لا أعتقد أننا في حاجة إلى التذكير بأن رمضان من أطهر الشهور وأعظمها عند الله، وهو شهر المودة والرحمة، الذي أنزل فيه القرآن على سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.تفتح فيه أبواب الجنة وتعتق الرقاب من النار، تتضاعف الحسنات وتغفر الذنوب والسيئات، تتنزل الرحمات وتكثر الصدقات.وفيه تزداد الطاعات والعبادات وتزدحم المساجد بالمصلين، لاسيما في صلاتي العشاء والتراويح. وصلاة التراويح هي إحدى أبرز مميزاتشهر الصيام،تندرج في إطار العبادات الرمضانية التي يحرص المسلمون في مختلف بقاع العالم على أدائها، للاستماع والاستمتاعبتلاوة القرآن. والتراويح جمع ترويحة، سميت كذلك لأن المصلين كانوا يستريحون بعد كل ركعتين. وكان السلف الصالح يهتبل فرصة استراحة ما بين كل تسليمتين، لإسداء النصح والموعظة وتفقيه المصلين بأمورالدين. ولم يثبت في الأحاديث النبوية الشريفة ما يحدد عدد ركعاتها، وإن كان الرسول الكريم صلاها في إحدى عشر ركعة، كما ورد على لسان أم المؤمنينسيدتنا عائشة رضي الله عنها، عندما سئلت عن كيفية صلاته في رمضان، وأجابت: "ما كان رسول الله يزيد في رمضان ولا في غيره عن إحدى عشر ركعة. يصلي أربعا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا". وأجاز بعض شيوخ الإسلام صلاتها حتى حدود 36 ركعة. وداوم عليها المسلمون كيفما اتفق بالمفرد والجمع، إلى أن جمعهم سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه على صلاتها خلف إمام واحد. وهي سنة ميمونة،حيث دعاالنبي الأمين إلى قيام ليالي الشهر الفضيل، وعدم التهاون أو الانشغال عنها بتوافه الأمور ومشاكل الدنيا الزائلة. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله يقول: من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر الله ما تقدم من ذنبه". لذا تشبث المسلمون بأدائهاسواء في المساجد أو في البيوت، أفرادا وجماعات... ترى هل استطاع المغاربة الحفاظ على هذه السنة المباركة وفق رغبة سيد الأنام عليه الصلاة والسلام؟من البديهي أن يولوامثل هذه الطقوس ما تستحقه من أهمية بالغة لسببين أساسيين: ويتجلى الأول في كون الدستور المغربي ينص على أن ديننا الرسمي هو الإسلام، الذي له تأثير عميق في الثقافة السائدة لدى عامة الشعب، خاصة أن تدريس العبادات والعقائد بمؤسسات التعليم، يحتل مكانة متميزة في مادة التربية الإسلامية، ويساهم في تكوين المواطن وجعله أكثر تمسكا بقيمه الروحية والأخلاقية. أما السبب الثاني، فهو ارتباطهم الوثيق بالتعاليم الدينية وسنن خير البشرية... فالإقبال الكثيف على بيوت الله في هذا الشهر الكريم، حتى بالنسبة لغير الملتزمين بفرائض الإسلام الخمسة، الذين يعتبرون أن صيامهم لا يصح إلامقرونا بالصلاة والإكثار من النوافل والصدقات.إذ تضيق باحات المساجد بأعداد غفيرة من المصلين، ومنهم من يكتفون بتأثيت الأزقة في الأحياء الشعبية، خصوصاأن الطاقة الاستيعابية للمساجد المتوفرة غير قادرة على احتوائهم، بل منهم من يتنقلون إلى أماكن بعيدة، لملاحقة المقرئين الجيدين، الذين تهتز لقراءاتهم مشاعر الخشوع والإيمان، فتكاد البيوت تفرغ إلا من بعض المرضى والرضع والعجزة، حيث يتسابق الجميع إلى دور وفضاءات العبادة، وتكتظ مواقف السيارات المجاورة لها، لدرجة يصبح معها المرور أمرا شبه مستحيل... وبعيدا عما يحدثه الأطفال من شغب، وعن بعض الممارسات الذميمة خاصة في أوساط بعض النساء، اللواتي ينغمسن أثناء صلاة التراويح فيبحر الغيبة والنميمة والتباهي بالجلابيب الرفيعة والحلي الثمينة، هناك مساجد تستقدم أشخاصا من حفظة القرآنذوي الأصوات الرخيمة، وهي بادرة طيبة ومحمودة، تساهم في جذب الناس وتحبيب الصلاة لهم. بيد أن بعض الأئمة -سامحهم الله- يجدونها فرصة مواتية في استغلال طيبوبة المصلين، ويشرعون من حين لآخر في استنزاف جيوبهم، تحت مبررات واهية، فيتحولون بذلك إلى عنصر تشويش وتنفير وتأخير الصلاة. إذ مباشرة بعد أذان العشاء، يعطي الإمام الراتب إشارة الانطلاق عبر كلمات رقيقة لاستدرار عطف المؤمنات والمؤمنين، طلباللمساعدة على تغطية مصاريف استضافة أولئك الأئمة/المقرئين، وجمع الصدقات والتبرعات في أكياس خاصة بهذا الاستجداء القبيح... صحيح أن الأئمة يعانون من أوضاع اقتصادية واجتماعية مزرية، كما هو شأن ملايين المواطنين، ويعيشون حالة من الضغط وعدم الاستقرار النفسي، جراء التهديد الدائم بسيف الطرد المسلط على رقابهم، ما لم ينضبطوا لأوامر الوزارة الوصية، وأنهم يتلقون أجورا هزيلة لا تكفي لسد حاجياتهم الأساسية، وأنهم لولا أريحية المحسنين لاستفحلتأوضاعهم... لكن هذا لا يشفع لهم بأن يمدوا أيديهم أمام آلاف الأطفال، وفي ظل انتمائهم إلى أغنى الوزارات "الأوقاف والشؤون الإسلامية"، التي ما فتئت تتبجح بالاعتمادات المالية الهامة، زاعمة تخصيصها لصيانة وتسيير المساجد والعناية بالقيمين الدينيين، وتعزيز الخدمات المقدمة لهم من قبل مؤسسة محمد السادس،والمتمثلة في المساعدات وإعانات عيد الأضحى والتمدرس... من العار أن يستمر الوزير أحمد التوفيق في تجاهلهلهذه النقائص الصارخة،دون العمل على تجاوزهاوالتعجيل برصد ميزانية استثنائية لصلاة التراويح،والنهوض بأحوالالأئمة وغيرهم من الأعوان البسطاء.ألم يسبق ل"ويكيليكس" أن كشف عن فضائح ما يحدث ب"ضيعته" المحمية والمرافق التابعة لها، وعرض تقريرا مفصلا عن خروقات إدارية وتجاوزات مالية كبرى مرتبطة بمشاريع وهمية، أخذت من هيكلة الحقل الديني واجهة لها، وأن عديد التعيينات تمتبناء على المحسوبية والقبلية...؟