لم تخرج الدولة المغربية المستقلة عن ثوابت المغرب المحمي والمحتل من قبل فرنسا الذي انبنى على واقع جعل من الأعيان القرويين والقواد والباشاوات أهم وسيط اجتماعي في العلاقة مع الأهالي ،وهكذا نجدها توظف الإرث الاستعماري ومنهجه عمله لحكم شعب رحب كثيرا برحيل الاستعمار ووحدة الوطن، اقتناعا منها بضرورة الحد من الحظوة الاجتماعية للنخب المثقفة والشابة لأحزاب الحركة الوطنية و أعضاء جيش التحرير لدى الشعب المغربي، والتي صورت من قبل دهاقنة الاستعمار الفرنسي المغادرين للمغرب بلا رجعة أنها خطر على النظام الملكي الذي تسلم زمام الأمور. وسرعان ماقنتع النظام بمصداقية الأمر و ضرورة خلق التوازن بين القطبين الحضري والقروي خاصة وأن النخبة القروية بعد الاستقلال لاتزال لها سلطة اقتصادية سليمة ومعافاة تتمثل في مئات الألوف من الهكتارات العقارية و الأراضي الزراعية وغيرها، فعمد إلى تجنيد عدد هائل من رجال السلطة وأعيان القبائل وكبار الملاكين لشغل المناصب العليا في الدولة والجيش و البرلمان لييتراءى للناس مغرب مستقل بوجهين مختلفين أحدهما منفتح وحضري ومثقف وأخر قروي بدوي يميل إلى التقليدانية ويغلب العرف في كل سلوكياته ،وشيئا فشيئا تغلب النموذج الثاني على الأول بفعل المطبات الخطيرة التي مرت منها البلاد منذ الستينيات والسبعينيات أيام سنوات الرصاص ، فأصبحت برلمانات المغرب تعج بالأميين الذين لايعرفون القراءة ولا الكتابة ،وفتحت أمام هؤلاء أبواب الغنى والثراء دون كد ولا جهد وهمش خريجو الجامعات والنخب الحضرية المثقفة وتماشت الأحزاب مع هذا الوضع الغريب لأخذ حصتها من الكعكة فعمدت إلى توزيع التزكيات على الأعيان وأصحاب" الشكارة" دون النظر إلى مستواهم الثقافي ورفعت شعار أرض الله واسعة أمام المشاكسين من المناضلين الشرفاء ، فهزل البرلمان بغرفتيه ونزل فيه مستوى النقاش السياسي وطمست الهويات الأيديولوجية لأحزاب المغرب ،وأصبح المشهد السياسي أشبه بسوق انتخابي كبير يحفل فيه الحزب القوي عفوا الرجل القوي بأكبر عدد من الرؤوس التي لاتكاد تقضي معه وقتا حتى يظهر لها رجلا أخر لتركب سفينته ، وهكذا دواليك إلى أن تنجلي الولاية التشريعية لتعود إلى معاقلها للظفر بولاية أخرى . وفي الوقت الذي ظن فيه الكل بأن الشباب هجر السياسة وأن المغرب بلد شائخ على مستوى نخبه ظهر الشباب العربي ومعه شباب المغرب بمطالب سياسية أقل مايمكن القول عنها أنها تنم عن ثقافة غزيرة ووعي سياسي عميق راكمته سنوات من الارتكان إلى حلقيات الجامعات وغرف الدردشة وصفحات الفايسبوك ليظهر للعيان في التنظيم الشعبي العريض" شباب 20 فبراير "الذي أطل في 20 مارس بمطالب كبيرة وأكثر جرأة ، فظهر أن الاستثناء المغربي ليس إلا أكذوبة يتم الترويج لها من الحرس القديم الذي بدأ يجهل معالم المرحلة المقبلة وقوانين اللعب فيها . لكل ذلك وجب البدء بالقيام بتعديلات دستورية جذرية تسير نحو تمكين الشعب من السلطة الحقيقية التي تجعله مسؤولا عن اختيار حكامه ونزع الثقة عنهم في حالة الإخلال بواجبهم الذي اختيروا من أجل القيام به ، وتجاوز مرحلة الوسطاء الاجتماعيين إلى مرحلة الانفتاح السياسي الواسع على كل الحساسيات الحزبية والجمعوية ، وتغليب ثقافة الانتخاب على ثقافة التعيين وتفعيل سياسة عدم الإفلات من العقاب وبناء سلطة قضائية على أنقاض الجهاز السابق تكون مسؤولية عن البت اختيارات الشعب المغربي الكبرى ليتحقق الانتقال المرن من دولة الأعيان القرويين إلى دولة الحق والقانون (دولة شباب الفايسبوك). * مدرس بالثانوي التأهيلي . طالب باحث بقسم البحوث والدراسات التاريخية بالقاهرة .