مبادرة لرفع الحصار الاقتصادي على قطر في الخامس من شهر يونيو الأخير، أعلنت السعودية والامارات والبحرين مقاطعة قطر اقتصاديا ومحاصرتها تجاريا. وحيث ان الموضوع يدخل في مجال خبرتنا وتخصصنا في التجارة المشروعة للملكية الفكرية وما يرتبط بها من حقوق وخدمات واستثمارات، بادرنا مباشرة بعد اعلان المقاطعة بعرض "مشروع مبادرة لرفع الحصار الاقتصادي والتجاري على دولة قطر"، توصلت بسخة منه السفارة القطرية بالمغرب. وتم نشره في حينه على نطاق واسع داخل وخارج العالم العربي. جاء في ثناياه أن الحصار الاقتصادي أكبر عائق و سد في وجه التجارة العالمية، وأنه أكبر تحد للشعوب والدول المستوردة والمصدرة. كما أنه خطر على سيادة الدولة، ومس بأمنها القومي، وتهديد للسلام العالمي، ونسف لدعائم النظام الاقتصادي العالمي الجديد...وأن الحل متاح في اطار القانون العالمي الجديد.. واقتناعا منا بموقفنا الذي يمليه علينا ضميرنا الخلقي والمهني، المدعم بالخبرة النظرية والميدانية على امتداد خمسة عقود من الزمن، فإننا قد عملنا بصدق وأمانة، و بكل تواضع كذلك، على توفير "خطة" تشكل الإطار القانوني المشروع والمنهاج المناسب لتجاوز الخلافات، من شأنها رفع الحصار الاقتصادي على دولة قطر، وإخراج شعبها و"إعلامها"، و"أعلامها" كذلك، من دوامة المأزق، والتشكي... المبادرة: "خطة رائدة" و"إطار تشريعي" خاص بنا وهي "خطة رائدة" غير مسبوقة من أحد في العالم، و"إطار تشريعي" خاص بنا، يتناسب مع الهوية والخصوصيات الحضارية العربية-الاسلامية، ولا يتعارض مع مقتضيات النظام الاقتصادي العالمي الجديد، وضعناه ليكون في مستوى شموخ وعز حضارتنا التي تعتبر رائدة في عمق تصورها للحقوق الاقتصادية والروحية للملكية الفكرية...الشيئ الذي يمكننا حتما من فرض احترامنا بايجاد "صيغة توفيقيىة" تستوعب كل الاتفاقيات، وتتكيف مع مستجدات ومتطلبات المرحلة الراهنة، وتتأقلم مع ما يمكن أن يجدَ من سابقات محتملة في الزمن الآتي... ونكون بذلك، قد ساهمنا في اغناء معارف دول الشمال ذاتها، وكسبنا الرهان الحضاري بطرح البديل الذي يمكن أن يعتمد عالميا. قطر تتلقى دراستنا...وتكلف "جهة أجنبية بدراسة الاجراءات" وقد سرنا في بداية الأمر أن تلقى رسالتنا آذانا صاغية، وبدأنا نسمع ونقرأ بعد شهرين تقريبا من عرضنا لمشروع الإطار الذي ألمحنا إليه في تلك الرسالة، أن "دولة قطر تقدمت، يوم فاتح غشت 2017، بشكوى رسمية لدى منظمة التجارة العالمية ضد السعودية والبحرين والإمارات، جاء في نصها أن هناك محاولات من قبل الدول المقاطعة لقطر لفرض "عزلة اقتصادية" عليها، وحرمانها من التجارة في "السلع والخدمات وحقوق الملكية الفكرية"... كما أن وزير الاقتصاد القطري قد التقى، في وقت سابق، في جنيف، بمجموعة من المحامين التابعين لمكتب قانوني مختص في قضايا منظمة التجارة العالمية، والذي تم التعاقد معه وتكليفه بدراسة الاجراءات التي اتخذتها دول المقاطعة ضد الدوحة (وفقا ل سي إن إن)". هل دق أحد قبلنا ناقوس الخطر وطالب برفع الحصار على قطر ؟ وهذا لم يفاجئنا في شيئ، طالما أننا على علم بتمادي البلدان العربية في الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية العربية. وهو أسلوب تعودنا على قراءته وسماعه، أو لنقل تربت عليه جماهير أمتنا (أفرادا وجماعات وحكومات) منذ أجيال وأجيال. وله جذوره الراسخة في "تاريخنا الثقافي" على امتداد قرون وقرون... وللأسف الشديد لم نستطع بعد، تجاوزه أو الوعي بكونه مرضا حضاريا لا بد من معالجته، أو التخلص منه، أو استئصاله بصفة نهائية. وان نحن في العالم العربي، تمادينا في جهل حقوق الملكية الفكرية للمؤلف "المبدع الأصيل"، بعدم رعاية حقوقه الاقتصادية واحترام حقوقه المعنوية، وما يمكمن أن يكون لذلك من انعكاس سلبي واحباطي على شعوره، بحيث يصاب بخيبة الأمل، فلا يبقى أمام العرب سوى الارتماء في أحضان الغرب، والاصابة بالتيه والتغريب... قطر تخوض حرب الملكية الفكرية بدون خبرة ميدانية والعجب العجيب أن دولة قطر التي تشتكي وإعلامها من ظاهرة المس ب"تجارة السلع والخدمات والملكية الفكرية"، كانت بعد الاعلان عن مبادرتنا، توهمت أنها فهمت ما ينبغي أن يكون، وأن لا فهم فوق فهمها. فعمدت الى استشارة أو استقدام أو تكليف "محامين"، لا نشك في كونهم مقتدرين في مجال اختصاصهم الذي يبدو بعيدا كل البعد عن حقوق الملكية الفكرية وما يرتبط بها من تجارة وخدمات واستثمارات. وهي علم وليد، واقتصاد عالمي جديد، له "خبراء" من نوع جديد، يمسكون بخيوط اللعبة التجارية. ولا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة... وحيث أنه بضدها تتميز الأشياء، كما يقال، فإن المقصود من "مبادرتنا" هو التميز، حيث إن أفكارنا على طرف نقيض، وفي الاتجاه المعاكس والمخالف تماما لما ورد في "اعلان قطر". وإذا ما استؤنفت تلك "المشاورات الرسمية"، كما هو منتظر، وأسفرت عن اتفاق حيوي ومثمر (وهو ما نتمناه من صميم الفؤاد)، ستكون لنا أسبابنا لتهنئة الأطراف المعنية بالنجاح...
*عبد السعيد الشرقاوي خبير قضائي، وسيط وحكم دولي معتمد في حقوق الملكية الفكرية