالية من تراجع في ضمان حقوقها. حيث لم يبق أمامها سوى صدر الوطن الرحيم وما ينتظر منه وقت البلاء وقلة النفس. تزامنت هذه المعضلة المباغتة مع الذكرى الثانية لليوم الوطني للجالية المغربية المقيمة بالخارج. إذ نظمت الوزارة الوصية بقيادة السيد الوزير محمد عامر لقاء دولي بالرباط، حول موضوع “حماية حقوق الجالية المغربية المقيمة بالخارج في ظل الأزمة الاقتصادية” للتباحث قصد إيجاد حلول سريعة لهذا الموضوع الحساس للتشاور مع خبراء وحقوقيين واختصاصيين في القانون للتوصل إلى مشروع استراتيجي ورسم خارطة طريق. استدعى على إثرها أطر وباحثين وحقوقيين من بلدان المهجر بحضور أعداد من أفراد الجالية المغربية ومؤسسات وطنية ودولية ومسؤولين حكوميين وباحثين جامعيين وممثليين عن منظمات غير حكومية بالمغرب والخارج وغيرها. وسادت نقاشات مطوّلة وتدخلات من الحضور حول الآليات الناجعة للتوصّل إلى نتائج فورية لمعالجة هذه النازلة ولوضع برنامج عمل جديد طويل الأمد لخدمة الجالية الذي يتمشى مع ما تطالب به هذه الأخيرة لحمايتها والدفاع عن شؤونها ومصالحها وعن مساعدتها في محنتها الآنية بعد الخطابات والنقاشات وتدخلات الحاضرين أصاب الهدف تدخّل الدكتورة كوثر بدران - أول دكتورة محامية بإيطاليا - والقادمة كضيفة شرف والتي طالبت في كلمتها القصيرة بالتفكير في إنشاء اتحاد الخريجين من أبناء الجالية المغربية بالعالم وكذلك إنشاء "شبكة حقوقيين وقانونيين بالخارج للدفاع عن مغاربة العالم" بعد مرحلة تصفيق الحاضرين للدكتورة الصغيرة تلتها على الفور التصديق على تطبيق هذا المشروع لما فيه من الخير والآمال المتوخّاة من طرف السيد الوزير الذي كان رهن الإشارة للتعامل الجاد مع هذه الشبكة القانونية أو ما سماها “باللوبي المغربي بالخارج “. كما وعد السيد الوزير بتتبع شخصيا مشروع هذا المولود الجديد والسعي للبدء في تطبيقه في القريب العاجل. مطالبا على أمل أن تتحرك كل الكوادر يدا في يد لبناء الأرضية الخصبة التي ستفتح آفاق الحوار وتعلق آمالها على النقاش والنقد البناء. إنها حقا لنقطة تحوّل غير مسبوقة يمكن أن تربّي سياسة الإصغاء وديموقراطية الحوار وتقبل الآخر. بالإشارة إلى التفهّم الذي حضي به المسؤولون مع إعطاء مناخا ملائما ومساحة لا بأس بها للتعبير وإبداء الرأي بغية إيجاد حلول ترضي كل الأطراف. فالأزمة الإقتصادية العالمية خلفت أضرارا متفاوتة من بلد لبلد، فاليونان واسبانيا وإيطاليا من أكبر المتضررين في أوروبا، فما بالك بالجالية المغربية المتواجدة هناك والتي تعدّ من الدرجة الثانية تفتقر إلى أدنى حق تضمنه كرامة الإنسان. فمشاكلها متعدّدة ومختلفة في وقت الرخاء وأحسن الأحوال، فكيف نتصوّر حالهم وقت الضيق والأزمات، كما تعدّ الجالية المتواجدة بإيطاليا أشدها تنكيلا وأقلها حيلة في عهد الحكومة الحالية وما تمطره من قوانين عنصرية ضد المهاجرين وعلى رأسها الجاليات العربية والإسلامية. ناهيك عن حملة الإعلام المعادي للمسلمين وعن القابلية والأرضية المتعصّبة لكثير من الإيطاليين الرافضين لوجود الأجانب والتزايد اللامنتهي لدعاة العنصرية والكراهية جعل إيطاليا ساحة غير مسبوقة للتمييز العنصري ضدّ الأجانب. تعيش الجالية المغربية النصيب الوافر من الويلات والأهوال كما أصبح مصيرهم على كف عفريت مع أن براكين الأحقاد والكراهية لم تخمد في يوم من الأيام بل صارت قضيّتهم يتلاعب بها أبناء جلدتهم بأسماء شتّى وعناوين مختلفة قصد ضرب ومحو الهوية والثقافة المغربية والسّعي وراء جمع المال والبحث عن الكراسي. فظاهرة الهجرة بهذا البلد لحد الآن غير منظّمة رغم أن واقعها أصبح حقيقة لا يمكن إغفالها أو تجاهلها أو الإستمرار في التلاعب بمصالحها، يكفيها ما قاسته من إقصاء وحرمانا فلا حقوق لها مدنية ولا إجتماعية ولا سياسية رغم كونها تعد ثاني جالية من حيث العدد، وكذا تأثيرها على المستويات الإقتصادية الإجتماعية وكذا الدينية في حين أمست تِؤثر بثقلها على المنظومة المجتمعية والسياسات المتّبعة. وأمام هذا الإجحاف في حقها والظلم القاتم الذي يصبغها استطاعت أن تصمد أمام كل هذه الإعصارات كما لم تشفع لها تحويلات العملة ولم تحرك ساكن في ربوع الوطن. كان تأثير الأزمة الدولية بمثابة العاصفة الهوجاء على الإخوة في اليونان ومدى الصعوبات والمحن التي تلاحقهم والإخوة بالديار الإسبانية ليسوا بأحسن حال والأحداث الأخيرة من ضرب وشتم أمن الحدود الإسباني لشبابنا العائد صورة حقيقية مصغرة للعنف والتمييز والمعاملات غير الإنسانية التي تعيشها يوميا جاليتنا هناك كما تضيق كل ساعة عن عنقها تلك الحبال التي خنقت بالأمس أرواح الموريسكيين بالأندلس عاد لحضن الوطن الرحيم الآلاف من المتضررين من جراء الأزمة الخانقة والموضوع مرشّح للمزيد في انتظار تعافي الإقتصاد العالمي من كبوته الحالية. ويتساءل القارئ الكريم هل بإمكان المغرب السيطرة على الوضع الحالي لوقف أمواج العائدين الفارين من الأزمة وهل هناك من ضمانات لمستقبلهم ومصير أبنائهم؟ كما يصعب علينا التكهّن بمصير هذه الجالية المجهول في ظروف تفتقر فيها هذه الأخيرة لأدنى مقومات الحقوق الأساسية. لذلك سعت الحكومة لإنقاذ الموقف بمبادرات وسياسات جديدة وإن جاءت متأخرة بعض الشيء في نظر المتتبّعين، لضمان تحسين ظروف الجالية داخل وخارج المغرب ومساندتها بما يحفظ مصالحها ويضمن مستقبلها ومستقبل أبنائها. فمشاكلها تفاقمت في الماضي بفعل غياب الصوت النزيه الموحد الذي يمثلها والجهات المعنية المتتبعة لقضاياها والحريصة على حمايتها ووفرة الأمن لها ومساعدتها على تخطّي عقبات الاندماج في مجتمعات بلدان الإقامة مع إعانتها على المحافظة على الثوابت الوطنية والدّينية. كما نتوخّى من الحكومة أن نفتح الأفق للكوادر المغربية المتفوّقة ذات المؤهلات العلمية وأن تسعى لتكريم الخرّيجين من شباب أبناء الجالية والرفع من معنوياتهم وتشجيعهم على العطاء والانتفاع بمهاراتهم ومقدراتهم وإفساح الطريق لهم لمشاركتهم في النهوض بهذا البلد إلى بر الأمان وأن يركبوا مسيرة التغيير البناء ليرسموا بالعلم والثقافة طريق التقدم والإزدهارلأن النهضة لاتتحقق إلإ بالعلم والعلماء. ويبقى السؤال المطروح: في انقشاع هذه الأزمة الإقتصادية المِؤقتة، هل سيتمّ حلّ كل أزمات الجالية الدائمة؟