لا حديث هذه الأيام إلا عن انضمام/عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي ، فالمغرب يعتبر الحدث انتصارا عظيما لملكه و - ديبلوماسيته - و جبهة البوليساريو تعتبره كذلك انتصارا و رضوخا من المغرب لمطلبها العادل في الاستقلال و اعترافا صريحا بالجمهورية التي أعلنتها في سبعينيات القرن الماضي . غير أن الأيام القادمة وحدها الكفيلة بإظهار أي وجهتي النظر صائبة . تعتبر الصحراء بالنسبة للمغرب قضية مصيرية ، وقد عبر عن ذلك مرارا و نجح في جعلها قضية إجماع شعبي توازي الإجماع على العرش الملكي دون إغفال وجود مواقف آخرى طبعا . ويدرك النظام المغربي جيدا الانعكاسات السلبية لأي قرار يمكن أن يتسبب في المس بما يسميه بالوحدة الترابية للمغرب ، كما أنه لا يتوانى في الرجوع إلى الشعب و الأحزاب و هيئات المجتمع المدني عند استشعار أي خطر يمكنه أن يمس بها . إلا أن هذه القضية سببت للدولة المغربية العديد من المتاعب داخليا ، إقليميا ، قاريا و دوليا في السنوات الأخيرة بسبب الكثير من الأحداث التي عرفتها الصحراء و التي كانت مجملها احتجاجات مطالبة بالحق في تقرير المصير و الاستفادة من الثروات الطبيعية ، ... و لعل أبرزها مخيم اكديم ايزيك الذي لازال ملفه مفتوحا حتى الآن . هذه الأحداث استغلتها جبهة البوليساريو جيدا و سوقتها دوليا مستغلة تعاطي الدولة المغربية الذي غلبت عليه المقاربة الأمنية و التي خلفت حالات وفيات ، اختطافات ، اعتقالات و تعذيب... وقد نجحت البوليساريو في حملتها ، و وضعت المغرب في حرج كبير أمام حلفائه قبل المنتظم الدولي بسبب التنامي المطرد للتضامن مع الصحراويين . و خسر على إثرها المغرب قانونيا العديد من الشركاء و دخل في حرب مفتوحة مع الأممالمتحدة و منظمات حقوق الإنسان و الصحافة الدوليتين .... الاتحاد الإفريقي الذي يعترف بالجمهورية الصحراوية المعلنة من طرف البوليساريو لم يكن في موقع المتفرج بل كان أشد شراسة في الدفاع عن الصحراويين و حقهم في الاستقلال و تقرير المصير ، و هذا ما جعل المغرب ربما يراجع قراره بالانسحاب احتجاجا على قبول عضوية الجمهورية الصحراوية المعلنة من طرف جبهة البوليساريو . فهل سينجح المغرب على الأقل في تخفيف حدة دفاع الأفارقة عن الصحراويين ؟ استبق المغرب قرار انضمامه / عودته إلى الاتحاد الإفريقي بترتيبات عديدة تهدف إلى تقوية علاقات الشراكة الثنائية مع الكثير من الدول الإفريقية والتي يأمل أن تتطور إلى دعم لموقفه من النزاع حول الصحراء و الاقتناع بما يقدمه من حلول بديلة عن الاستقلال التام ، أو مساندته في إزاحة ملف هذا النزاع عن طاولة القادة الأفارقة كما أشار لذلك وزير خارجيته . و يتطلب كل هذا وقتا طويلا و إمكانيات هائلة ستكون على حساب الداخل ، الأمر الذي ستستغله البوليساريو و من ورائها الجزائر و جنوب إفريقيا و التي يلعب عامل الزمن في صالحها ، فقبول المغرب الجلوس إلى جانبها سيمكنها مستقبلا من حضور كل لقاءات الشراكة التي تربط الاتحاد الإفريقي بمختلف القارات و الدول و المنظمات و التي كانت تستثنى سابقا إما إرضاء للمغرب أو تجنبا لإحراج الآخر مما سيفتح لها المجال لتسويق مشروعها بل ربما تتجاوزه للمطالبة بالاعتراف الأممي بجمهوريتها . صحيح أنه منذ الآن لن تصبح قضية الصحراء محل إجماع الأفارقة كما كانت في الوقت السابق ، كما أن القرارات ستتسم بنوع من الديبلوماسية و اللباقة السياسية الضروريتين مراعاة لعضوية المغرب غير أن ذلك سيدفع ربما بعض الدول الداعمة للبوليساريو لاتخاذ قرارات فردية أكثر تطرفا فهي سترى في ذلك استهدافا لها و لمكانتها و سيتشعب الصراع بينها و بين المغرب في مجالات عدة وليس فقط في ملف الصحراء و هنا تكمن الخطورة و يصعب التكهن بحجم العواقب التي ستكون حتما سلبية على مناحي الاستقرار و الأمن و التنمية الاقتصادية . يدرك المغرب صعوبة تحقيق أهدافه المعلنة و يدرك أيضا إمكانيات خصومه ، و أن الاتحاد الإفريقي ليس حلبة الصراع الوحيدة ، فقضية الصحراء تلاحقه أين ما حل و أرتحل و لعل أصعبها كل من حلبة البلدان الديمقراطية خاصة الأوربية منها و التي لن تقايض مصالح بلدانها الاقتصادية على حساب مواقفها من القضية و التزاماتها بالقانون الدولي ، و حلبة مدن الصحراء التي تعرف تنامي للاحتجاجات المطالبة بالشغل و العيش الكريم و تحقيق تنمية تتلاءم و إمكانيات المنطقة و ثرواتها الطبيعية ، دون إغفال الاحتجاجات المطالبة بالحق في تقرير المصير و التي ستدفع بها جبهة البوليساريو إلى أقصى الحدود . فماذا أعد المغرب لكل هذا ؟ أم أن أهداف عودته / انضمامه للاتحاد الإفريقي اقتصادية و أمنية محضة ؟ و أن النقاش الدائر حول قضية الصحراء ليس إلا تبريرا لقبوله الجلوس إلى جانب الجمهورية الصحراوية لامتصاص أي غضب شعبي ، أو ربما تمهيدا لتقبل ما هو قادم فقضية الصحراء عرفت تطورات كثيرة ستغير من طبيعة الصراع ، فمضي البوليساريو في اعمار ما تسميه بالمناطق المحررة و سيطرتها على معبر الكركرات و وصولها للكويرة سيحول مطلب البوليساريو من الاستقلال إلى استكمال السيادة على كل أراضي الإقليم المتنازع عليه مستغلة بذلك ما تقول أنه اعتراف صريح من المغرب بالجمهورية الصحراوية بمصادقته على القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي والقبول بالجلوس إلى جانبها. نأمل أن يساهم انضمام / عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي في التعجيل بإيجاد تسوية سلمية للنزاع ، لكن حتى لا نكون متفائلين أكثر فشبح الحرب لازال يخيم في سماء المنطقة ، فتشبت كلا الطرفين بوجهة نظره و حالة الجمود التي يعرفها مسلسل التسوية و التطورات الأخيرة بالكركرات والتي ربما التزم المغرب تجاهها الصمت إلى حين النظر في طلب انضمامه/عودته للاتحاد الإفريقي ، و طرد بعثة المينورسو والذي تعتبره جبهة البوليساريو خرق/ إنهاء لاتفاق مسلسل التسوية الاممي ، كلها تجعل أصوات البنادق أقرب إلى الآذان من أي كلمات يرددها الطرفين و المنتظم الدولي عن الانخراط في إيجاد حل سلمي للنزاع يوقف مأساة إنسانية عمرت طويلا .....