أصدرت يوم امس محكمة العدل الأوربية حكمها النهائي بخصوص الاستئناف الذي رفع ضد الحكم الذي أصدرته ابتدائيا يوم 10 ديسمبر 2015. وقد طالب الحكم الابتدائي أنداك بإلغاء الاتفاقية المبرمة بين المغرب والاتحاد الأوربي، بخصوص التبادل الحر للمتوجات الزراعية والفلاحية والتي شملت إقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه. وتقدمت أنداك كل من بلجيكا، ألمانيا، اسبانيا، فرنسا، البرتغال، الكونفدرالية المغربية للزراعة والتنمية القروية (كومادير) والمجلس الأوربي بطلب استئناف الحكم لدى ذات المحكمة ضد الحكم الصادر لصالح جبهة البوليساريو، باعتباره الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي، وتم قبول طلب الاستئناف يوم 19 فبراير 2016، من لدن المحكمة التي أصدرت هذا اليوم قرارها النهائي بخصوص هذه الاتفاقية محل النزاع. وجاء قرار محكمة الاستئناف برفض دعوى البوليساريو بإلغاء الاتفاقية لكونه غير معني باتفاق المغربي والدول الاروبية ولكون الصحراء الغربية غير مدرجة ضمن الاتفاق , كما ححكت بتحميله بالمصاريف الخاصة بها وبالمجلس أيضا كما امرت كل منبلجيكا، ألمانيا، اسبانيا، فرنسا، البرتغال، الكونفدرالية المغربية للزراعة والتنمية القروية (كومادير) بتحمل الصائر المتعلق بهما. وفي اطار تحليل قرار المحخكمة الاروبية اصدرت جمعية مراقبة الثروات وحماية البيئة بالصحراء الغربية تقريرا حول الموضوع : حيثيات الحكم الصادر اليوم؟ الحكم الصادر هذا اليوم ابتدأ بالتحدث عن القانون الدولي مستحضر العديد من الخلاصات القانونية والمواثيق الدولية المتعلقة بالقضية. 1- دور الأممالمتحدة في فض النزاعات والسلم الدولي بالإضافة الى احترام حقوق الشعوب في تقرير مصيرها. 2- الوضعية القانونية للأقاليم الغير محكومة ذاتيا وحقوق شعوبها التي تضمنها المواثيق الدولية لحين تسوية وضعيتها. 3- معاهدة فيينا لعام 1969 التي تنص على أن الاتفاقيات المبرمة بين بين طرفين يجب أن: (أ) ألا تتنافى مع القانون الدولي والمواثيق الدولية. (ب) أن تطبع تلك الاتفاقية النية الخالصة. (ج) أن يحترم كل طرف الحدود المتعارف عليها. (د) يجب أن تشمل اتفاقية ما طرفا ثالثا بدون قبوله ورضاه. كما عرج القرار بعد ذلك على الحديث عن الشراكة المغربية مع أوربا ومع الأعضاء المنضوين تحت لواء الاتحاد الأوربي وفق المعاهدة الموقعة في بروكسيل يوم 26 فبراير 1996 والمصادق عليها عام 2000. وتم التطرق إلى حيثيات اتفاقية التبادل الزراعي الذي يشمل المنتوجات الفلاحية والبحرية بين المغرب والاتحاد الأوربي والتي نصت على تحرير المبادلات الزراعية القادمة من وإلى المغرب في 1غطار حدوده المتعارف عليها. وحسب مقتضيات البروتوكول الموقع والمصادق عليه بين كلا الطرفين. بعد ذلك، انتقل الحديث الى الخلفية السياسية والتاريخية لنزاع الصحراء الغربية بطريقة كرونولوجية. وخلال هذه الكرونولوجية، تم ذكر الخلاصات التي جاءت في قرار محكمة لاهاي سنة 1975 والتي نصت على أن الصحراء الغربية زمن الاستعمار الاسباني لم تكن أرض خلاء (أرض السيبة) وأنه لم تكن للمغرب سيادة على أرض الصحراء الغربية بالرغم من بعض الروابط بين القبائل والسلاطنة المغاربة. وقد قضت المحكمة بأمور عدة منها: 1. بتحميل الصائر لجبهة البوليساريو. 2. برفض الدعوى حول عدم صلاحية جبهة البوليساريو لرفع دعاوي أمام المحكمة. 3. بأن جبهة البوليساريو معنية بصفة مباشرة وغير مباشرة بالقرار. 4. أن جبهة البوليسايو معنية بكل ما يجري بمنطقة الصحراء الغربية. 5. اعتبار جبهة البوليساريو طرفا خصوصا وأن منطقة الصحراء الغربية منطقة نزاع. 6. فشل المجلس الأوربي في الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات النزاع، قبول ورضى الساكنة بالإضافة الى استمتاعهم بثرواتهم وعائداتهم. بعد هذا، تطرقت المحكمة الى مطالب الأطراف وفحوى النزاع القضائي المبني عليه الدعوى القضائية بين الأطراف المعنية، بعد فحص كافة القرائن، الدلائل والحجج والوثائق المقدمة من أطراف النزاع لدى هيئة المحكمة، وبعد الاستماع الى كافة المتدخلين، قررا المحكمة قبول طلب الاستئناف، وأفضت الى أنه وبالاستناد الى المقتضيات المتضمنة في معاهدة فيينا، فالمحكمة ترى بأن مؤسسات الاتحاد الأوربي كانت على علم بأن المغرب كان يطبق نبود اتفاقية التبادل الزراعي على إقليم الصحراء الغربية، ولم تحتج على ذلك أبدا. وتضيف المحكمة أيضا بأن على العكس، فإن بعض لجان الاتحاد الأوربي تعاونت الى حد ما مع السلطات المغربية في تواطؤ ملحوظ مخالفة بذلك القرارات والقوانين. 1. أن المغرب يعتبر الصحراء جزءا منه، ويتعامل على ذلك الأساس، الشيء الذي تعرفه مؤسسات الاتحاد الأوربي ولم تحاول تغييره أو تعديل بنود الاتفاقية لمنع ذلك من الحدوث. وبالتالي كان هناك غياب لأي فقرة تنص بصورة واضحة على عدم تضمين إقليم الصحراء الربية في تلك الاتفاقية. وقد خرجت المحكمة بالعديد من الخلاصات، أهمها كان: 1- أن الأطراف الموقعة على اتفاقية التبادل الزراعة أخلت ببنود معاهدة فيينا وبمقتضياتها. 2- أن المجلس الأوربي والاتحاد الأوربي ومؤسساته قد أساؤوا تقديم الأمور ولم يعترضوا على ادماج الصحراء بالرغم من معرفتهم المسبقة بنوايا المغرب. 3- أنه استنادا إلى القانون الدولي، فهذه الاتفاقية تتناقض وحق تقرير المصير الذي نصت عليه القوانين الدولية وخصوصا بمنطقة الصحراء الغربية. 4- ضرورة احترام الرأي الاستشاري لمحكمة لاهاي الصادر سنة 1975، واحترام حق تقرير المصير، كما هو الحال في قضية تيمور الشرقية. 5- ضرورة احترام القرار الأممي 2625 القاضي بأن أي مستعمرة أو إقليم غير محكوم ذاتيا بأن تكون له صفة خاصة أو استثنائية. 6- أنه لا يمكن ادراج طرف ثالث دونا عن رغبته أو ارادته المحضة في أية اتفاقية يوقعها طرفين اخرين. كما أنه لا يحق لهما حق التصرف في حقوق الطرف الثالث بدون علمه أو استشارته وتمتعه بفوائدها. 7- أن الصحراء لم تكن "بلاد السيبة" ابان الاستعمار الاسباني، وبأنه لم تكن هناك روابط للسيادة الوطنية بين المغرب والصحراء الغربية. 8- بأنه بالنظر الى القرارات الأممية التي تعتبر جبهة البوليساريو كالممثل الوحيد لشعب الصحراء الغربية، وبالتالي يجب أن يكون مشاركا بصفة كاملة في حل سياسي دائم وعادل لمشكلة الصحراء الغربية. 9- بالنظر الى هذه المعطيات، يجب اعتبار شعب الصحراء الغربية على أنهم طرف ثالث في اية اتفاقيات أو معاهدات. وبالتالي فإن شعب الصحراء الغربية معني بأية اتفاقية يتم من خلال استغلال ثرواته أو إدراج الإقليم في أية معاهدات بدون الرجوع الى ممثليه ومعرفة مدى رضاهم أو قبولهم. 10- تقبل فرضية أن الصحراء الغربية أصلا غير متضمنة في تلك الاتفاقية، وبالتالي لم يكن هناك داع لتضمين ذلك في بنود الاتفاقية بموازنات مع احترام القانون الدولي والشرعية الدولية. 11- اعتبار أن الاتفاقية قد طبقت التعرفة الجمركية على المنتوجات القادمة من الصحراء (بحكم الواقع)، في غياب اعتراض تام من لدن المجلس الأوربي. 12- أن المجلس الأوربي وأفعاله تتنافى والشرعية الدولية في حالة ما إذا كان تناقض مع حق تقرير المصير بالرغم من أن المجلس الأوربي يدعو الى التماشي والشرعية الدولية. وقد دعت المحكمة في نهاية الأمر إلى اعتبار "سيادة القانون" وبأن "الصحراء الغربية" ليست جزءا من المملكة المغربية. كما أفتت بأن الاتفاقية لا يمكن أن تكون شاملة للصحراء الغربية، واقتصارها منذ البداية على الأراضي المغربية المتعارف عليها دوليا، وبالتالي لا يحق لجبهة البوليساريو أن تطالب بإلغاء اتفاقية هي غير معنية بها بحكم أنها لا تشمل إقليم الصحراء الغربية. وفيما يخص المصاريف، فإن جبهة البوليساريو تتكلف بالمصاريف المترتبة عن أداء المحكمة، فيما تتكلف الدول التي طالبت بالاستئناف مصاريفها الخاصة بها. أما كومادير فهي أيضا تتحمل مصاريفها الخاصة بها. وتحكم المحكمة بالتالي: 1. رفض دعوى البوليساريو بإلغاء الاتفاقية. 2. تحميل جبهة البوليساريو بالمصاريف الخاصة بها وبالمجلس أيضا. 3. تأمر بلجيكا، ألمانيا، اسبانيا، فرنسا، البرتغال، الكونفدرالية المغربية للزراعة والتنمية القروية (كومادير) بتحمل الصائر المتعلق بهما. اذن ماذا نستخلصه من هذا القرار / الحكم ؟ أهم ما جاء في هذا الحكم هو الحقيقة الثابتة هو أن المحكمة خلصت الى تن الصحراء الغربية ليست جزءا من المغرب. فالمحكمة تنظر الى الصحراء الغربية على أساس أنها طرف ثالث في هذه الاتفاقية، او بالأصح هي كيان قانوني بمعزلة عن الدولة المغربية مما يجعلها طرفا ثالثا فيما يتعلق بالعلاقة بين المغرب والمؤسسات الأوربية بكافة تلاوينها هذه العلاقة تشمل أيضا كافة الشخصيات المعنوية والشركات التي تتعامل مع المغرب وتحاول شرعنة وجوده بالصحراء عن طريق الاتفاقيات والاستثمارات الغير قانونية التي تتضمن المجال الصحراوي وموارده. فالمحكمة استخلصت على انه لا يحق للمغرب بتاتا أن يوقع على أية معاهدات أو اتفاقيات من أي نوع في إقليم الصحراء الغربية، بما في ذلك الاستثمارات والمعاملات التجارية. هذا يعني أيضا أنه يحق للبوليساريو كممثل وحيد وشرعي للصحراويين بأن تمنع أي محاولة للتصرف في حقوق وموارد الصحراويين، وأن تلجأ بذلك الى المحاكم كما هو الحال عليه، في حالة لجأ المغرب الى ابرام اتفاقيات مع دول الاتحاد الأوربي محاولا تضمين إقليم الصحراء الغربية وشرعنة وجوده هناك. ووجب التنبيه على أن هذا الحكم يخص فقط الاتحاد الأوربي ولا ينطبق على روسيا مثلا أو أستراليا أو حتى كندا. في حين أن هذا الحكم يفتح الباب على مصراعيه أمام جبهة البوليساريو لمقاضاة المجلس الأوروبي والاتحاد الأوربي فيما يخص عدم قانونية اتفاقية الصيد التي تشمل المياه الصحراوية، وحيث هي مرتع لاستنزاف قوارب الصيد الأوربية بدون حق وبدون قبول أو استفادة الشعب الصحراوي من ذلك كما أن هذا الحطم سيمكن المنتوجات الصحراوية من توسم بأنها منتوجات صحراوية وليست مغربية مع تحديد بلد المنشأ الصحراء الغربية. هذا بالتحديد سيمكن من ربح الدعوى المقدمة من طرف المنظمة البريطانية "حملة الصحراء الغربية" « Western Sahara Campaign » من أن تربح القضية التي رفعتها أمام المحاكم البريطانية والتي احالتها على محكمة العدل الأوربية بحجة عدم الاختصاص. هذا كله يجعل من المغرب بدون حجة أو قوة قانونية لإبرام اتفاقيات تعني موارد الصحراء الغربية، في حين أنه تم الاعتراف بالقوة القانونية لتمثيلية البوليساريو للشعب الصحراوي، والتفاوض باسمه، وإدراج البوليساريو كطرف ثالث بعيدا عن حكم السياسة الواقعية « Realpolitic » هذا يعني الاندحار للشركات الأوربية التي تستثمر أو تحاول الاستثمار في الصحراء الغربية لأن اتفاقياتها مع المغرب غير قانونية ولا يمكن تفعيلها أو تطبيقها في الصحراء الغربية لفقدانها لركنين أساسين: 1- قبول ورضى الصحراويين وممثلهم الشرعي. 2- استفادة شعب الصحراء الغربية من ذلك. وبالتالي كل الاتفاقيات تعتبر لاغية ودون جدوى. يمكن الان للصحراويين مقاضاة هذه الشركات الأوربية امام المحاكم الاوربية وحتى المطالبة بالتعويض عن الضرر الناجم عن هذه الاتفاقيات. كما ان المحكمة استندت بصفة كبيرة على الرأي الاستشاري للخبير القانوني الاممي هانس كوريل 2002، وعلى الرأي الاستشاري لمحكمة لاهاي الدولية 1975، بالإضافة الى القرارات الأممية التي تصب في هذا الاتجاه والتي اقرت بوضعية إقليم الصحراء الغربية كإقليم غير محكوم ذاتيا ومصنف في لائحة تصفية الاستعمار. وأشارت المحكمة أيضا الى فشل الأممالمتحدة في تنظيم استفتاء تقرير المصير للشعب الصحراوي والذي يبقى حقا غير قابل للتصرف. وفي هذا الصدد، اعتمدت المحكمة على القرارات الأممية من أجل اعتبار جبهة البوليساريو على أنها الممثل الشرعي الوحيد لشعب الصحراء الغربية، والمفاوض المخول له تلك الصفة في اطار إيجاد حل عادل دائم وسياسي ونهائي لنزاع الصحراء الغربية. وقد ذكرت المحكمة الحق تقرير المصير مرات عديدة مما يسجل ويثبت التأكيد على حق الشعب الصحراوي في تمكينه من حقه في تقرير مصيره بعيدا عن المزايدات والمغالطات والعراقيل. فيبقى بذلك حقا ثابتا تضمنه المواثيق الدولية، ويبق الشعب الصحراوي المالك الوحيد لذلك الحق على أرضه. إن حكم المحكمة سيكون داعما لمطالب الصحراويين وممثلهم جبهة البوليساريو على كافة الجهات، وسيكون دعامة وحجة متينة للترافع الجهوي والدولي، وبالتالي هو انتصار يضاف الى الانتصارات التي حصدها الصحراويون منذ قرار محكمة لاهاي، مرورا باتفاقيات هيوستن ومخطط التسوية الأممي 1991، والاستفتاء الذي ارتكز على حق تقرير المصير المتضمن في القرار الأممي سنة 1963. وبالتالي، وجب هنا أن نقول أن هذا يعد بمثابة التذكير للأمم المتحدة ومجلس الأمن من أجل الوفاء بالوعود والالتزامات التي أعطوها للشعب الصحراوي وجبهة البوليساريو. والملاحظ أيضا، أن المحكمة قد كانت أكثر تحديدا من رأي المستشار القانوني السابق للأمم المتحدة هانس كوريل عندما قالت بأن الاستثمار أو الاستغلال يجب أن تكون بقبول ورضى الشعب الصحراوي وليس فقط أن تكون وفقا لطموحاته. هذا بحد ذاته انتصار أخر للصحراويين لأن الطموحات أضعف من القبول والرضى Consent vs Aspiration. كل ذلك بالإضافة الى خاصية الاستفادة والتي أقرت المحكمة بعدم توفرها. هذه المعايير ستفرض على الأممالمتحدة ومؤسسات الاتحاد الأوربي وغيرهم بأن تكون أكثر تدقيقا وأقل مرونة وتسامحا مع المغرب عندما يتعلق الأمر بالصحراء الغربية ومواردها الطبيعية. كما أنه من الواضح أن المحكمة قد استندت أيضا على التوصيات الواردة في التقرير السنوي لمجلس حقوق الانسان لسنتي 2015 و 2016 على التوالي والذي نص على نفس المعايير وفند الدعاية المغربية القائلة بقبول واستفادة شعي الصحراء الغربية من موارده وخيراته التي يستنزفها المغرب. وقد رأت المحكمة على أن البوليساريو غير معني بهذه الاتفاقية لأنها لا يمكن أن تشمل إقليم الصحراء الغربية، باعتباره طرفا ثالثا وغير معني بما يهم الدولة المغربية وحدودها المعترف بها رسميا والتي تستثني منها إقليم الصحراء الغربية، وبالتالي تتحمل البوليساريو التكاليف الخاصة بها والخاصة بالمجلس الأوربي في هذه المحكمة، في حين الدول الأخرى والأطراف الأخرى تتحمل هي أيضا الصائر المتعلق بها. وتبقى البوليساريو هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي، وتبقى الصحراء الغربية بمعزل عن المملكة المغربية وكطرف ثالث في اية اتفاقية مع أوربا، تكون فيها البوليسارية هي الطرف الثالث أو الممثل له.