في الوقت الذي يعبر فيه اطباء العالم الحدود العالمية من اجل الوصول إلى أبعد المناطق قصد رسم البسمة على شفاه المحرومين إيمانا منهم بحق الإنسان في الحصول على التطبيب والخدمات الصحية بغض النظر عن لونه وجنسه وبلده ، وفي الوقت الذي تتزايد فيه يوميا النداءات إلى التضامن بين مختلف شرائح المجتمعات ترسيخا للقيم الإنسانية النبيلة ، يرفض الأطباء المغاربة الأخصائيون وغيرهم والذين صرفت أموال الشعب من اجل دراستهم و تكوينهم الاشتغال في أقاليم مغربية يعتبرونها نائية و تغيب فيها أدنى شروط الحياة ، ويتمسكون بحدود الرباط والدار البيضاء ،(أطباء بحدود) ليجد المواطن الفقير المغلوب على أمره نفسه في كل مرة في رحلة البحث عن الطبيب في كبريات المدن قاطعا مئات بل ألاف الكلومترات ، مما يزيد من معاناته ومرضه . ومن بين هذه الأقاليم التي يمتنع الأطباء الاشتغال فيها إقليم زاكورة ،الذي يعاني وضعية صحية صعبة ، الأطر الطبية المتخصصة قليلة جدا ، المراكز الصحية بدون ممرضين ، وقد زارت الإقليم مؤخرا قافلة طبية فرنسية موزعة خدماتها على الكثير من الجماعات المحلية وفق برنامج زمني امتد لأكثر من أسبوعين . ومنذ علم الناس بخبر قدوم أطباء اجانب ومع الثقة الزائدة التي يضعها المغاربة في كل ما هو أجنبي ، تقاطر المرضى وغير المرضى من كل مكان إلى المراكز الاستشفائية وهم يتطلعون إلى خدمات طبية اكثر تميزا وأكثر نجاعة ، لكن ظنهم خاب وهم من ينتظرون ساعات وساعات في طوابير طويلة بعد ما اكتشفوا تواضع الخدمات وتبين لهم أن ما يقدمونه لا يختلف عما تقدمه الموارد البشرية المتوفرة على قلتها بهذه المراكز ،باستثناء جراحي الأسنان الذين أنجزوا الكثير من العمليات ، ومن الناس من كلفه التنقل ثمنا كبيرا ليأخذ مقابل ذلك بعض الأقراص من الباراستمول أو معجون الأسنان ، لكن الناس في كل الأحوال ثمنوا المجهود ، وثمنوا لو كان هؤلاء أطباء مغاربة ممن تعج بهم المستشفيات في المدن المحظوظة فيسهل التواصل معهم من غير ترجمان ، علما أن مصاريف الإيواء والتغذية تتحملها الجماعات المحلية المستفيدة وجمعيات المجتمع المدني. صحيح أنه من حق الطبيب أن يسعى إلى العمل في مناطق تتوفر فيها شروط الاستقرار ، لكن بالمقابل لكل مواطن في أي نقطة من ربوع هذا البلد الحبيب الحق في الرعاية الصحية ، وبين هذا وذاك يلزم على الدولة أن تضع خططا كالتي تضعها في مجالات التنمية الأخرى للرقي بهذا القطاع الذي ينبغي ان يحتل الأولوية في المخططات الحكومية ، فكما تم الحديث عن عشرة ملايين سائح في أفق 2012 ، وعشرة الاف مهندس في كل سنه ،وكما بلغت الطرق والماء والكهرباء إلى العالم القروي ، يتطلع المواطنون في هذه الربوع إلى وضع استراتيجية صحية واضحة من قبل الدولة, وهي مهمة ليست مستحيلة في ظل توفر الموارد البشرية المؤهلة غير الموزعة التوزيع العادل على جهات المملكة . لماذا لا تفرض إلزامية الاشتغال في المناطق النائية ؟ أليس الطبيب مواطن له حقوق وعليه واجبات ؟ أليست الأوطان تبنى على أكتاف الرجال ؟ . تساؤلات يطرحها المواطن الزاكوري بإلحاح ويتمنى أن تجد المشكلة طريقها إلى الحل في أقرب الاجال.