لماذا الخيمة الخيمة ليست رمزاً يحيلنا إلى ماض فات، ولا ذكريات نخلدها استعدادا لمستقبل آت، ولا حاضر نعيشه لنقول إننا لنا تاريخا وذكريات، بل هي أعظم من ذلك وأكبر، وأشد غوصا في نفوس الصحراويين وأرحب. الخيمة عنوان قد تضعه فوق ما تبرق وتصل من غير ساع، فهي عنوان الرحابة وانبلاج الأسرة، وهي عنوان الكرم والجود وكثرة رماد القدر، وهي عنوان احتضان رقيق وجذاب للطبيعة تلالا وسهولا وأنهار. مجموعة الخيام أو الفريڭ الفريڭ هو مجموعة الخيام التي يجاور بعضها البعض، سواء لسبب قرابة أو انتجاع مراعي أو لقرب المياه أو لسبب من الأسباب، وبذلك لا تكون الخيمة وحدة للاستقرار المادي فحسب وإنما تجسد إطارا قويا للعلاقات الاجتماعية والعائلية، فإن قيل: خيمة أهل فلان، تعني أسرتهم الصغيرة أو الكبيرة، وإذا قيل فلان تخيَّم أو استخيم بمعنى تزوج... فقد اتخذ أهل الصحراء منذ القدم من الخيمة مسكنا لهم، تأوي إليه الأسر المكونة للفريك الواحد صيفا وشتاء، ومع الإنتقال إلى الحياة في المدينة ظلت الخيمة تراثا ثقافيا عريقا، يتحدى بجماله المعمار الحديث ويصعب محوه من الذاكرة. الخيمة.. حرفة نسائية بامتياز تشترك النساء في حرفة صناعة الخيمة مع الصديقات والجارات، ويشار إلى أن صناعة الخيمة تأخذ وقتا طويلا قبل أن تبدو على شكلها الحالي، حيث تعمل عشرات النساء المتخصصات في خياطة وتطريز الخيام، وهن يتعرضن لقيظ الشمس الحارقة كل يوم من أجل تغطية النقص الحاصل في تكوين الخيمة، خصوصا في فترة الخريف التي يكثر فيها استخدام الخيام لقضاء أوقات الراحة والاستجمام خارج المدينة. بعد أن كانت الخيمة رمزا لقساوة العيش والعزلة وسط الصحراء، أصبح لها مفهوم جديد في المغرب وأعيد لها الاعتبار، كرمز حضاري وموروث ثقافي يتطلب المحافظة عليه. فإقامة أهل الصحراء في المدن داخل الشقق والفيلات، لم يبعدهم عن حياة البداوة والحنين إلى العيش داخل خيمة ولو مثل عطلة نهاية الاسبوع، خصوصا في فصلي الشتاء والربيع بعد أن تنمو النباتات الخضراء على الأراضي القاحلة. الفارق هنا هو أن الخيمة تطورت وأصبحت مجهزة بأحدث وسائل الراحة العصرية، ولا تشبه الخيمة الأصلية إلا في الشكل. ولم يكتف البعض بقضاء بعض الوقت في الخيمة خلال عطلة نهاية الأسبوع فقد قام البعض بنصب خيامه في حدائق المنازل. الخيمة، الحاضر المستمر إن غالبية سكان الصحراء وبالرغم من إقامتهم في الشقق داخل المدن، تجد لديهم خيمة «مكرسة» أي ملفوفة وجاهزة للاستعمال في أي وقت عندما تقرر الأسرة أو العائلة الخروج في نزهة إلى الصحراء بالقرب من الوديان القريبة من المدينة. وأفضل أنواع الخيام، تلك المصنوعة من شعر الماعز أو الصوف وتكون سهلة التفكيك، ويبلغ اتساعها المتوسط من أربعة إلى ستة أمتار، ولكن خيمة كبار القوم أو الأثرياء، قد تتجاوز هذا القد. ويتم رفع الخيمة بواسطة عمودين «ركايز»، ويشد هذين العمودين بعضهما البعض بحبل، ويتم تثبيت الخيمة على الأرض بواسطة أوتاد تسمى «أخوالف». إلا الخيمة هكذا يتبادر المشهد إلى ذهنك وأنت ترى أن الرحل بات لهم هواتف نقالة، وسيارات رباعية الدفع لجلب الماء والمؤونة، وافرشة وأوان، وصحون هوائية مستخدمين الطاقة الشمسية، لكن الخيمة تبقى ثابتة في مكانها وشكلها وكأن لها قوة مؤثرة أو خارقة تمنع المقترب منها إلا للراحة والإستقرار، وكأن لها هيبة لا يستطيع أحد تدنيسها أو الإنتقاص منها. وقد ساهمت المواسم والمهرجانات المقامة في المدن الصحراوية التي تجلب العديد من الزوار والسياح، ساهمت بشكل كبير في إحياء مجد الخيمة التقليدية المصنوعة من شعر الماعز التي أصبحت نادرة، مما دفع الناس إلى الإهتمام من جديد بخيامهم وترميمها. ويمكن النظر إلى عدد خيام موسم طانطان السياحي والتي تصل إلى أكثر من ألف خيمة. للخيمة جيران ورفاق درب يقول الباحث في الشأن الصحراوي الحبيب عيديد، أن الحديث عن ثقافة الصحراء يرتكز على ثلاثة أشكال أساسية، المشروب الذي هو الشاي، والمأوى وهي الخيمة، والجمل، وهو الانيس والرفيق، ولحمه وحليبه مصدران أساسيان للغذاء. ويضيف أن الخيمة الصحراوية تتشابه مع الخيمة العربية بصفة عامة، وتختلف عنها من حيث الشكل، أما من حيث المكونات فهي تصنع من وبر الابل أو الماعز، وتسمى «الخيمة السوداء»، وهي مكونة من عدة أجزاء، وكل جزء يسمى «فليج»، وهو المكون الأساسي للخيمة، ويختلف طوله وعرضه حسب حجم الخيمة، أطوله 20 مترا وأصغره 10 أمتار. وتقسم الخيمة إلى قسمين الأول، خاص بالنساء والآخر خاص بالرجال وهو نفسه المخصص للضيوف. ويعرف عيديد الخيمة على أنها رمز للكرم، فهي ترفع عاليا حتى يراها الضيف من بعيد، وتقوده إلى المكان الذي يجد فيه الطعام والمأوى، والحماية، وقد صنعت بهذا الشكل المثلث لمقاومة الرياح، ومنع تسرب مياه الامطار