تغمرني حالة من الضيم و الأسى ،و للأسف و أنا أرى بين الفينة و الأخرى تدخلات عنيفة لقوات الأمن و هي منكبة على تعنيف و ركل شباب في عمر العطاء كرسوا سنوات من عمرهم للدراسة و التحصيل العلمي و المهني في التخصصات المقترحة و الممكنة بهدف غد أفضل لم يكن أشدهم تشاؤما يظن هذا المصير المؤلم و المجحف في حقهم وفي حق أسر بالكاد تلبي حاجياتها اليومية كابدت من اجل تعليم أبنائها و استرخصت في ذلك كل ما تملك، هي صور طبّع معها الرأي العام الوطني و المحلي حتى أصبحت صورا من بانوراما شوارعنا المعهودة لا تحرك في دواخلنا شئ غير عبارات الأسى و الحسرة بل واصبحث روتينا ومادة مستهلكة و فاقدة للسبق في المنابر الإعلامية المشهودة، وشكلت كوابيس أمام جدوائية الجامعة و البحث العلمي و هذا إشكال أخر .هي صور تؤثث شوارع العاصمة و غيرها من المدن بل وفي شوارع مدن الجنوب هناك في أقاصي الصحراء عنوانها الأبرز حركات احتجاجية في علاقتها بحملة الشهادات و ذو الخبرات و السواعد المعطلة قسرا . لا يستقيم المعنى و لن تتضح الرسالة إلا بخطاب يحمل في كنهه المساواة و إحقاق الحق لكل طالب سواء في الشمال أو الشرق و كل الاتجاهات ، لكن حديثي هاهنا سيقتصر على فئة من المعطلين تتميز بخصوصية متفردة و معقدة نوعا ما ، فالمعطلون في الجنوب وحركتهم الدائمة لانتزاع ذلك الحق و المساهمة في النسيج التنموي لتلك الربوع هو جزء لا يتجزأ من حقوقهم الثابتة في أن يصبحوا حلقة مهمة من حلقات التنمية بمصوغة تشاركية هذا فضلا عن أن مطالبهم بالتشغيل بالقطاع العمومي تجد تفسيرها في انعدام وضعف القطاع الخاص و المشاريع والمركبات الصناعية بالمنطقة مع جبن رؤوس الأموال في الاستثمار لعدة أسباب موضوعية بالأساس ، وتزداد حرقة جراح اؤلائك المعطلين في تجاوب السلطة و الهيئات المنتخبة الفارغ من أي مدلول ملموس و غض الطرف عن توافد اطر و موظفين من مدن بعيدة دون أن يتكلفوا عناء الدفاع بطرق الإدارة القانونية عن أحقية شباب و اطر المنطقة المعطلة بأحقيتهم في تلك المناصب الشاغرة التي تبعثها السلطات الغير ممركزة للوزارات بالمركز وذلك في تناقض تام مع خطابها المتقادم القائم على عدم وجود المناصب وان هناك عمليات للتوظيف و إيجاد حلول في القريب المنظور. فبحكم معرفتي بالمنطقة وبعض أعطاب التنمية فيها خصوصا وادنون و الساقية الحمراء فان حركية المعطلين بهاتين الجهتين وقوة اندفاعها و ثباتها على مطالبها العادلة بالرغم من اكراهات تنظيمية و انقسامات لكن يبقى تموقعها في صدارة الفعل الاحتجاجي في المدن و إحراج السلطات ما مرة في عديد المناسبات باعتصامات ووقفات و بلاغات صحفية و غيرها لهو آمر يستدعي الوقوف مليا ، لاسيما و أننا لا نقارب ظاهرة اجتماعية بتمفصلات احتجاجية فقط، بل واقع الميدان يفرض أن نساءل عن خطورة اثر هذه الاحتجاجات و الفئة الفاعلة و المتضامنة و المتأثرة و المتضررة منه في مناخ يعرف وضعا سياسيا خاصا ومتقلبا على المستوى الدولي إذا ما قارناها بالمناطق الشمالية للمملكة بل وتضع هذه الاحتجاجات سياساتنا و المشاريع المستقبلية قيد المحك و سؤال الفعالية وتحقيق الأمن الاجتماعي داخل نسق سوسيو سياسي معقد نوعا ما . فلا مناص اليوم ونحن على أعتاب تنزيل الجهوية الموسعة كمشروع وطني في قاطرته الأقاليم الصحراوية من التنزيل الأسلم بإشراك واسع وتجفيف منابع الاحتكار و قطع الود مع انساق الشيخ و المريد والأبوية التي لا تحقق رضي بالمنجز التنموي ولا تولد القناعات بجدوى الاستحقاقات ودولة المؤسسات بقدر ما توسع الهوة بين الاختيارات و المنجزات مع العنصر البشري الحاضن و المنسجم مع تلك الاختيارات هو على العموم اختبار حقيقي لمدى نجاح أو فشل المشاريع الأخرى ذات المدلول السياسي و الوقع الاستراتيجي كبرنامج المجلس الاقتصادي و الاجتماعي البيئي و الحلول المقترحة لذلك والمتضمنة فيه. إن التشخيص الموضوعي و تحديد منزلقات سنوات الريع بما لها و ما عليها لهو أمر أصبح متاح وواضح للجميع ، لكن ما لا يفهم و يراد الإشغال الجدي عليه هو لماذا نعرف أسباب تعثر التنمية"البشرية" في تلك الأقاليم و عدم تحقيقها للمرجو منها و في الحين ذاته نفشل في البرامج و المخططات الموالية التي تحدث قطيعة مع ما أنجز لكن بنفس التركيبة و نفس الوجوه و نفس التكتلات كأننا فاقدين الثقة في فعاليات المجتمع و قواه الحية. فالرسالة هنا واضحة ، كفانا من الصور التراجيدية التي تظهر السلطة في موقف ضعف بخرقها للقانون و الشباب الصحراوي الواعي الكفء وهو يستقبل وابل العصي و الركل على إسفلت شوارع المدن التي اصبحث جوانبها شاهدة على اعتصامات و أشكال احتجاجية جديدة. فبالاستثمار الأمثل و المستديم لتلك الطاقات و غيرها من الشباب الغير ممدرس هو الكفيل بتحقيق الرضي التام و التأشير الايجابي و الانخراط الفعال في مخططات الدولة و عمل الجميع على إنجاحها لأنه ببساطة الفهم السليم لانساق الضبط و التحرك في المجتمع يولد تعامل ايجابي مع الفاعل الرسمي و يحقق رضى متبادل .