مع الخطاب الملكي 9 مارس 2011 يبدو هذا الموضوع جديدا متجددا خاصة أنه يجعل الجهوية في محك حقيقي يكاد يجد تعبيره المناسب في المطرقة والسندان . فإلى جانب الإرادة السياسية المعبر عنها ظلت مجموعة من النصوص القانونية تراوح مكانها غير قادرة على استعاب الآلام التي تسببها كما أنها لم تكن في مستوى الآمال المعقودة عليها . لقد اعتبرت الجهوية آلية تدبيرية تحاول تجاوز الاختلالات الجهوية القائمة وضمان النمو والتوازن الجهوي كما تمت المراهنة عليها لتدبير بعض القضايا العالقة كقضية الصحراء وهو ما زاد من أهميتها وحيويتها كإستراتيجية سياسية اقتصادية تنموية سيحاول الإصلاح الدستوري المرتقب تدعيم المكانة الدستورية للجماعات الترابية وفي مقدمتها الجهة التي جعلها الدستور الحالي كذلك في صياغته للمفهوم الدستوري الوحدات الترابية العاملة في التنظيم الإداري المغربي من خلال وضع خارطة طريق للجهوية تبوئها مكانتها الحقيقية وتتجاوزها حالة الترهل التي تعيشها حاليا خاصة أنها احد المرتكزات الرئيسية لمضامين الإصلاح الدستوري المعبر عنه من خلال الخطاب الملكي الأخير . وبالعودة إلى الحقل السياسي المغربي نجد الملكية كفاعل رئيسي إلى جانب الأحزاب السياسية قد اهتمت بالجهوية و جعلتها ضمن أولوياتها إذ تمكنت الملكية من وضع منظور ملكي متكامل حول الجهوية واللامركزية في مقابل اهتمام مشوب بنوع من الحذر لدى الهيآت السياسية يجد تفسيره في الترهل السياسي و المركزية الشديدة التي تعيشها على مستوى قياداتها وعدم استعدادها لتقاسم السلطة مع هيأتها الجهوية وهي التي نجدها غالبا في صراعات دائمة ومستمرة مع بعض منظماتها الموازية فبالأحرى خلق امتدادات محلية و جهوية وجعلها شريكة في الإدارة الحزبية و القرار السياسي . فخلال عهد الملك الراحل الحسن الثاني نجد فلسفة ملكية في الحكم تراهن على اللامركزية و الجهوية كاستراتيجية تنموية كفيلة بضمان غد أفضل للمغرب والمغاربة وهو ما تم تأكيده خلال خطاب 24اكتوبر 1984 والذي تفاعلت معه الهيآت السياسية بشكل ايجابي في بياناتها السياسية ومؤتمراتها الحزبية بالتأكيد على أهمية الجهة و الجهوية في التدبير التنموي للبلاد. ومع الملك محمد السادس تمت بلورة الفكرة الجهوية وتطوير الجهاز المفاهيمي المحدد لها بمجموعة من المفاهيم وهي تصورات جديدة لإعطاء دينامية للجهوية منسجمة مع روح العصر وتتجاوب مع انتظارات المواطنين وهكذا صرنا نصادف ابتداء من سنة 1999 عبارات من قبيل المفهوم الجديد للسلطة و الحكم الذاتي والجهوية الموسعة كمفاهيم ذات حمولات فكرية عميقة ودلالات بعيدة تصب في اتجاه المراهنة على البعد الجهوي كصيغة عملية لتوسيع المشاركة السياسية والنهوض بأوضاع البلاد. فمن خلال الخطب الملكية تم الإعلان عن التمسك بالخيار الجهوي كاستراتيجية تنموية والعزم على تطويرها وموائمتها مع محيط متغير وهو ما تم تتويجه بتأسيس اللجنة الاستشارية للجهوية بتاريخ 3يناير 2011 قدمت تقرير حول أشغالها مؤخرا . والأحزاب السياسية كأحد مكونات المشهد السياسي لم تبقى بمنأى عن هذه الدينامية التي تعرفها الجهوية والنقاش العمومي الذي خلقته وهو ما عبرت عنه خلال مؤتمراتها الأخيرة وإسهاماتها الفعلية وخاصة خلال اشتغال اللجنة الاستشارية الجهوية. لكن بمقابل الإرادة السياسية المعبر عنها سواء لدى الملكية أو الأحزاب السياسية تعودنا على شرخ عميق وهوة سحيقة بين الجهوية في الخطاب السياسي والمفهوم القانوني لها بفعل عدم مواكبة المشرع المغربي للدينامية التي يعرفها المشهد السياسي وهو ما نلمسه بشكل واضح عند التوقف على النظام القانوني المؤطر للامركزية وخاصة منها الجهوية . وللتذكير فقط نجري مقارنة بين الخطاب الملكي بالعيون 6 مارس2002 المحدث لوكالة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للأقاليم الجنوبية ونظامها القانوني الحالي هذه الوضعية نجدها ماثلة عند تصفح التحديد القانوني للجهوية فالمشرع المغربي لم يكن في مستوى النقاش السياسي الدائر حول اللامركزية و الجهوية والإرادة السياسية المعبر عنها من قبل الفاعلين السياسيين وهو ما لمسناه مع النصوص القانونية التي ظلت قائمة إلى يومنا هذا بخصوص الجهوية واللامركزية وهو ما يجعلنا نعقد آمالا كبيرة على الإصلاح الدستوري لتحقيق التصالح المنشود بين اللامركزية الجهوية في الخطاب السياسي والواقع القانوني وبالتالي إخراج المشرع المغربي من تردده وحيرته لأن الدستور أسمى تعبير عن إرادة الأمة .