إن المتتبع اليوم للشأن التربوي ليكاد يصاب بالجنون ، من هذا الإعصار الإرمي الذي يستهدف رجل التعليم ، والذي بتغذى من الشارع العام ابتداءا بما تلوكه العامة في الأحاديث اليومية في جلسات شاياتهم العصرية أو فوق كراسي المقاهي الرتيبة ، مرورا بالتلميذ الذي يسخط على المربي ويرى فيه عدوا لذوذا يقف حجر عثرة أمام نجاحه المفترض إما بتنقيطه السيئ وإما لأنه يمنعه من ممارسة حقه في الغش المشروع ،وانتهاء بالاعلام عامة والمكتوب منه خاصة والذي بات مؤخرا وبشكل مقصود وممنهج يعمم حالات إغتصاب وتحرش معزولة ليلصقها سمة وهشتاغا لوسم رجل التعليم ، وإن كنا لا ننكر حقا أن هذه الأفعال المشينة تحط من شأن رجل التعليم الذي من المفترض فيه أن يجسد المثل العليا والقدوة الفضلى. ولعل أخطر ما في الأمر هو الدور الدنئ الذي يمارسه الإعلام عن توجيه من بعد ممثلا في تنميط العقليات وتشكيلها لتصبح مغرمة بفيروس البارصا والريال من جهة ، أو بمسلسلات تافهة ماراطونية لا تكاد تنتهي ، وفي أحسن الأحوال بإدمان مستلب على فنانات آخر زمن محترفات توافه الكلمات وهز الخصور والأرداف. وإذا نحن تتبعنا مايبث على شاشات تلفزتنا التي ندفع لها من جيوبنا لتسقينا مرا علقما وسما زعافا على مدار الساعة وكل لحظة وحين ، لرأينا العجب والعجاب ، فلا تقدير للمثقف والمربي ولا حضور للهوية ولا برامج تعنى بتاريخنا المجيد أو تتغنى برموز الوطن أو المعالم التاريخية- التي مع كامل الأسف صارت في كثير من مدمنا العتيقة مراحيض للسكارى ومرتعا للمتشردين - ، وإنه ليحز في أنفسنا ،صدقا أن نبحث عن المتعة والفائدة مقرونتين في جزيرة قطر الوثائقية وهي تعرض برامج تعنينا أولا وأخيرا ، ولعل آخرها " وثائقي آخر الرحل " الذي يجسد حال التعليم في مناطق المغرب المنسي دون مساحيق دار البريهي. إن مأساة إعلامنا اليوم هي إختزال الثقافة في ماهو كرنفالي " التبوريدة والعيطة والركبة والكدرة... وغيرها كثير " أو في مهرجانات غنائية تمتد على مدار الصيف والكارثة أنها تبرمج بتزامن مع فترة الامتحانات ، هذه الفترة نفسها تكون في البلدان التي تقدر الشأن الثقافي وتحرص على مستقبل أبنائها ، فترة تعبئة عامة ينخرط في انجاحها الجميع دون استثناء. بالله عليكم ألا نستحق أن نستمتع يوما واحدا بمشاهدة برامج ووثائقيات تمجد رموزا اعترف بها العالم ولكن أطفالنا وتلاميذنا يجهلون حتى أسماءها ألا نفخر بالمهدي المنجرة بالجابري، بالخطابي، بالعروي ، بابن بطوطة ، بابن خلدون .... واللائحة طويلة في كل المجالات ، المصيبة أن الفعل الثقافي صار عندنا مختزلا في مسابقات الغناء والطبخ والمهرجانات والمواسم والزوايا. إن ضرب أي أمة في العمق والقضاء عليها لن يكون ناجعا ، كما أكد على ذلك المرحوم المهدي المنجرة إلا عبر : *نحر القدوة والقضاء عليها ممثلة في" المعلم " بخطة محكمة وتدبير مبيت عبر الإعلام المخدوم وصحيفة الرصيف الصفراء، وهو ما نلحظه كل يوم حيث صار إسمه سمة للتحرش والاغتصاب وفي أحسن الأحوال يرمى بحجرات - حتى لا أقول جمرات لأن معناها مرتبط بقدسية المكان - تلميذه الذي منعه من الغش بدعم من الوالدين وعلى مرأى ومسمع السلطات غالبا دون أن تشرع القوانين لحمايته من المخاطر وتعويضه عن الأضرار المادية والنفسية جراء التهديدات التي يتعرض لها عقب كل فترة حراسة ، بل إن التهديدات ، وهو ما عايشه الكثير منا ، طالت حتى أفراد عائلة المربي . *القضاء على نواة الأسرة وعصبها المركزي " الأم " وهو ما حصل فعلا ودائما وغالبا عبر الإعلام إما بتتفيهها وجعلها مهووسة بمتابعة مسلسلات من أربع مائة حلقة ، أو جعلها مدمنة برامج غناء تدعو مع ابنتها لتفوز فيها حتى تصبح مصدر فخر لها كما تقول ،بل أني رأيت غير ما مرة أمهات يبكين فرحا تحت جلجلة الزغاريد، لتأهل بناتهن في مسابقات غناء تافهة وهن أصلا فاشلات دراسيا ، وكأني بالفتاة قد حفظت كتاب الله تعالى كاملا. إنه تسويق مضلل للقدوة إخوتي تمتصه أجيال كاملة وتتشبع به . إن رجل التعليم حقا يحمل هما كبيرا ومسؤولية أكبر. لأنه يعتبر قدوة لتلميذه وأسرته ومجتمعه ، لذلك قيل : إن زلة عالم (بالكسر طبعا) هي زلة عالم ، لكن لا تنسوا أيها القراء الأعزاء أن كل مجتمع يفرز نخبه بناء على التربية وتبعا للمحيط ، وأن التعليم شأنه شأن المهن جميعا فيه الصالح والطالح ، وفيه الغث والسمين ، غير أن هذا لا يمنع من ربط المسؤولية بالمحاسبة في القطاعات جميعها ومن بينها التعليم طبعا. وكل دخول مدرسي وأنتم بألف خير.