بقلم : محمد طايبان – مترجم عن مقال صدر باللغة الإسبانية في مجلة كانتارا. في جو متوثرٍ،تسوده الحروب وسوء التغذية والأمراض،تقبع طفلة بين هذا الحطام والذي يعيش في كنفه سكان السودان البعيدين عن كل حضارة. فاميليكا،منهكة من الفرار،منكسرة من الجوع،وقعت مستسلمة على الأرض في انتظار الموت. من الأعلى،نسر جارح يترصدها،يقترب منها خلسة منتظرا انقضاء لحظة صراعها مع سكرات الموت ليفترسها. من بعيد يقف الصحفي كيفن كارتر مترقبا؛إنها فرصة نادرة لالتقاط صورة مثيرة،حزينة ومؤثرة،بتعبير أدق صورة مربحة. لسوء الحظ أن افريقيا بنزاعاتها ومشاكلها وقصصها الإنسانية الدراماتيكية أصبحت تجارة مربحة للإعلام.فاليوم سكان جنوب الصحراء،يتصدرون خارج أراضيهم عناوين العديد من الصحف والبرامج التلفزية،والتي تسلط الضوء على البؤس المتفاقم في هذه البلاد. 'نحن لسنا مستعدين ولا نملك القدرة على التفكير في مفهومه الشمولي' يُعرِّجُ قائلا ريزارد كابوسنسكي. المصور التلفزي البولوني، وهو واحد من بين أحسن الملمينَ بالواقع المعاش جنوب الصحراء، حيث يعتبر أنه من غير الصواب الكتابة عن شخص لم تقاسمه ولو لحظات من حياته؛ ويسترسل قائلا : كيف يمكن نقل المعاناة، الخراب، الخطر و الجوع إذا لم تكن تجربة معاشة من قبل. حتى من المغرب، وهو أيضا بلد افريقي، لايمكن ادراك الوضع المعقد المعاش جنوب الصحراء. ' نحن غير قادرين على تكييف حيواتنا مع الظروف العالمية الجديدة ، إننا ننقل عاداتنا أينما رحلنا ' يقول كابوسنسكي بأن الأوروبيين حتى وهم في قلب افريقيا لا يدركون ما يحيط بهم، لأنهم يصنعون أوربا صغيرة في القارة الإفريقية ؛ بل الأسوأ من ذلك أن على سكان جنوب الصحراء نقل قارتهم الإفريقية المصغرة ، ببؤسها وفوضويتها أينما حلوا وارتحلوا. افريقيا من داخل أراضيها هي عنوان الإبادة الجماعية ، الملاريا والإجتثاث أما خارج أراضيها فهي تبيع الدعارة ، تتسلق الأسيجة الشائكة وتحترف التسول. تأخر النسر الجارح في الإنقضاض على الصغيرة ' فاميليكا ' ، بينما كارتر أخذ وضعيةً تنمُّ عن عدم إحساس رهيب يعاين بدم بارد المشهد التراجيدي والذي هواليوم مشهور في العالم بأسره : أوجب على كارتر مساعدة الطفلة ؟. مما لاشك فيه أن بدون هذه الصورة لايمكن معرفة الواقع المرير الذي يتخبط فيه السكان خلال الحرب الأهلية السودانية. كذلك هو الحال بالنسبة للصحفيين المغاربة والإسبان، والذين بدون انتظارهم المطول قرب السياج الشائك لسبتة ومليلية لم نكن لنعرف أبدا حجم تراجيديا الهجرة الجنوب صحراوية إلى الفردوس المفقود. أحرز كارتر أخيرا جائزة بوليتزرللصحافة ذات القيمة العالية على هذا السبق الصحفي، لكنه انتحر بعد مرور ستة أشهر من تسلمه هذه الجائزة.