عرف الدخول المدرسي 2016/2017 بالمملكة المغربية، عدة مشاكل تقنية وسياسية جعلته أسوأ دخول مدرسي منذ عشرات السنوات. الدخول المدرسي الحالي عرف تعثرا كبيرا في تزويد المتمدرسين بالمقررات الدراسية التي يتكفل بها ملك البلاد، والتي تعرف بمبادرة المليون محفظة. فجل المدارس العمومية لم تتوصل حتى بداية شهر أكتوبر الحالي ولو بكتاب واحد. البعض أرجع السبب إلى الانتخابات البرلمانية التي ستقام يوم 7 أكتوبر الحالي بالمملكة، وهو سبب واه وغير مقنع. فكيف يعقل أن تؤخر انتخابات برلمانية العملية التدريسية، وما وجه الحقيقة في كون السبب من هذا التأخير هو محاولة تدمير المدرسة العمومية والتخلص من مصاريفها، التي يزعم البعض أنها تثقل ميزانية الدولة؟ ومما لا شك فيه، أن التعليم يجب أن يكون بعيدا عن المساومات الانتخابية والسياسية الرديئة. فالأحزاب السياسية المغربية بكل أطيافها؛ اليمينية واليسارية والوسطية والليبرالية والإسلامية، لم تستطع أن تنتج تصورا عقلانيا وإصلاحيا للمنظومة التربوية المغربية على عهد حكومات سابقة وحالية، وفي البرامج الانتخابية للأحزاب أو حتى من خلال اقتراح مشاريع قوانين في البرلمان. فالميثاق الوطني للتربية والتكوين، باعتباره منظومة إصلاحية للنظام التعليمي والتربوي والذي صرفت عليه ملايير من الدراهم، انتهى إلى فشل ذريع. فشل لم يحاسب بسببه أي مسئول حكومي أو تربوي كيفما كانت مسؤوليته، بل استفاد الجميع من كعكة التعويضات الخيالية على مدى عشر سنوات عجاف، تبعتها سبع عجاف أخرى، فيما سيعرف بالمخطط الاستعجالي. والذي لم يكن سوى نسخة احتياطية لسرقة المال العام بعد الإفشال المقصود للميثاق الوطني للتربية والتكوين. النكسات المتتالية لمشاريع إصلاح المنظومة التعليمية، دفع بأصحاب رؤوس الأموال إلى الاستثمار في التعليم الخصوصي، لتتكاثر المدارس الخاصة كالفطر وفي جل المدن المغربية. ولعلنا لا نحتاج إلى ذكاء كبير لنكتشف أن الدولة المغربية قد عقدت العزم منذ بداية الحديث عن الميثاق الوطني للتربية والتكوين، على إقبار المدرسة العمومية من خلال منح التراخيص لأشخاص لا علاقة لهم بميدان التربية والتعليم ليستثمروا فيه. بل منحت الرخص دون التقيد بدفاتر التحملات أو بتصاميم البنايات التي يجب أن تراعى فيها مجموعة من الشروط. وكثيرا ما حولت منازل معدة للسكن إلى مدارس خاصة. وما يمكننا التسليم به، هو أن من شروط صندوق النقد الدولي لمنح القروض للدول، تقليص ميزانيات التعليم والصحة ورفع سن التقاعد وزيادة الاقتطاعات لصالح صناديق التقاعد، وتشجيع الاستثمارات الخاصة وفتح البلاد أمام الشركات العالمية... وكلها شروط استجاب لها المغرب في عهد حكومة تحسب زورا وبهتانا على الإسلاميين. فمن منا لا يعرف أن الحكومة في المغرب ليست سوى حكومة صورية. فهي حكومة تصريف أعمال لا غير. وما لم ينتبه له الإسلاميون هو أن المشاريع الإيجابية تنسب للمؤسسة الملكية. بينما تنسب جل المشاريع الفاشلة، أو التي تسبب حرجا، للحكومة التي يترأسها الإسلاميون . الدخول المدرسي الحالي، كان على موعد مع قنبلة أخرى تتمثل في الاكتظاظ. اكتظاظ وصل في بعض الأحيان إلى 70 تلميذا وتلميذة في الفصل الواحد. وأصبحت الفصول التي تضم 40 تلميذا وتلميذة قسما شبه نموذجي، بما أن هناك فصولا تضم 50 و 60 تلميذا وتلميذة. ففي هذه السنة التي عرفت تقاعد حوالي 27000 من رجال التعليم، كانت الحكومة بصدد الدخول في مساومات مع 10000 إطار تعليمي كانوا يتلقون تكويناتهم للالتحاق بسلك التربية والتعليم. وكان اقتراح الحكومة توظيف 7000 إطار فقط لهذه السنة. من أين إذا ستأتي الحكومة بفارق ال20000 إطار؟ ويحق لنا أن نتساءل عما تحقق في المجالات الستة الأساسية الكبرى من الميثاق المتمثلة في: 1 – نشر التعليم وربطه بالمحيط الاقتصادي. 2 – التنظيم البيداغوجي. 3 – الرفع من جودة التربية والتكوين. 4 – الموارد البشرية 5 – التسيير والتدبير. 6 – الشراكة والتمويل. إن لنا أن نتصور أن المدرسة المغربية في ظل هذه المجالات الأساسية الكبرى، سوف تعرف تقدما ملحوظا سواء من الناحية البيداغوجية، أو من ناحية جودة التعليم ورفاهية رجال ونساء التعليم، ومستوى تعليمي جيد للتلاميذ، وتحسين ظروف الاشتغال بتوفير التكنولوجيات الحديثة داخل الفصول وتوفير فرص الشغل المناسبة للحاصلين على الشواهد الجامعية والدبلومات... لكن الواقع يكذب ذلك. فكلما خرج تقرير من هنا أو هناك يصنف مستوى التعليم بين الدول، إلا وكان التعليم المغربي في آخر القائمة. فعلى ماذا نصرف كل هاته الأموال؟ ومن يستفيد من فشل المنظومة التعليمية؟ أو بصيغة أخرى: من يخاف من إصلاح التعليم؟ هذا السؤال هو الذي يستحق أن نبحث له عن إجابة صريحة وتقدمية. فسؤال لماذا فشل إصلاح التعليم، سؤال بعدي -بعد الفشل- أما سؤال من يخاف من إصلاح التعليم، فهو سؤال قبلي -قبل الإصلاح- وهنا تكمن أهمية طرح السؤال الثاني. إننا يا سادة ندمر الوطن وندمر مستقبل الأجيال القادمة ونجعل من أحلامهم كوابيس تقض مضاجعهم. فإما أن نعمل للأجيال القادمة خدمة للوطن والمواطنين. وإما أن نموت غير مأسوف علينا.