لقد تناول المشرع المغربي موضوع تأديب الموظف ضمن غيره من موضوعات الوظيفة العمومية بمقتضى النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية الصادر بالظهير الشريف المؤرخ في 24 فبراير 1958، حيث خصص بابا للحديث عن إجراءات ومسطرة التأديب، والسلطة ذات الاختصاص التأديبي. غير أن بعض القرارات التأديبية التي تصدرها الادارات العمومية سواء على المستوى الجهوي بموجب التفويض الممنوح، أو المركزي بناء على اقتراح المجالس التأديبية، تكون محل انتقادات مجموعة من الموظفين مؤاخذين عليها افتقادها لضوابط قانونية، مما يفقدهم الطمأنينة والأمان وينعكس سلبا على أدائهم الوظيفي مستقبلا، وهو الأمر الذي يدعو الى ضرورة التفكير في اعتماد مجموعة من الآليات الكفيلة بالنهوض بالعملية التأديبية أو الانضباطية ، عبر تقنين المخالفات التأديبية، وربطها بالعقوبات التأديبية، مع جعل العقوبة المقررة لكل جريمة ذات حد أدنى وحد أقصى بحسب الظروف المصاحبة لذلك، سعيا وراء تحقيق مبدأ التناسب بين العقوبة والجريمة تشريعيا، والتقليل من فرص وقوع السلطات التأديبية في شائبة الغلو في تقدير العقوبة أو الشطط في استعمال السلطة، الشيء الذي يفرض عليها الاستعانة بأحكام واجتهادات القضاء الاداري للإستهداء بها في أعمال التناسب والملائمة بين العقوبة والجريمة. كما أن مراجعة النصوص القانونية المنظمة للنظام التأديبي في اطار هيكلة شاملة للنظام الأساسي للوظيفة العمومية الجاري بها العمل، سيؤدي لا محالة الى مسايرة التغيرات التي بات يعرفها قطاع الوظيفة العمومية، مع العمل على إعادة النظر في تركيبة اللجان الثنائية، ووضع معايير موضوعية تضمن التساوي بين مختلف الفاعلين، واعتماد الكفاءة والاختصاص لخلق فاعلية حقيقية في اتخاذ القرارات الصائبة والمبنية على أسس ومرجعيات قانونية وادارية ، والتفكير في ادماج متدخلين آخرين مثل أخصائيين في العلوم الادارية و علم النفس التربوي و علم الاجتماع التربوي وغيره، الى جانب مراجعة اختصاصاتها . وعموما يمكن القول على أن اي نقاش حول العملية التأديبية، لابد أن يأخذ بعين الاعتبار ضرورة الاهتمام بالمورد البشري الذي يعد نواة صلبة للنهوض بأي عمل اداري، ومعالجة أهم مشاكل تدبيره عبر العمل على توفير المناخ الملائم لممارسة وظيفته مع التركيز على تكوينه بشكل مستمر وخاصة في أمور التشريع الاداري، وذلك في سبيل خلق ثقافة إدارية لديه تعفيه من الوقوع في الخطأ وارتكاب مخالفات مجانية يكون السبب فيها بالأساس عدم إلمامه بالمساطر الادارية، مما يحتم على المشرع العمل على إصدار قوانين تهدف إلى تربية الموظف وتعويده على احترام القانون الذي يجب إشراك الجميع في وضعه وصياغته من جهة ، وعلى باقي التنظيمات المهنية العمل على تفعيل دورها التأطيري في هذا الجانب من جهة أخرى، حتى يكون للتأديب في الوظيفة العمومية دور هام في إرساء الانضباط الوظيفي وضمان عدم الخروج عن سير العمل لتمكين الإدارة من تحقيق أهدافها.