هديه في صلاة التراويح يقول ابن القيّم رحمه الله: وكأن هديه فيه عليه الصلاة والسلام أكمل هدي وأعظمه تحصيلاً للمقصود، وأسهله على النفوس، وكأن من هديه في شهر رمضان: الإكثار من أنواع العبادة، وكأن جبريل يدارسه القرآن، وكأن يكثر فيه الصدقة والإحسان، وتلاوة القرآن، والصلاة، والذكر والاعتكاف، وكأن يخصّه من العبادات بما لا يخصّ به غيره. وقد سار على ذلك السلف الصالح رحمهم الله حيث ضربوا أروع الأمثلة في حسن الصيام، وإدراك حقيقته، وعمارة أيامه ولياليه بالعمل الصالح. سميت (تراويح) للاستراحة فيها بعد كل أربع ركعات. وهي صلاة يؤدّيها المسلم في كل ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك بعد صلاة العشاء وقبل صلاة الوتر. وتصلى ركعتين ركعتين. يقرأ الإمام الفاتحة وما تيسر من القرآن الكريم في كل ركعة ويسلم كل ركعتين ثم يستريح الإمام والمصلون كل أربع ركعات. وقد حرص الرسول عليه الصلاة والسلام على تأدية صلاة التراويح وتركها حتى لا تفرض على الناس فتصبح كالصلوات الخمس المفروضة. روى مسلم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج من جوف الليل، فصلى في المسجد، فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس يتحدثون بذلك، فاجتمع أكثر منهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الليلة الثانية، فصلوا بصلاته، فأصبح الناس يذكرون ذلك، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفق رجال منهم يقولون: الصلاة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى خرج لصلاة الفجر، فلما قضى الفجر أقبل على الناس، ثم تشهد، فقال: أما بعد فإنه لم يخف عليَّ شأنكم الليلة، ولكني خشيت أن تُفرض عليكم صلاة الليل، فتعجزوا عنها. ففي هذه الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها ببعض أصحابه جماعة، ولم يداوم عليها، وعلل تركها بخوفه أن تُفرض عليهم، فلما أمنوا من ذلك بعده جمعهم عليها عمر رضي الله عنه، فروى البخاري عن عبد الرحمن بن عبد قال: خرجت مع عمر ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يُصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أُبي بن كعب. هذا، ويظن البعض أن التراويح لا يجوز نقصها عن عشرين ركعة وظن بعضهم أنه لا يجوز أن يزاد فيها على إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة، وهذا كله ظن في غير محله إذ الأدلة على خلافه. وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن صلاة الليل موسع فيها، فليس فيها حد محدود لا تجوز مخالفته بل ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كأن يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة وربما صلى ثلاث عشرة ركعة. وربما صلى أقل من ذلك في رمضان وفي غيره ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل قال: مثنى مثنى فاذا خشى أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى. متفق على صحته. ولم يحدد ركعات معينة لا في رمضان ولا في غيره. ولهذا صلى الصحابة رضي الله عنهم في عهد عمر رضي الله عنه في بعض الأحيان ثلاثا وعشرين ركعة وفي بعضها إحدى عشرة ركعة. ومن تأمل سنته صلى الله عليه وسلم علم أن الأفضل في هذا كله هو صلاة إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة في رمضان وغيره لكون ذلك هو الموافق لفعل النبي صلى الله عليه وسلم في غالب أحواله ولأنه أرفق بالمصلين، ومن زاد فلا حرج ولا كراهة. والأفضل لمن صلى مع الإمام في قيام رمضان ألا ينصرف إلا مع الإمام لقول النبي صلى الله عليه وسلم أن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة. إعداد: خ. ع