قال" العماد الأصفهاني": إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتابا في يومه إلا قال في غده لو غير هذا لكان أحسن ، و لو زيد كذا لكان يستحسن ، و لو قدم هذا لكان أفضل، و لو ترك هذا لكان أجمل، و هذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر". لقد قذف "سقراط" بتهمة الإساءة إلى آلهة أثينا، كما اتهم بإفساد عقول الشباب حينما دعا إلى رفض التهويل الحماسي ، و إعطاء الأولوية للتعقل و نبذ الانفعالات في الوقت الذي استلزمت فيه ظروف الحرب ضد " إسبارطة" مزيدا من العواطف الجياشة و الحماس الأعمى ، لقد انتقد سقراط السياسيين آنذاك نقدا لاذعا، بل و انتقد العقل السياسي الذي لا يلتزم بحدود المبدأ الايطيقي الذي يطرح أولية الخير على الشر. لقد دعا سقراط إلى ضرورة تخليق الفعل السياسي و عقلنته، عن طريق تخليق حياة الأفراد و المؤسسات فحكم المدينة يجب أن يمر عبر درس الحكمة و محبتها و إعطائها كل الأولوية. إن العقول المفكرة في كل مجتمع ، تقوم بتدبير الأزمات و إيجاد البدائل ، و على جميع العقول المسلحة بالاسمنت التأمل في تاريخ غرناطة، إذ بعد عثور الدكتور " خوسيه غوميث" على تلك الوثيقة تأكد له أن سقوط غرناطة الإسلامية و الحصار الذي عانت منه المدينة كان" أكثر شراسة مما هو معروف حتى الآن". و مؤلف وثيقة " سقوط غرناطة" -بحسب جريدة الشرق الأوسط- شخص انجليزي متخصص "بقوانين الكنيسة" و يدعى " وليام ويد مونهام" كان أحد المدعوين لحضور الصلاة و الاحتفال في كنيسة :" سان بابلو" بمناسبة سقوط غرناطة الإسلامية. وتتحدث الوثيقة عن حجم الأسلحة التي كانت بحوزة الغرناطيين و مدى الترف و الأبهة التي تميزت بها القصور الغرناطية و البلاط الملكي، و أثر الحصار الذي فرضته القوات الاسبانية على الأهالي ، حتى اضطرهم إلى أكل الكلاب و القطط، و يخلص أن العرب دفعوا ثمنا باهظا بسقوط أخر جوهرة لهم في أوروبا . و تتعرض الوثيقة أيضا للكنوز الهائلة التي حصل عليها الأسبان بعد الفتح " ففي مسجد غرناطة كان هناك 300 مصباح من الذهب و الفضة... و عثر ملك اسبانيا على كميات هائلة من الذهب و بها بنى الكنيسة مكان المسجد. ويذكر المؤلف الانجليزي :إن الملك "فيرنا ندو" لم يسمح للمسلمين إلا بما يستطيع كل واحد منهم إن يحمله على ظهره من حاجات ، ماعدا الذهب و الفضة والسلاح . و لهذا فان الجيش الاسباني وجد عند دخوله المدينة سنة 1492م كميات كبيرة من الأسلحة من سيوف و دروع و مناجيق، و لكن ماذا سيجد عندنا الجيش الاسباني لو دخل الآن؟ سيجد بطبيعة الحال شباب ، لا لون و لا طعم و لا رائحة لهم : الفتيان يتغنون بأغنية " راه كاينة ظروف" و الفتيات لا يعرفن حتى مايقع في ليبيا بل اهتمامهن . ولكن المشكل فيمن يحملون مشعل العلم _البعض منهم طبعا- ، كل واحد منهم يعاني جنسيا وعلميا ، لا تكوين و لا تخطيط، و شعارهم " أنا أشك إذن أنا موجود " يشك في كل شئ و لا يتوفر على مبادئ و لا قيم بل انه يستطيع أن يبيع حليب أمه في سوق الأحد أو الخميس .. فواحسرتاه على جيل مذهول ، لا يصنف من العلم أو الجهل..
(*) - مدير نشر و رئيس تحرير جريدة دعوة الحرية المغرب