يتميز المغرب بموقع جيو_ ستراتيجي كصلة وصل بين أوروبا و إفريقيا. مما مكنه من استقطاب استثمارات خارجية مباشرة جعلته ينافس عليها الدول النفطية بالمنطقة. هذا الموقع الجغرافي له من السلبيات ما له من الإيجابيات. فالتنوع الجغرافي بالمغرب من جبال و صحاري يضع معوقات كبرى تحول بينه و بين تحقيق التنمية المرجوة و الرقي بالمستوى المعيشي للساكنة، و بالتالي الحفاظ على استقرارها في مناطقها الأصلية. هذا الواقع يلزم الجميع بالتأكيد، بالتفكير في طرق مبتكرة تناسب إكراهات الواقع لحل المشاكل التي تعترض تلك المناطق. إن إشكالية تنمية المناطق الهشة والصعبة الولوج ليست وليدة اليوم. بل أصبحت فقط تحظى بمتابعة إعلامية استثنائية مقارنة بالسنوات الماضية، لدرجة أن مراسلي أحد القنوات الإعلامية علق على إحدى مأسي الجبال المحصورة بالثلوج، قائلا بأن الإنسان في تلك الظروف الصعبة خاصة في الشتاء، عوض أن يتمنى الرقي المادي و الاجتماعي يتمنى فقط أن يحصل على وزنه حطبا. أمام هذا الوضع المأسوي تم إطلاق الكثير من المبادرات من طرف الدولة و المجتمع المدني على حد السواء، لكنها لم تصل بعد إلى مستوى طي المشكل نهائيا. فحجم المعضلة أضخم من أن تحله مبادرة أو اثنتين. فالمناطق الجبلية بشكل عام تتميز بوعورة التضاريس مما يجعل فك العزلة عنها صعبا، خاصة و أن السكان غالبا ما يكون تعدادهم قليلا. إذ لا يعقل، منطقيا، أن تضيع المليارات على الطريق و الساكنة نفسها تعد من الطبقات الأكثر فقرا و تحتاج إلى ما يحسن و ضعها المادي أكثر من حاجتها إلى طريق غير مصنفة. مما يوصلنا تلقائيا إلى أنه في بعض الحالات، يستحسن تقريب المواطن من الخدمات الأساسية على تقريبها منه. لكن مشكل التشبث بالأرض و عدم الرغبة بترك موطن الأجداد، خاصة لدى الأجيال السابقة، يحد من نجاعة هذا الحل. و عليه يمكن بتظافر جهود الجميع، و بالاعتماد على جميع مصادر التمويل الممكنة، داخلية كانت أو خارجية، البحث عن أفضل السبل، لضمان الحد الأدنى من التنمية، المقبول إنسانيا على الأقل، من خلال : العمل على استصلاح الأراضي الفلاحية بالتعاون مع الجماعات السلالية و توزيعها على ذوي الحقوق من حاملي الشهادات الراغبين في إنجاز مشاريع خاصة مدرة للدخل بالاعتماد على الطاقة الشمسية، و إحياء العيون. عوض مشاريع حفر الآبار و بناء خزانات المياه، خاصة في المناطق الجافة و الشبه الجافة حيث لا يزرع إلا النخيل الذي يحتاج لسنوات للبدء في إنتاج التمور. ففي هذه الحالة، لا مستقبل لهذا النوع من المشاريع، لأنها بكل بساطة، لن تؤدي في أحسن الأحوال إلا إلى زيادة مصاريف السقي على كاهل الأسر. التركيز على الأنشطة الاقتصادية التي تزاولها الساكنة المستهدفة في كل منطقة على حدة و القيام بما يلزم للرفع من مردوديتها في جميع النواحي. فمثلا يستحسن مساعدة الفقراء بهذه المناطق بتوفير سلالة جيدة من الماعز بأثمنة تفضيلية. عكس ما جرت العادة عليه كتوزيع نعاج من سلالة "الصردي" علي المستفيدين. على اعتبار أن النعاج تباع بأثمنة بخسة للجزارين. في حين أن الإقبال على الخرفان لا يرتفع إلا في عيد الأضحى. تحديد معيقات تطوير مختلف الأنشطة الاقتصادية المحلية، بمعية الساكنة، باعتبارها الأكثر معرفة بخباياها و أسرارها. تشجيع الشباب على إحداث ضيعات فلاحية دون كراء في البداية، بالأراضي الخاضعة لوصاية للدولة، مع ضرورة الاتفاق على السومة الكرائية عند تحسن المداخيل، دون الإضرار بمصالح أي طرف. العمل الجاد و المتواصل للرفع من المستوى التعليمي و التكويني للنساء خاصة في المجال الحرفي، بتفعيل دور النوادي النسوية وضخ دماء جديدة فيها. مع التعريف بأنشطتهن الحرفية في وسائل الإعلام المختلفة. لتسهيل عملية التسويق. التعريف بالقيمة المضافة لشراء المنتوجات المحلية على حياة الساكنة الفقيرة و الهشة على الصعيدين الوطني و الإقليمي، و لما لا على الصعيد الدولي. مع ضرورة التفكير في تخويل و تسهيل إجراءات الحصول على شهادة جودة وطنية ذات معايير دولية، على غرار شهادة المنشأ. و التي حصلت عليها الكثير من الجمعيات و التعاونيات المتخصصة في المجال التنموي. تثمين الموروث التاريخي، الثقافي و الطبيعي الذي يميز كل منطقة و التعريف به في وسائل الإعلام المختلفة. ثم وضع و تطبيق استراتيجية وطنية ذات بعد جهوي، لتوفير مخيمات الاستراحة مع مأوي سياحية بالتنسيق مع المجالس الإقليمية و الجماعات الترابية في مختلف المناطق التي تعتبر مناطق جذب. توفير سيارات إسعاف رباعية الدفع، مجهزة بكل الوسائل الضرورية لتقديم الإسعافات الأولية، للحفاظ على حياة المريض، نظرا لطول و لوعورة المسالك الطرقية بكل المناطق الهشة و الصعبة الولوج لنقل الحالات المستعجلة، في أحسن الظروف إلى أقرب مستوصف. مع تسعيرة تراعي الوضعية الاجتماعية للساكنة. وضع حلول جدرية لحل مشكل النقل بهذه المناطق، بتشجيع النقل المزدوج. على غرار شبكة الهاتف النقال التي أصبحت متوفرة بجل المناطق بفضل برنامج المغرب الرقمي. وبعد انتقال الكثير من شركات الاتصالات إلى العمل بالجيل الرابع بمعظم المناطق الحضرية، وفي إطار عقلنة استغلال الموارد المتوفرة، فإن هذه الشركات مدعوة إلى التسريع في توزيع تجهيزات الجيل الثالث على هذه المناطق. بناء على ما سبق، فإن إخراج المناطق الصعبة الولوج من عزلتها و دمجها في الخريطة الإنتاجية، للمساهمة في بناء الوطن، يحتاج إلى نفس طويل و إلى حكامة جيدة يلزمان الجميع، دولة ومجتمع مدني، على العمل يدا واحدة، نظرا لحجم الجهد و الاعتمادات المالية اللازمان لذلك.